المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - جـ ٢

[ابن العماد الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌سنة إحدى ومائة

- ‌سنة اثنتين ومائة

- ‌سنة ثلاث ومائة

- ‌سنة أربع ومائة

- ‌سنة خمس ومائة

- ‌سنة ست ومائة

- ‌سنة سبع ومائة

- ‌سنة ثمان ومائة

- ‌سنة تسع ومائة

- ‌سنة عشر ومائة

- ‌سنة إحدى عشرة ومائة

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائة

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائة

- ‌سنة أربع عشرة ومائة

- ‌سنة خمس عشرة ومائة

- ‌سنة ست عشرة ومائة

- ‌سنة سبع عشرة ومائة

- ‌سنة ثماني عشرة ومائة

- ‌سنة تسع عشرة ومائة

- ‌سنة عشرين ومائة

- ‌سنة إحدى وعشرين ومائة

- ‌سنة اثنتين وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاث وعشرين ومائة

- ‌سنة أربع وعشرين ومائة

- ‌سنة خمس وعشرين ومائة

- ‌سنة ست وعشرين ومائة

- ‌سنة سبع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثمان وعشرين ومائة

- ‌سنة تسع وعشرين ومائة

- ‌سنة ثلاثين ومائة

- ‌سنة إحدى وثلاثين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربع وثلاثين ومائة

- ‌سنة خمس وثلاثين ومائة

- ‌سنة ست وثلاثين ومائة

- ‌سنة سبع وثلاثين ومائة

- ‌سنة ثمان وثلاثين ومائة

- ‌سنة تسع وثلاثين ومائة

- ‌سنة أربعين ومائة

- ‌سنة إحدى وأربعين مائة

- ‌سنة اثنتين وأربعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وأربعين ومائة

- ‌سنة أربع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمس وأربعين ومائة

- ‌سنة ست وأربعين ومائة

- ‌سنة سبع وأربعين ومائة

- ‌سنة ثمان وأربعين ومائة

- ‌سنة تسع وأربعين ومائة

- ‌سنة خمسين ومائة

- ‌سنة إحدى وخمسين ومائة

- ‌سنة اثنتين وخمسين ومائة

- ‌سنة ثلاث وخمسين ومائة

- ‌سنة أربع وخمسين ومائة

- ‌سنة خمس وخمسين ومائة

- ‌سنة ست وخمسين ومائة

- ‌سنة سبع وخمسين ومائة

- ‌سنة ثمان وخمسين ومائة

- ‌سنة تسع وخمسين ومائة

- ‌سنة ستين ومائة

- ‌سنة إحدى وستين ومائة

- ‌سنة اثنتين وستين ومائة

- ‌سنة ثلاث وستين ومائة

- ‌سنة أربع وستين ومائة

- ‌سنة خمس وستين ومائة

- ‌سنة ست وستين ومائة

- ‌سنة سبع وستين ومائة

- ‌سنة ثمان وستين ومائة

- ‌سنة تسع وستين ومائة

- ‌سنة سبعين ومائة

- ‌سنة إحدى وسبعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وسبعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وسبعين ومائة

