الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمسين ومائة
فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير أستاذسيس [1] حتّى اجتمع له فيما قيل: ثلاثمائة ألف مقاتل، ما بين فارس وراجل، وسائرهم من أهل هراة، وسجستان، واستولى على أكثر خراسان، وعظم الخطب، فنهض لحربه الأخثم [2] المروروذي، فقتل الأخثم واستبيح عسكره، فسار حازم بن خزيمة في جيش عظيم بالمرّة، فالتقى الجمعان، وصبر الفريقان، وقتل خلق [كثير] [3] حتّى قيل: إنه قتل في هذه الوقعة سبعون ألفا، وانهزم أستاذسيس في طائفة إلى جبل، وكانت هذه الوقعة في السنة الآتية، سقناها استطرادا، ثم أمر حازم بالأسرى فضرب أعناقهم كلهم وكانوا أربعة عشر ألفا ثم حاصر أستاذسيس مدة، ثم نزل على حكمهم، فقيد هو وأولاده، وأطلق أصحابه، وكانوا ثلاثين ألفا.
وفيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الرّوميّ ثم المكيّ، مولى بني أميّة عن أكثر من سبعين سنة. أخذ عن عطاء وطبقته، وهو أول من صنّف الكتب بالحجاز، كما أن سعيد بن أبي عروبة أول من صنّف بالعراق.
[1] في الأصل: «إسناديس» ، وفي المطبوع هنا وفي سياق الخبر:«إسناذسيس» وما أثبتناه من «العبر» للذهبي (1/ 213) مصدر المؤلف، وفي «دول الإسلام» للذهبي:«إسنادسيس» .
[2]
في «دول الإسلام» للذهبي: «الأجثم» .
[3]
زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 212) .
قال أحمد: كان من أوعية العلم.
قال في «العبر» [1] : ولم يطلب العلم إلّا في الكهولة، ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة، فإنه قال: كنت أتتبّع [2] الأشعار العربيّة والأنساب، حتّى قيل لي: لو لزمت عطاء، فلزمته ثمانية عشر عاما.
قال ابن المديني: لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج.
وقال عبد الرّزّاق: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج.
وقال خالد بن نزار الأيلي: رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومائة لألقاه [3] فوجدته قد مات رحمه الله تعالى. انتهى كلامه في «العبر» .
وقال ابن الأهدل: هو أول من صنّف الكتب في الإسلام، كان باليمن مع معن بن زائدة، قال: فحضر وقت الحجّ وخطر بباله قول عمر بن أبي ربيعة:
بالله قولي له من غير معتبة
…
ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها
…
فما أخذت بترك [4] الحجّ من ثمن [5]
قال: فدخلت على معن، فأخبرته أني عزمت على الحجّ، قال: لم تذكره من قبل، فأخبرته بما بعثني، فجهّزني وانطلقت. انتهى.
[1](1/ 213) وكلام المؤلف المتقدم عنه من «العبر» أيضا.
[2]
في «العبر» للذهبي: «اتبع» .
[3]
لفظة «لألقاه» سقطت من «العبر» للذهبي (1/ 214) فتستدرك فيه.
[4]
في الأصل، والمطبوع:«فما أجدت لترك الحج» وما أثبته من «ديوان عمر بن أبي ربيعة» .
[5]
البيتان في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» ص (217) طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وقال في «المعارف» [1] : ابن جريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وجريج كان عبدا لأمّ حبيب بنت جبير، وكانت تحت عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسد، فنسب إلى ولائه، وولد سنة ثمانين عام الجحاف. والجحاف: سيل كان بمكّة.
حدّثني [2] أبو حاتم، عن الأصمعيّ، عن أبي هلال قال: كان ابن جريج أحمر الخضاب.
روى الواقديّ قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد [3] قال: شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة، فقال يا أبا المنذر الصحيفة التي أعطيتها إلى فلان [4] هي حديثك؟ قال: نعم.
قال الواقديّ: فسمعت ابن جريج بعد ذلك يقول: حدّثنا هشام بن عروة ما لا أحصي.
قال [5] : وسألته عن قراءة الحديث عن المحدّث. قال: ومثلك يسأل عن هذا؟ إنما اختلف النّاس في الصحيفة يأخذها ويقول: أحدّث بما فيها، ولم يقرأها، وأما إذا قرأها فهو والسماع سواء. انتهى كلام «المعارف» .
قلت: وهذا مذهب مالك وجماعة، وأما عند الحنابلة فالسماع أعلى رتبة، ويشهد لمذهبهم العقل والذّوق، والله أعلم.
وفيها مات أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزديّ مولاهم الخراسانيّ
[1] ص (488) .
[2]
القائل ابن قتيبة في «المعارف» .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«عبد الرحمن بن أبي زياد» ، وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (488) وكتب الرجال.
