الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسعين ومائة
فيها استعدّ الرّشيد وأمعن في بلاد الرّوم، فدخلها في مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا، سوى المجاهدين تطوّعا. وبثّ جيوشه في نواحيها، وفتح هرقلة. ولما افتتحها خرّبها، وسبى أهلها، وكان مقامه عليها شهرا. وسارت فرقة فافتتحت حصن الصقالبة، وفرقة افتتحت حصن الصّفصاف وملقونية [1] .
وركب حميد بن معيوف في البحر، فغزا قبرس [2] وسبى وأحرق، وبلغ السبي من قبرس ستة عشر ألفا، وكان فيهم أسقفّ قبرس، فنودي عليه، فبلغ ألفي دينار، وبعث نقفور الجزية على رأسه، وامرأته، وخواصّه. فكان ذلك خمسين ألف دينار. وبعث إلى الرّشيد يخضع له ويلتمس منه أن لا يخرب حصونا سمّاها، فاشترط عليه الرّشيد أن لا يعمر [3] هرقلة، وأن يحمل في العام ثلاثمائة ألف دينار.
وكتب إليه نقفور: أما بعد، فلي إليك حاجة أن تهب لي [4] لابني
[1] في الأصل: «فلفونيه» ، وفي المطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 304) :«مقدونية» وكلاهما خطأ، والتصحيح من جدول الخطأ والصواب الذي أعدّه القدسي- رحمه الله للجزء الأول من طبعته من هذا الكتاب.
قال ياقوت: ملقونية: بلد من بلاد الروم قريب من قونية، تفسيره مقطع الرحى، لأن من جبلها يقطع رحى تلك البلاد. «معجم البلدان» (5/ 194) .
قلت: وقونية تقع الآن في الجنوب الأوسط من تركية.
[2]
في المطبوع: «قبرص» وهو ما تعرف به الجزيرة الآن.
[3]
في المطبوع: «ألا يعمر» .
[4]
في الأصل: «أن هب لي» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي.
جارية من سبي هرقلة كنت خطبتها له، فأسعفني بها، فأحضر الرّشيد الجارية، فزيّنت، وأرسل معها سرادقا وتحفا، فأعطى نقفور الرّسول خمسين ألفا وثلاثمائة ثوب وبراذين [وبزاة][1] . ذكره في «العبر» [2] .
وفيها- كما قال ابن الجوزي في «الشذور» [3]- أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون، وكان مجوسيا.
وفيها توفي الفقيه أسد بن عمرو البجليّ الكوفيّ صاحب أبي حنيفة وقاضي بغداد.
قال في «المغني» [4] : أسد بن عمرو أبو المنذر، عن ربيعة الرّأي، ليّنه [5] البخاريّ.
وقال يحيى: كذوب.
وقال أحمد: صدوق.
وقال ابن عدي: لم أر له شيئا منكرا. انتهى.
وفيها قارئ مكّة في زمنه، إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزوميّ، مولاهم المعروف بالقسط، وله تسعون سنة. وهو آخر أصحاب ابن كثير وفاة. قرأ عليه الشّافعيّ وجماعة.
وفيها أبو عبيدة الحدّاد البصريّ نزيل بغداد، واسمه عبد الواحد بن واصل. روى عن عوف الأعرابي وعدّة، وكان حافظا متقنا.
[1] زيادة من «العبر» .
[2]
(1/ 305) .
[3]
يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» .
[4]
(1/ 76) .
[5]
في «المغني» : «ضعّفه» .
وعبيدة بن حميد الكوفيّ الحذّاء الحافظ وله بضع وثمانون سنة. روى عن الأسود بن قيس، ومنصور، والكبار، وكان صاحب قرآن، وحديث، ونحو. أدّب الأمين بعد الكسائيّ. وكان من الأثبات.
وعمر بن علي المقدّميّ أبو جعفر البصريّ. وكان حافظا مدلّسا. كان يقول: حدّثنا، أو يقول: سمعت، ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عروة، وينوي القطع.
قال ابن ناصر الدّين: عمر بن علي بن عطاء المقدّميّ من الثقات، لكنه شديد التدليس. انتهى.
وفيها عطاء بن مسلم الخفّاف. كوفيّ صاحب حديث، ليس بالقوي.
نزل حلب. وروى عن محمّد بن سوقة وطبقته.
وفيها حميد بن عبد الرّحمن الرّؤاسيّ الكوفيّ. روى عن الأعمش وطبقته.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: قلّ من رأيت مثله.