- ‌سنة أربع وسبعين ومائة

- ‌سنة خمس وسبعين ومائة

- ‌سنة ست وسبعين ومائة

- ‌سنة سبع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمان وسبعين ومائة

- ‌سنة تسع وسبعين ومائة

- ‌سنة ثمانين ومائة

- ‌سنة إحدى وثمانين ومائة

- ‌سنة اثنتين وثمانين ومائة

- ‌سنة ثلاث وثمانين ومائة

- ‌سنة أربع وثمانين ومائة

- ‌سنة خمس وثمانين ومائة

- ‌سنة ست وثمانين ومائة

- ‌سنة سبع وثمانين ومائة

- ‌سنة ثمان وثمانين ومائة

- ‌سنة تسع وثمانين ومائة

- ‌سنة تسعين ومائة

- ‌سنة إحدى وتسعين ومائة

- ‌سنة اثنتين وتسعين ومائة

- ‌سنة ثلاث وتسعين ومائة

- ‌سنة أربع وتسعين ومائة

- ‌سنة خمس وتسعين ومائة

- ‌سنة ست وتسعين ومائة

- ‌سنة سبع وتسعين ومائة

- ‌سنة ثمان وتسعين ومائة

- ‌سنة تسع وتسعين ومائة

- ‌سنة مائتين

الفصل: ‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

‌سنة اثنتين وثلاثين ومائة

فيها ابتداء دولة العباسيين، وبويع أبو العبّاس السّفّاح عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس بالكوفة، وجهّز عمه عبد الله بن علي لمحاربة مروان ابن محمّد الجعدي، فزحف مروان إليه في مائة ألف، إلى أن نزل بالزّاب [1] دون الموصل، فالتقوا في جمادى الآخرة، فانكسر مروان، واستولى عبد الله بن علي على الجزيرة، وطلب الشام، وهرب مروان إلى مصر، فأتبعهم [2] أيضا، فأدركهم بفلسطين، فأوقع بهم بضعا وثمانين رجلا، ثم عبر مروان النيل طالبا الحبشة، فلحقه صالح بن علي عمّ السّفّاح، فأدركه بقرية من قرى الفيّوم من أرض مصر يقال لها بوصير [3] فوافاه صائما وقد قدّم له الفطور، فسمع الصائح، فخرج وسيفه مصلت، فجعل يضرب بسيفه ويتمثل بقول الحجّاج بن حكيم:

متقلّدين صفائحا هنديّة

يتركن من ضربوا كأن لم يولد

[1] نهر يسمى الزّاب الأعلى، وهو بين الموصل وإربل. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 123- 124) .

[2]

في المطبوع: «فأنبعهم» وهو تصحيف.

[3]

في الأصل: «بوصيري» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب، انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 509) .

ص: 138

وإذا دعوتهم [1] ليوم كريهة

وافوك بين مكبّر وموحّد

فقصدته الخيول من كل جانب، وقتلوه، وكان أهله وبناته في كنيسة هناك، فأقبل خادمه بالسيف مصلتا يريد الدخول عليهم، فأخذ وسئل عن مراده، فقال: إن مروان أمرني إذا تيقّنت موته أن أضرب رقاب نسائه وبناته، فأرادوا قتله، فقال: إن قتلتموني لتفقدن ميراث رسول الله- صلى الله عليه وسلم قالوا: فدلنا على ذلك إن كنت صادقا، فخرج بهم إلى رمل هناك، فكشفوه فإذا فيه القضيب، والبرد، والقعب [2] والمصحف [3] فأخذوه، وكان الذي تولى قتله عامر بن إسماعيل الخراساني، وهو صاحب مقدمة صالح، ولما قتله دخل بيته، وركب سريره، ودعا بعشائه، وجعل رأس مروان في حجر ابنته، وأقبل يوبّخها، فقالت له: يا عامر، إن دهرا أنزل مروان عن فراشه وأقعدك عليه حتّى تعشيت عشاءه، لقد أبلغ في موعظتك، وعمل في إيقاظك وتنبيهك إن عقلت وفكرت، ثم قالت: وا أبتاه، وا أمير المؤمنيناه، فأخذ عامرا الرّعب من كلامها، وبلغ ذلك أبا العبّاس السّفّاح، فكتب إلى عامر يوبّخه ويقول: أما في أدب الله ما يخرجك عن عشاء مروان والجلوس على مهاده.

وقتل مروان وله تسع وخمسون سنة، وقيل: سبع وستون، وإمارته خمس سنين وتسعة أشهر وأيام.

وقتل معه أخ لعمر بن عبد العزيز، كان أحد الفرسان، وكان مروان بطلا، شجاعا، ظالما، أبيض، ضخم الهامة، ربعة، أشهل العين، كثّ اللحية، أسرع إليه الشيب، ذكره المنصور مرّة فقال: لله درّه ما كان أحزمه، وأسوسه، وأعفّه عن الفيء. قاله في «العبر» [4] .

[1] في الأصل: «وإذ دعوتهم» .

[2]

القعب: القدح الضخم. انظر «لسان العرب» (قعب) .

[3]

في «مروج الذهب» (3/ 262) : «فإذا البرد، والقضيب، ومحصر» .