[4]
في «المعارف» : «التي أعطيتها فلانا» .
[5]
القائل الواقدي.
المفسّر. [عدّوه من المشبّهة كما ذكره الشيخ عبد القادر في «الغنية» ][1] .
وقال في «المغني» [2] : مقاتل بن سليمان البلخي [المفسّر][3] ، هالك، كذّبه وكيع والنسائي. انتهى.
وقال ابن الأهدل: كان نبيلا، واتهم في الرّواية. قال مرّة: سلوني عمّا دون العرش، فقيل له: من حلق رأس آدم لمّا حجّ. وقال له آخر: الذّرّة [4] أو النملة معاؤها في مقدمها أو مؤخرها، فلم يدر ما يقول، وقال: ليس هذا من علمكم، لكن بليت به لعجبي بنفسي.
وسأله المنصور: لم خلق الله الذّباب، فقال: ليذلّ به الجبابرة.
وقال الشّافعيّ: النّاس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الفقه، وعلى الكسائي في النحو، وعلى ابن إسحاق في المغازي.
وفيها توفي الإمام أبو حنيفة النّعمان بن ثابت الكوفيّ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، ومولده سنة ثمانين، رأى أنسا وغيره، ونظم بعضهم من لقي من الصحابة فقال:
لقي الإمام أبو حنيفة ستّة
…
من صحب طه المصطفى المختار
أنسا وعبد الله نجل أنيسهم
…
وسميّه ابن الحارث الكرّار
وزد ابن أوفى وابن واثلة الرّضي
…
واضمم إليهم معقل بن يسار
[1] ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع. و «الغنية» و «الغنية لطالب طريق الحق» وهو مطبوع متداول.
[2]
(2/ 675) .
[3]
لفظة «المفسر» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «المغني» للذهبي.
[4]
قال ابن منظور: الذّر: صغار النمل، واحدته ذرّة، قال ثعلب: إن مائة منها وزن حبة من شعير، فكأنها جزء من مائة، وقيل: الذّرّة ليس لها وزن. «لسان العرب» (ذرر) .
ولكن لم تثبت له رواية عن أحد منهم، وإنما روى عن عطاء بن أبي رباح وطبقته، وتفقّه على حمّاد بن سليمان، وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه، والعبادة، والورع، والسّخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخزّ [1] وعنده صنّاع وأجراء رحمه الله تعالى.
قال الشّافعيّ: النّاس في الفقه عيال على أبي حنيفة.
وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة.
وروى بشر بن الوليد، عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال: والله لا يتحدّث عنّي بما لم أفعل، فكان يحيي الليل صلاة، ودعاء، وتضرّعا.
وقد روي أن المنصور سقاه السّمّ فمات شهيدا- رحمه الله سمّه لقيامه مع إبراهيم [2] . قاله في «العبر» [3] .
وذكر الحافظ العامري في تأليفه «الرياض المستطابة» [4] وكذلك ملخّصه صالح بن صلاح العلائي، ومن خطّه نقلت، أن الإمام أبا حنيفة رأى عبد الله بن الحارث بن جزء الصحابي، وسمع منه قوله- صلى الله عليه وسلم:«من تفقّه في دين الله كفاه الله همّه ورزقه من حيث لا يحتسب» [5] . انتهى.
[1] قال في «مختار الصحاح» ص (174) : الخزّ واحد الخزوز من الثياب.
[2]
هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أحد الأمراء الشجعان، خرج بالبصرة على المنصور، وتحول إلى الكوفة، وممن آزره أبو حنيفة، قتله حميد بن قحطبة سنة (145) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (1/ 48) . (ع) .
[3]
(1/ 214- 215) .
[4]
ص (149) من منسوختنا، وقد قمت بتحقيقه بالاشتراك مع الأستاذ الفاضل رياض عبد الحميد مراد. وسوف نقدمه للطبع قريبا إن شاء الله تعالى.
[5]
ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (3/ 32) وكذلك هو في «تاريخ نيسابور» للحاكم وقد ذكره الذهبي في «الميزان» (1/ 141) وفي سنده أحمد بن محمد بن الصلت الحمّاني، وهو كذاب وضاع. قال الذهبي: قلت: هذا كذب، وعبد الله بن الحارث بن جزر الصحابي
وقال ابن الأهدل: نقله المنصور عن الكوفة إلى بغداد ليولّيه القضاء فأبى، فحلف عليه ليفعلنّ، فحلف أن لا يفعل، وقال أمير المؤمنين أقدر مني على الكفّارة، فأمر به إلى الحبس.
وقيل: إنه ضربه.
وقيل: سقاه سمّا لقيامه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن [1] فمات شهيدا.
وقيل: إنه أقام في القضاء يومين ثم اشتكى ستة أيام ومات.
