الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وأربعين ومائة
فيها توجّه حميد بن قحطبة في جيش كثيف إلى ثغر إرمينية.
وفيها توفي الإمام، سلالة النبوّة، أبو عبد الله جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الهاشميّ العلويّ، وأمّه فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، فهو علويّ الأب، بكريّ الأمّ. روى عن أبيه وجدّه القاسم وطبقتهما، وكان سيّد بني هاشم في زمنه. عاش ثمانيا وستين سنة وأشهرا.
وولد سنة ثمانين بالمدينة، ودفن بالبقيع في قبة أبيه، وجدّه، وعمّ جدّه الحسن، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان [1] الصوفيّ كتابا في ألف ورقة يتضمن رسائله، وهي خمسمائة، وهو عند الإمامية من الاثني عشر بزعمهم.
قيل: إنه سأل أبا حنيفة عن محرم كسر رباعية ظبي، فقال: لا أعرف جوابها، فقال: أما تعلم أن الظّبي لا يكون له رباعية.
وقال في «المغني» [2] : جعفر بن محمّد بن علي ثقة، لم يخرّج له
[1] في الأصل، والمطبوع:«جابر بن جباب» وهو خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» للعامري ص (137) . والشيعة تقول: إن جابر بن حيان، صاحب جعفر الصادق، والأرجح أنه كان صاحب جعفر بن يحيى البرمكي. انظر «الأعلام» (2/ 103 و 104) .
[2]
(1/ 134) .
البخاريّ، وقد وثّقه ابن معين، وابن عديّ، وأما القطّان فقال: مجالد أحبّ إليّ منه. انتهى.
وفي ربيع الأول توفي الإمام أبو محمّد سليمان بن مهران الأسديّ الكاهليّ مولاهم الأعمش. روى عن ابن أبي أوفى، وأبي وائل والكبار.
وكان محدّث الكوفة وعالمها.
قال ابن المديني: للأعمش نحو ألف وثلاثمائة حديث.
وقال ابن عيينة: كان أقرأهم لكتاب الله، وأعلمهم بالفرائض، وأحفظهم للحديث.
وقال يحيى القطّان: هو علّامة الإسلام.
وقال [1] وكيع: بقي الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى.
وقال الخريبيّ [2] : ما خلّف أعبد منه. وما يرويه عنه مالك فهو إرسال، لأنه لم يسمع منه، وكان فيه مزاح، خرج إلى الطلبة يوما وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إليّ منكم ما خرجت.
وطلبه رجل ليصلح بينه وبين زوجته، فقال الرجل لزوجته: لا تنظري إلى عموشة عينيه، وخموشة ساقيه، فإنه إمام. قالت: ما لديوان الرسائل أريده. فقال: ما أردت إلّا أن تعرّفها عيوبي.
وقال له حائك: ما تقول في شهادة الحائك؟ فقال: تقبل مع عدلين.
وذكر عنده حديث «من نام عن قيام اللّيل بال الشيطان في أذنه» [3] .
[1] في الأصل، والمطبوع:«قال» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 209) .
[2]
في الأصل: «الحرّيتي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[3]
رواه البخاري رقم (1144) في التهجّد: باب إذا نام ولم يصلّ بال الشيطان في أذنه، ومسلم رقم (774) في صلاة المسافرين، باب ما روي فيمن نام الليل حتى أصبح، والنسائي في قيام الليل (3/ 204) ، وابن ماجة، رقم (1330) في الإقامة، وأحمد في «المسند»
فقال: ما عمشت عيني إلا من بول الشّيطان.
وكتب إليه هشام بن عبد الملك، أن اكتب لي فضائل عثمان، ومساوئ عليّ، فأخذ كتابه ولقّمه شاة عنده، وقال لرسوله: هذا جوابك، فألحّ عليه الرّسول في جواب، وتحمّل عليه بإخوانه، وقال: إن لم آت بالجواب قتلني، فكتب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد: فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعليّ مساوئ أهل الأرض ما ضرّتك، فعليك بخويصة نفسك، والسلام.
وقال في «المغني» [1] : الأعمش ثقة، جبل، ولكنه يدلّس.
قال وهب بن زمعة: سمعت ابن المبارك يقول: إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش، وأبو إسحاق. انتهى.