[4]

لم أجد هذا النقل في «العبر» المطبوع.

ص: 139

وسار أولاد مروان وشيعتهم على شاطئ النيل إلى أن دخلوا أرض النّوبة، فأخرجهم ملكها، ثم ساروا حتّى توسطوا أرض البجاء [1] ميممين [2] ناصع [3] من ساحل بحر القلزم [4] ولهم حروب مع من مرّوا به.

وهلك عبيد الله بن مروان في غده قتلا وعطشا، وخرج أخوه عبد الله فيمن بقي إلى ساحل المندب [5] بناصع وأرض البجاء [6] وقطعوا البحر إلى جدّة، فظفر به وأودع السّجن إلى أيام الرّشيد وهلك.

وروي أن عبد الله هذا حدّث أبا جعفر المنصور بما جرى له مع ملك النّوبة، وملخص القصة على ما ذكره صاحب «العقد الفريد» [7] : ذكر سليمان بن جعفر قال: كنت واقفا على رأس المنصور ليلة وعنده جماعة فتذاكروا [8] زوال ملك بني أميّة، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين في حبسك عبد الله بن مروان بن محمّد، وقد كانت له قصة عجيبة مع ملك النّوبة، فابعث إليه فاسأله عنها، فقال المنصور: يا مسيّب عليّ به، فأخرج وهو مقيّد بقيد ثقيل، وغلّ ثقيل، فمثل بين يديه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له المنصور: يا عبد الله، إن ردّ السّلام أمن ولم تسمح لك نفسي بذلك بعد، ولكن اقعد، فجاؤوه بوسادة فقعد عليها، فقال

[1] في الأصل، والمطبوع:«أرض البجة» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» لياقوت (4/ 388) وفيه قال: والبجّاء قوم سود أشد سوادا من الحبشة.

[2]

في الأصل: «متيممين» وأثبت ما في المطبوع.

[3]

قال ياقوت: ناصع من بلاد الحبشة. «معجم البلدان» (5/ 251) .

[4]

قلت: ويعرف الآن بالبحر الأحمر.

[5]

في الأصل، والمطبوع:«ساحل المعدن» وهو خطأ، والتصحيح من «العقد الفريد» لابن عبد ربه (5/ 215) طبع دار الكتب العلمية. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 209) .

[6]

في الأصل، والمطبوع:«أرض البجة» والتصحيح من «معجم البلدان» لياقوت (4/ 388) .

[7]

«العقد الفريد» (5/ 217- 218) طبع دار الكتب العلمية.

[8]

في الأصل: «فتذكروا» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

ص: 140

له: بلغني أنه كانت لك قصة عجيبة مع ملك النّوبة فما هي؟ قال: يا أمير المؤمنين والذي أكرمك بالخلافة ما أقدر على النّفس من ثقل الحديد، ولقد صدئ قيدي من رشاش البول، وأصب عليه الماء في أوقات الصلوات، فقال المنصور: يا مسيّب أطلق عنه حديده، فلما أطلقه قال: يا أمير المؤمنين لما قصد عبد الله بن علي عمّ أمير المؤمنين إلينا، كنت أنا المطلوب أكثر من الجماعة كلّهم، لأني كنت ولي عهد أبي من بعده، فدخلت إلى خزانة لنا فاستخرجت منها عشرة آلاف دينار، ثم دعوت عشرة من الغلمان، وحمّلت كل واحد على دابة ودفعت إليه ألف دينار، وأوقرت خمسة أبغل ما نحتاجه، وشددت على وسطي جوهرا له قيمة مع شيء من الذّهب، وخرجت هاربا إلى بلد النّوبة، فسرت فيها ثلاثا، فوقعت على مدينة خراب، فأمرت الغلمان فكسحوا [1] منها ما كان قذرا، ثم فرشوا بعض تلك الفرش، ودعوت غلاما لي كنت أثق به وبعقله، فقلت: انطلق إلى الملك وأقرئه عني السّلام، وخذ لي الأمان، وابتع لي ميرة [2] قال: فمضى وأبطأ عني حتّى سؤت ظنا، ثم أقبل ومعه رجل آخر، فلما دخل قعد بين يديّ وقال لي: الملك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: من أنت؟ وما جاء بك إلى بلادي؟ أمحارب لي؟ أم راغب إليّ؟ أم مستجير بي؟ فقلت: ترد على الملك السّلام وتقول له: أمّا محارب لك فمعاذ الله، وأما راغب في دينك فما كنت لأبغي بديني بدلا، وأما مستجير بك فلعمري. قال: فذهب ثم رجع إليّ وقال: الملك يقرأ عليك السّلام ويقول لك: أنا صائر إليك غدا، فلا تحدثن في نفسك حدثا، ولا تتخذ شيئا من ميرة فإنها تأتيك وما تحتاج إليه، فأقبلت الميرة، فأمرت غلماني يفرشون تلك الفرش، وأمرت بفرش نصب له ولي مثله، وأقبلت من