وكان ابن هبيرة قد أراده على القضاء في الكوفة أيام مروان الجعديّ فأبى، وضربه مائة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة، وأصرّ على الامتناع، فخلّى سبيله.
وكان الإمام أحمد، إذا ذكر ذلك ترحّم عليه. انتهى.
وقد قال في «الأشباه والنظائر» [2] : لما جلس أبو يوسف- رحمه الله للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة، أرسل إليه أبو حنيفة رجلا فسأله عن خمس مسائل:
الأولى: قصّار جحد الثوب وجاء به مقصورا، هل [3] يستحق الأجر أم لا؟ فأجاب أبو يوسف: يستحق الأجر. فقال له الرّجل: أخطأت، فقال: لا يستحق، فقال: أخطأت، ثم قال له الرّجل: إن كانت القصارة قبل الجحود استحقّ، وإلا فلا.
الثانية: هل الدخول في الصّلاة بالفرض أم بالسّنّة؟ فقال: بالفرض،
توفي بمصر ولأبي حنيفة ست سنين، وكذلك قال الحافظ ابن حجر في «اللسان» (1/ 270) .
[1]
تقدم التعريف به في الصفحة السابقة التعليق رقم (2) .
[2]
«الأشباه والنظائر» لابن نجيم ص (512- 513) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد مطيع الحافظ، طبع دار الفكر بدمشق. وما بين حاصرتين في القصة استدركته منه.
[3]
في الأصل، والمطبوع:«أهل» وأثبت لفظ «الأشباه والنظائر» .
فقال: أخطأت، فقال بالسّنّة، فقال: أخطأت، فتحيّر أبو يوسف، فقال الرّجل: بهما، لأن التكبير فرض، ورفع اليدين سنّة.
الثالثة: طير سقط في قدر على النّار، فيه لحم ومرق، هل يؤكلان، أم لا؟
فقال أبو يوسف: يؤكلان، فخطّأه، فقال: لا يؤكلان، فخطّأه، ثم قال: إن كان اللحم مطبوخا قبل سقوط الطير يغسل ثلاثا ويؤكل، وترمى المرقة، وإلا يرمى الكلّ.
الرابعة: مسلم له زوجة ذميّة ماتت وهي حامل منه، تدفن في أيّ المقابر؟ فقال: في مقابر المسلمين، فخطّأه، فقال أبو يوسف: في مقابر أهل الذّمّة، فخطّأه، فتحيّر [أبو يوسف] فقال [الرّجل: تدفن] في مقابر اليهود- أي لأنهم يوجهون قبورهم إلى القبلة- ولكن يحوّل وجهها عن القبلة حتّى يكون وجه الولد إلى القبلة، لأن الولد في البطن يكون وجهه إلى ظهر أمه.
الخامسة: أمّ ولد لرجل، تزوجت بغير إذن مولاها، [فمات المولى]، هل تجب العدّة من المولى؟ فقال: تجب، فخطّأه، [ثم قال: لا تجب، فخطّأه] ، ثم قال الرّجل: إن كان الزّوج دخل بها لا تجب، وإلا وجبت.
فعلم أبو يوسف تقصيره، فعاد إلى أبي حنيفة، فقال تزبّبت [1] قبل أن تحصرم، كذا في إجارات الفيض. انتهى كلام «الأشباه» والله أعلم، وبه التوفيق.
وفيها، أو في التي قبلها- وهو الصحيح- الحجّاج بن أرطاة.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» :
ثمّ أبو أرطأة الحجّاج
…
مدلّس قد طمس الحجاج
[1] في المطبوع: «تزبيت» وهو تصحيف.
أي العظم المستدير حول العين، ويقال: بل هو الأعلى الذي تحت الحاجب [1] .
قال في «المغني» [2] : حجّاج بن أرطاة النخعيّ الكوفيّ، من كبار الفقهاء، تركه ابن مهدي، والقطّان، وقال أحمد، لا يحتجّ به. وقال ابن عديّ: ربما أخطأ ولم يتعمّد، وقد وثّق. وقال ابن معين. أيضا: صدوق يدلس. خرّج له مسلم مقرونا بغيره انتهى.
وقد خرج له الأربعة [3] ، وابن حبّان.
وفيها عمر بن محمّد بن يزيد بن عبد الله بن عمر العمريّ بعسقلان.
روى عن سالم بن عبد الله وطائفة، ولم يعقّب، وكان من السادة العبّاد.
قال الثوريّ: لم يكن في آل عمر أفضل منه.
وقال أبو عاصم النّبيل: كان من أفضل أهل زمانه.
وعثمان بن الأسود المكيّ: روى عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس.
[1] انظر «لسان العرب» (حجج) .
[2]
(1/ 149) .
[3]
يعني أصحاب «السنن» أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.