قلت: والتّدليس ليس كله قادحا، ولنذكر تعريفه وما يقدح منه وما لا يقدح، لأن ذلك لا يخلو من [2] فائدة. فأقول: التدليس له معنيان، لغويّ، واصطلاحيّ، فاللغويّ كتمان العيب في مبيع أو غيره، ويقال: دالسه:
خادعه، كأنه من الدلس وهو الظلمة، لأنه إذا غطى عليه الأمر أظلمه عليه، وأما في الاصطلاح، أي اصطلاح المحدّثين والأصوليين، فهو قسمان، قسم مضرّ يمنع القبول، وهو تدليس المتن عمدا، وهو محرّم، وفاعله مجروح، ويسمى المدرج أيضا، مثاله أن يدخل الرّاوي للحديث شيئا من كلامه فيه،
(1/ 375 و 427) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 260 و 427) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[1]
(1/ 283) .
[2]
في المطبوع: «عن» .
أولا، أو آخرا، أو وسطا، على وجه يوهم أنه من جملة الحديث الذي رواه، ويسمى تدليس المتون، وفاعله عمدا مرتكب محرّما، مجروح عند العلماء لما فيه من الغش.
أما لو اتفق ذلك من غير قصد من صحابي أو غيره، فلا يكون ذلك محرّما، ومن ذلك كثير أفرده الخطيب البغدادي بالتصنيف.
ومن أمثلته حديث ابن مسعود في التشهّد، قال في آخره: وإذا قلت:
هذا فإن شئت أن تقوم. فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد [1] ، [وهو][2] من كلامه لا من الحديث المرفوع، لما قاله البيهقيّ، والخطيب، والنوويّ، وغيرهم.
والقسم الثاني غير مضرّ لكنه مكروه مطلقا عند الحنابلة، وله صور. إحداها: أن يسمّي شيخه في روايته باسم له غير مشهور، من كنية، أو لقب، أو اسم، أو نحوه، كقول أبي بكر بن مجاهد المقرئ الإمام: حدّثنا عبد الله بن أبي أوفى، يريد به عبد الله بن أبي داود السّجستاني، وهو كثير جدا، ويسمى هذا تدليس الشيوخ.
وأما تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمّن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه، موهما سماعه منه، قائلا: قال فلان ونحوه، وربما لم يسقط شيخه ويسقط غيره، ومثّله بعضهم بما في «الترمذي» عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها مرفوعا «لا نذر في معصية، وكفّارته كفّارة يمين» [3] ثم قال: هذا حديث لا يصحّ، لأن الزّهري لم يسمعه من أبي
[1] انظر «جلاء الأفهام» لابن القيم ص (336- 337) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت.
[2]
لفظة «وهو» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. وانظر «فتح المغيث» للسخاوي (1/ 244) في بحث المدرج.
[3]
رواه أحمد في «المسند» (6/ 247) وأبو داود رقم (3290) و (3292) في الأيمان والنذور، باب رقم (23)، والترمذي رقم (1524) و (1525) في النذور: باب لا نذر في معصية،
سلمة، ثم ذكر أن بينهما سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، وأن هذا وجه الحديث.
قال ابن الصلاح: هذا القسم مكروه جدا، ذمّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدّهم ذمّا له.
وقال مرّة: التّدليس أخو الكذب. ومرّة: لأن أزني أحبّ إليّ من أن أدلّس، وهذا إفراط منه، محمول على المبالغة في الزجر عنه.
الصورة الثانية: أن يسمي شيخه باسم شيخ آخر لا يمكن أن يكون رواه عنه، كما يقول تلامذة الحافظ أبي عبد الله الذّهبي: حدّثنا أبو عبد الله الحافظ تشبيها بقول البيهقيّ فيما يرويه عن شيخه أبي عبد الله الحاكم: حدّثنا أبو عبد الله الحافظ، وهذا لا يقدح لظهور المقصود.
والصورة الثالثة: أن يأتي في التحديث بلفظ يوهم أمرا لا قدح في إيهامه ذلك، كقوله: حدّثنا وراء النّهر، موهما نهر جيحون، وهو نهر عيسى ببغداد، والحيرة ونحوها، كمصر، فلا حرج في ذلك، قاله الآمدي، لأن ذلك من باب الإغراب، وإن كان فيه إيهام الرّحلة إلا أنه صدق في نفسه.