[1] قال ابن منظور: الكسح: الكنس، كسح البيت والبئر يكسحه كسحا: كنسه، والمكسحة:

المكنسة. «لسان العرب» (كسح) .

[2]

الميرة: الطعام. انظر «مختار الصحاح» ص (640) .

ص: 141

غد أرقب مجيئه، فبينا أنا كذلك إذ أقبل غلماني وقالوا: إن الملك قد أقبل، فقمت بين شرفتين من شرف القصر أنظر إليه، فإذا رجل قد لبس بردتين، اتّزر بواحدة [1] وارتدى بالأخرى، حاف راجل، وإذا عشرة معهم الحراب، ثلاثة يقدمونه، وسبعة خلفه، وإذا الرّجل لا يعبأ به، فاستصغرت أمره، وهان عليّ لما رأيته في تلك الحال، فلما قرب من الدّار إذا أنا بسواد عظيم، فقلت:

ما هذا؟ قيل: الخيل، وإذا بها تزيد على عشرة آلاف عنان، فكانت موافاة الخيل إلى الدّار وقت دخوله، فدخل إليّ وقال لترجمانه: أين الرّجل؟ فلما نظر إليّ وثبت إليه، فأعظم ذلك، وأخذ بيدي فقبّلها ووضعها على صدره، وجعل يدفع البساط برجله، فظننت أن ذلك شيئا يجهلونه أن يطأوا على مثله، حتّى انتهى الفرش، فقلت لترجمانه: سبحان الله لم لا يقعد على الموضع الذي وطئ له؟ فقال: قل له: إني ملك وحقّ على كل ملك أن يكون متواضعا لعظمة الله سبحانه إذ رفعه، ثم أقبل ينكت [2] بإصبعه في الأرض طويلا، ثم رفع رأسه فقال لي: كيف سلبت نعمتكم وزال عنكم هذا الملك وأخذ منكم وأنتم أقرب إلى نبيكم من النّاس جميعا؟ فقلت: جاء من هو أقرب قرابة إلى نبينا- صلى الله عليه وسلم فسلبنا، وطردنا، وقاتلنا، فخرجت إليك مستجيرا بالله ثم بك.

قال: فلم كنتم تشربون الخمر وهو محرّم عليكم في كتابكم؟ فقلت:

فعل ذلك عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا في ملكنا بغير رأينا.

قال: فلم كنتم تركبون على دوابكم بمراكب الذّهب، والفضة، والدّيباج، وقد حرّم عليكم ذلك؟ قلت: عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا مملكتنا ففعلوا.

[1] في المطبوع: «اتزر بإحداهما» .

[2]

في المطبوع: «ينكث» وهو تصحيف. قال ابن منظور: النكت: أن تنكت بقضيب في الأرض فتؤثر بطرفه فيها. «لسان العرب» (نكت) .