قال في «المغني» [1] : عن الضّحّاك لا يعرف. انتهى.
وفيها يحيى بن خالد بن برمك البرمكيّ، توفي في سجن الرّشيد وله سبعون سنة.
قال ابن الأهدل: وبرمك من مجوس بلخ، ولا يعلم إسلامه، وكان خالد قد ولي وزارة السّفّاح.
قال المسعوديّ [2] : ولم يبلغه أحد من بنيه، لا يحيى في شرفه وبعد همّته، ولا موسى في شجاعته ونجدته.
[1](1/ 195) .
[2]
في «مروج الذهب» (3/ 277) والمؤلف ينقل عنه باختصار وتصرّف.
وكان المهديّ قد جعل الرّشيد في حجر يحيى، فعلّمه الأدب. وكان يدعوه أبا، فلما ولي دفع إليه خاتمه، وقلّده أمره، وفي ذلك يقول الموصليّ [1] :
ألم تر أنّ الشّمس كانت سقيمة
…
فلمّا ولي هارون أشرق نورها
أمين أمين الله هارون ذو النّدى
…
فهارون وإليها وهذا وزيرها
ومن كلام يحيى: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهديّة، والكتاب، والرّسول.
وكان يقول لبنيه: اكتبوا أحسن [2] ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدّثوا بأحسن ما تحفظون.
وفي بنيه يقول الشاعر:
أولاد يحيى أربع
…
كأربع الطّبائع
فهم إذا اختبرتهم
…
طبائع الصّنائع [3]
وفيه يقول العتّابيّ:
سألت النّدى والجود حرّان أنتما
…
فقالا كلانا عبد يحيى بن خالد
فقلت شراء ذلك الملك قال لا
…
ولكن إرثا والدا بعد والد [4]
وكان يقول: إذا أقبلت فأنفق فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت فأنفق فإنها لا تبقى.
وقال: يدل على حلم الرّجل سوء أدب غلمانه.
[1] قال ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (6/ 221) : أظنه إبراهيم النديم، أو ابنه إسحاق، وفي «الكامل» لابن الأثير (6/ 108) :«إبراهيم الموصلي» والأبيات فيه برواية أصوب.
[2]
لفظة «أحسن» سقطت من «مرآة الجنان» فتستدرك فيه.
[3]
البيتان في «وفيات الأعيان» (6/ 221) ، و «مرآة الجنان» (1/ 433) وهما برواية أخرى في «مروج الذهب» (3/ 277) .
[4]
البيتان في «مرآة الجنان» (1/ 435) مع بعض الخلاف، ولم ينسبهما لأحد.
وحكي أنه كتب أبياتا قبل موته يخاطب الرّشيد:
سينقطع التّلذذ عن أناس
…
أداموه وتنقطع الهموم
ستعلم في الحساب إذا التقينا
…
غدا عند الإله من الظّلوم
ألا يا بائعا دينا بدنيا
…
غرورا لا يدوم لها نعيم
تخلّ من الذّنوب فأنت منها
…
على أن لست ذا سقم سقيم
تنام ولم تنم عنك المنايا
…
تنبّه للمنيّة يا نؤوم
تروم الخلد في دار التّفاني
…
وكم قد رام قبلك ما تروم
إلى ديّان يوم الدّين نمضي
…
وعند الله تجتمع الخصوم
ولم يزل يحيى بن خالد وابنه الفضل في الرافقة- وهي الرّقّة القديمة المجاورة للرّقّة الجديدة، وهي البلد المشهورة الآن على شاطئ الفرات، ويقال: لهما الرّقّتان تغليبا كالعمرين- في حبس الرّشيد إلى أن مات يحيى في الثالث من المحرم سنة تسعين وهو ابن سبعين سنة، وصلّى عليه ابنه الفضل بن يحيى ودفن في شاطئ الفرات في ربض هرثمة، ووجد في جيبه رقعة فيها مكتوب بخطه: قد تقدم الخصم والمدّعي عليه في الأثر، والقاضي هو الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بيّنة، ولما قرأ الرّشيد الرقعة بكى يومه كله، واستمر أياما يتبيّن الأسى في وجهه، ونام يحيى فمات فجأة، فقال الرّشيد: اليوم مات عاقل النّاس.
وقال يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يقول: لم يكن ليحيى بن خالد ولولده أحد في الكفاية، والبلاغة، والجود، والشجاعة. انتهى.