ومن فعله بصورة الثلاثة متأوّلا قبل عند أحمد وأصحابه والأكثر من الفقهاء والمحدّثين، ولم يفسق، لأنه صدر من الأعيان المقتدى بهم، حتّى قيل: لم يسلم منه إلا شعبة، والقطّان، ولكن من عرف به عن الضعفاء لم تقبل روايته حتّى يبيّن سماعه عند المحدّثين وغيرهم.
والإسناد المعنعن بلا تدليس بأيّ لفظ كان [1] متصل عند أحمد،
والنسائي (7/ 26 و 27) ، وابن ماجة رقم (2125) من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه أحمد (4/ 443) والنسائي (7/ 27 و 28) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وهو حديث صحيح لطرقه وشواهده.
[1]
جاء في هامش المطبوع: أي «بعن» أو «قال» أو نحوهما، كما هو فوق الكلمة بخط دقيق في الأصل، يعني في الأصل الذي اعتمد عليه القدسي- رحمه الله في طبعته.
والأكثر من المحدّثين وغيرهم، عملا بالظاهر، والأصل عدم التّدليس. حكاه ابن عبد البرّ في «التمهيد» إجماعا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفيها، أو في التي قبلها- وهو الصحيح- رؤبة بن العجّاج البصريّ التميميّ [1] السّعديّ، كان هو وأخوه من المدوّنين في الرجز ليس فيه شعر، مع أن الرجز شعر على الصحيح.
وكان عارفا باللغة وحشيّها وغريبها.
والرّوبة خميرة [2] اللّبن، وهي أيضا قطعة من الليل، والحاجة.
والرؤبة بالهمز: القطعة من الخشب يشعّب بها الإناء، والجميع بضم الراء وسكون الواو، إلا اسم هذا الرجل، والقطعة من الخشب، فإنهما بالهمز.
وفيها شبل بن عبّاد قارئ أهل مكّة، وتلميذ ابن كثير، حدّث عن أبي الطّفيل وطائفة.
وعمرو بن الحارث المصريّ الفقيه. حدّث عن ابن أبي مليكة وطبقته.
قال أبو حاتم الرّازي: كان أحفظ الناس في زمانه.
وقال ابن وهب: ما رأيت أحفظ منه، ولم يكن له نظير في الحفظ.
ومحمّد بن الوليد الزّبيديّ الحمصيّ القاضي، عالم أهل حمص. أخذ عن مكحول، وعمرو بن شعيب، وخلق.
وقال: أقمت مع الزّهري عشر سنين بالرّصافة [3] .
[1] في الأصل، والمطبوع:«المصريّ التيمي» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب التهذيب» (3/ 290) .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«جريرة» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (6/ 162) .
[3]
يعني رصافة الشام، التي تعرف برصافة هشام بن عبد الملك. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 47- 48) .
قلت: وهي الآن في سورية على مقربة من تدمر من جهة الشمال.
وقال الزّهري عنه: قد احتوى هذا على ما بين جنبيّ من العلم.
وقال محمّد بن سعد: كان أعلم الشاميين بالفتوى والحديث [1] .
والعوّام بن حوشب شيخ واسط. روى عن إبراهيم النخعي وجماعة.
قال يزيد بن هارون: كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
وفيها [2] في رمضان قاضي الكوفة ومفتيها، أبو عبد الرّحمن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى الأنصاريّ الفقيه، لم يدرك أباه، وسمع الشّعبيّ وطبقته.
قال أحمد بن يونس: كان أفقه أهل الدّنيا، وكان صاحب قرآن وسنّة.
قرأ عليه حمزة الزّيّات، وكان صدوقا جائز الحديث. قاله في «العبر» [3] ومات وهو على القضاء.
وفيها محمّد بن عجلان المدنيّ. روى عن أبيه، وأنس، وطائفة، وكان عابدا، ناسكا، صادقا، له حلقة بمسجد النّبيّ- صلى الله عليه وسلم للفتوى. روى له مسلم مقرونا بآخر، وكان مولى لقريش.
[1] انظر «العبر» للذهبي (1/ 210) .
[2]
لفظة «فيها» لم ترد في المطبوع.
[3]
(1/ 211) .