ص: 142

قال: فلم كنتم أنتم إذا خرجتم إلى صيدكم تقحّمتم على القرى وكلّفتم أهلها ما لا طاقة لهم به بالضرب الموجع، ثم لا يقنعكم ذلك حتّى تمشوا في زروعهم فتفسدوها في طلب درّاج [1] قيمته نصف درهم، أو عصفور قيمته لا شيء، والفساد محرّم عليكم في دينكم؟ فقلت: عبيد وأتباع. قال: لا، ولكنكم استحللتم ما حرّم الله وفعلتم ما نهاكم عنه، وأحببتم الظلم وكرهتم العدل، فسلبكم الله- عز وجل العزّ وألبسكم الذّلّ، ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد، وإني أتخوّف عليكم أن تنزل النقمة بك إذ كنت من الظلمة فتشملني معك، فإنّ النقمة إذا نزلت عمّت، والبلية إذا حلّت شملت، فاخرج عني بعد ثلاثة أيام من أرضي، فإني إن وجدتك بعدها أخذت جميع ما معك وقتلتك وقتلت جميع من معك، ثم وثب وخرج، فأقمت ثلاثا وخرجت إلى مصر، فأخذني وإليك وبعث بي إليك، وها أنا الآن بين يديك والموت أحبّ إليّ من الحياة. فهمّ المنصور بإطلاقه، فقال له إسماعيل بن عليّ: في عنقي بيعة له، قال: فماذا ترى؟ قال: يترك في دار من دورنا ونجري عليه ما يليق به، ففعل ذلك به. انتهى.

قال ابن الأهدل: وهرب عبد الرّحمن بن معاوية بن هاشم بن عبد الملك وكثيرون من بني أميّة إلى المغرب، واستولى على بلاد الأندلس ومخاليفها [2] وورثها بنوه بطنا بعد بطن، واستأمن سليمان بن هشام وابناه في نحو ثمانين رجلا من بني أميّة، فأمّنهم السّفّاح حتّى قدم عليه السديف بن

[1] الدّرّاج، والدّرّاجة: ضرب من الطير ذكرا كان أو أنثى. انظر «مختار الصحاح» ص (202) .

[2]

في الأصل: «ومخالفيها» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع، وهو الصواب. قال ابن منظور: المخلاف: الكورة يقدم عليها الإنسان، وهو عند أهل اليمن واحد المخاليف، وهي كورها، ولكل مخلاف منها اسم يعرف به، وهي كالرّستاق، قال ابن بري: المخاليف لأهل اليمن كالأجناد لأهل الشام، والكور لأهل العراق، والرّساتيق لأهل الجبال، والطّساسيج لأهل الأهواز. «لسان العرب» (خلف) .

ص: 143

ميمون [1] مولى زين العابدين، فأنشده:

ظهر الحقّ واستبان مضيّا

إذ رأينا الخليفة المهديّا

إلى قوله:

قد أتتك الوفود من عبد شمس

مستكينين قد أجادوا المطيّا

فاردد العذر وامض بالسّيف حتّى

لا تدع فوق ظهرها أمويّا

وأنشده أيضا:

علام وفيم تترك عبد شمس

لها في كلّ راعية ثغاء [2]

أمير المؤمنين أبح دماهم

فإن تفعل فعادتك المضاء

وأنشده أيضا:

أصبح الملك ثابت الأساس

بالبهاليل [3] من بني العبّاس

إلى قوله:

فلهم أظهر المودّة منهم

وبهم منكم كحدّ المواسي

[1] في الأصل، والمطبوع:«الشديف بن ميمون» وهو تصحيف، والتصحيح من «الأغاني» (6/ 135)، و «الشعر والشعراء» ص (479) ط ليدن. قال أبو الفرج: هو سديف بن ميمون مولى خزاعة، وكان سبب ادعائه ولاء بني هاشم أنه تزوج مولاة أبي لهب، فادعى ولاءهم، ودخل في جملة مواليهم على الأيام. وقيل: بل أبوه هو كان المتزوج مولاة اللهبيّين، فولدت منه سديفا، فلما يفع، وقال الشعر، وعرف بالبيان وحسن العارضة، ادعى الولاء في موالي أبيه، فغلبوا عليه. وسديف شاعر، مقل من شعراء الحجاز، ومن مخضرمي الدولتين، وكان شديد التعصب لبني هاشم، مظهرا ذلك في أيام بني أميّة. وانظر تتمة كلامه فيه.

[2]

الثغاء: صوت الشاة والمعز وما شاكلهما. انظر «مختار الصحاح» ص (84) .

[3]

في الأصل: «بالتهاليل» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

ص: 144

فلما سمع السّفّاح ذلك أمر بقتل جميعهم، وأجاز السديف [1] بألف دينار، ثم قال المنصور: كأني بك يا سديف [1] قد قدمت المدينة فقلت لعبد الله بن الحسن: يا ابن رسول الله، إنما نداهن بني العبّاس لأجل عطاياهم، نقوّم بها أودنا، وأقسم بالله لئن فعلت لأقتلنك، ففعل السديف [1] ذلك، وانتهى خبره إليه، فلما تمكن منه ضربه حتّى مات. انتهى ما قاله ابن الأهدل.

وقال في «العبر» [2] : لما استولى عبد الله بن عليّ على الجزيرة وطلب الشام، فهرب مروان إلى مصر وخذل وانقضت أيّامه. نزل عبد الله على دمشق فحاصرها وبها ابن عمّ مروان الوليد بن معاوية بن مروان، فأخذت بالسيف.

وقتل بها من الأمويين عدّة آلاف. منهم أميرها الوليد، وسليمان بن هشام بن عبد الملك، وسليمان بن يزيد بن عبد الملك، وزرعة بن إبراهيم.

قال في «المغني» [3] : زرعة بن إبراهيم، عن عطاء. قال أبو حاتم الرّازي: ليس بالقوي. انتهى.

وفيها- أي سنة اثنتين وثلاثين ومائة- توفي عبد الله بن طاووس بن كيسان اليمانيّ النحويّ. روى عن أبيه وغيره.

قال معمر: كان من أعلم النّاس بالعربيّة وأحسنهم خلقا، وما رأيت ابن فقيه مثله.

ودخل مع مالك على المنصور فقال: حدّثني عن أبيك. قال: حدّثني

[1] في الأصل، والمطبوع:«الشديف» وهو تصحيف، والتصحيح من «الأغاني» (16/ 135) و «الشعر والشعراء» ص (479) .

[2]

(1/ 174- 175) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.

[3]

(1/ 238) .

ص: 145

أبي أن أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه، فأمسك المنصور. قال مالك: فضممت ثيابي خوفا أن يصيبني دمه. ثم قال له: ناولني الدواة، فلم يفعل، فقال: لم لا تناولني؟

فقال: أخاف أن تكتب بها معصية. قال: قوما عني. قال: ذلك ما كنا نبغي.

قال مالك: فما زلت أعرف فضله.

وفيها بالمدينة [1] إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريّ الفقيه.

كان مالك لا يقدّم عليه أحدا لنبله عنده.

وإبراهيم بن ميسرة الطائفيّ صاحب أنس.

قال ابن عيينة: أخبرنا إبراهيم بن ميسرة، من لم تر عيناك والله مثله.

وفيها قتل خالد بن سلمة بن العاص المخزوميّ الكوفيّ. وكان قد هرب إلى واسط مع يزيد بن عمر بن هبيرة، فقتله بنو العبّاس.

وفيها توفي سالم الأفطس الحرّانيّ الفقيه مولى بني أميّة. روى عن سعيد بن جبير، وجماعة. قتله عبد الله بن عليّ.

قال في «المغني» [2] سالم الأفطس، هو ابن عجلان، تابعيّ مشهور، وثّقه بعضهم، وخرّج له البخاريّ.

قال الفسويّ: مرجئ معاند.

وقال ابن حبّان: يتفرد بالمعضلات. انتهى.

وممن قتل في هذه السنة عمر بن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهري.

[1] لفظة «بالمدينة» سقطت من المطبوع.

[2]

يعني «المغني في الضعفاء» (1/ 251) .

ص: 146

وفيها توفي أبو عبد الله صفوان بن سليم المدنيّ الفقيه القدوة. روى عن ابن عمر، وجابر، وعدّة.

قال أحمد بن حنبل: ثقة من خيار عباد الله، يستنزل بذكره القطر.

وفيها عبد الله بن عثمان بن خثيم [1] المكيّ. روى عن أبي الطّفيل وعدّة.

قال في «المغني» [2] : وثقه ابن معين مرّة، ومرّة قال: ليس بالقويّ [3] .

انتهى.

وفيها أبو عتّاب منصور بن المعتمر السّلميّ الكوفيّ الحافظ، أحد الأعلام، أخذ عن أبي وائل وكبار التابعين. وقال: ما كتبت حديثا قطّ.

وكان أحفظ أهل الكوفة، صام أربعين سنة وقامها، وعمي من البكاء، وأكره على القضاء- أي قضاء الكوفة- وقضى شهرين، وتوفي بالمدينة.

قال في «العبر» [4] : يقال فيه يسير تشيّع. انتهى.

وفيها قتل بجامع دمشق، في أخذها، يونس بن ميسرة [5] بن حلبس المقرئ الأعمى وله مائة وعشرون سنة. روى عن معاوية والكبار، وكان موصوفا بالفضل والزّهد، كبير القدر.

[1] في المطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 176) :«عبد الله بن عثمان خيثم» وهو خطأ.

[2]

(1/ 346- 347) .

[3]

في الأصل، والمطبوع:«ومرة قال: لا أعرفه» وهو خطأ، فإنه قال ذلك في «عبد الله ابن عثمان بن سعد» والتصحيح من «المغني» (1/ 347) .

[4]

(1/ 177) .

[5]

في الأصل، والمطبوع:«يوسف بن ميسرة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 177) .

ص: 147

وقتل بنهر أبي فطرس [1] من الأردن، الأمير محمّد بن عبد الملك بن مروان الأموي، وله رواية عن أبيه.

وفي ذي القعدة قتل الأمير أبو خالد يزيد بن عمر [2] بن هبيرة الفزاريّ، أمير العراقين لمروان، وله خمس وأربعون سنة، وهو آخر من جمع له العراقان، وكان شهما، طويلا، شجاعا، خطيبا، مفوّها، جوادا، مفرط الأكل، ولما تواقع هو وبنو العبّاس هرب إلى واسط، فحاصروه بها وثبت معه معن بن زائدة الشّيباني، وكان أبو جعفر المنصور أخو السّفّاح يعيّره فيقول:

ابن هبيرة يخندق على نفسه كالنساء، فأرسل إليه ابن هبيرة أن ابرز إليّ، فقال المنصور: خنزير قال لأسد: ابرز إليّ، فقال الأسد: ما أنت بكفء لي.

قال الخنزير: لأعرّفنّ السباع أنك جبنت. فقال الأسد: احتمال ذلك أيسر من تلطّخ براثني بدمك. ثم أمّنه المنصور وغدر به. وقال: لا يعزّ ملك وأنت فيه.

وكان رزق ابن هبيرة في كل سنة ستمائة ألف. وكان يأكل في يومه خمس أكلات عظام، وقتل وهو ساجد.

وفيها كانت وقعة المسناة، فقتل الأمير قحطبة بن شبيب الطائي المروزيّ، أحد دعاة بني العبّاس، وتأمّر على الجيش في الحال ولده.

وفيها قتل سليمان بن كثير الخزاعيّ المروزيّ الأمير، أحد نقباء بني العبّاس، قتله أبو مسلم الخراسانيّ.

وفي ذي الحجّة قتل بمصر عبيد الله بن أبي جعفر الليثيّ مولاهم

[1] في الأصل، والمطبوع:«بنهر أبي قطرس» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 177) .

وقال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» (2/ 246) : فطرس بالضم رجل، ومنه نهر فطرس، ويقال: أبي فطرس، قرب الرّملة، مخرجه من جبل قرب نابلس.

[2]

في الأصل: «يزيد بن عمرو» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

ص: 148

المصريّ الفقيه، أحد العلماء والزّهّاد. ولد سنة ستين.

قال محمد بن سعد: كان ثقة بقيّة في زمانه [1] .

قال ابن ناصر الدّين: من حكم كلامه: إذا حدّث المرء فأعجبه الحديث فليمسك وإذا كان ساكتا [2] فأعجبه السكوت فليتحدث. انتهى.

[1] في الأصل: «فقيه في زمانه» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 178) مصدر المؤلف في نقله، و «الطبقات الكبرى» لابن سعد (7/ 514) مصدر الحافظ الذهبي في «العبر» ، و «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 875) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق.

[2]

في المطبوع: «وإن كان ساكتا» .

ص: 149