الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
فيها توفي القاضي أبو بكر الحيري، أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرشي [1] النيسابوري الشافعي، في رمضان، وله ست وتسعون سنة، وكان رئيسا محتشما، إماما في الفقه. انتهى إليه علو الإسناد، فروى عن أبي علي الميداني، والأصم، وطبقتهما، وأخذ ببغداد عن أبي سهل القطّان، وبمكّة عن الفاكهي، وبالكوفة، وجرجان، وتفقه على أبي الوليد الفقيه، وحذق في الأصول والكلام، وولي قضاء نيسابور. روى عنه الحاكم في «تاريخه» [2] وآخر من حدّث عنه الشيروي [3] وقد صمّ بأخرة، حتّى بقي لا يسمع شيئا، ووافق شيخه الأصم، وصنّف في الأصول والحديث.
وفيها أبو الحسين السّليطي- بفتح المهملة وكسر اللام، نسبة إلى سليط جدّ- أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري [4] العدل والنحوي، في جمادى الأولى. روى عن الأصمّ وغيره.
[1] انظر «العبر» (3/ 143- 144) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 356- 358) وقد تصحفت «الحرشي» في «آ» و «ط» إلى «الحرسي» .
[2]
في «العبر» : روى عنه الحاكم في «تاريخه» مع تقدمه. (ع) .
[3]
تصحفت في «آ» و «ط» إلى «السيروي» وأثبت لفظ «ط» و «العبر» وهو الصواب، وانظر «الأنساب» (4/ 109 و 289) .
[4]
انظر «العبر» (3/ 144) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 389) .
وفيها أبو عمر بن درّاج، أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن درّاج الأندلسي القسطلّي [1]- بفتح القاف وسكون المهملة وفتح الطاء وتشديد اللام، نسبة إلى مدينة بالأندلس، يقال لها:
قسطلّة [2]- الشاعر الكاتب الأديب، شاعر الأندلس، الذي قال فيه ابن حزم:
لو لم يكن لنا من فحول الشعراء إلّا أحمد بن درّاج لما تأخر عن شأو «حبيب» و «المتنبي» وكان من كتّاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر.
وقال الثعالبي: كان بصقع [3] الأندلس، كالمتنبي بصقع [3] الشام، ومن نظمه قصيدته الرائية التي عارض بها أبا نواس، وأول قصيدة ابن درّاج:
ألم تعلمي أن الثّواء هو النّوى
…
وأن بيوت العاجزين قبور
[ولم تزجري طير السرى بحروفها
…
فتنبيك إن يمّنّ فهو سرور] [4]
يخوّفني [5] طول السّفار وإنه
…
لتقبيل كفّ العامريّ سفير
دعيني [6] أرد ماء المفاوز آجنا
…
إلى حيث ماء المكرمات نمير
[واختلس الأيام خلسة فاتك
…
إلى حيث لي من عدوهن خفير] [7]
فإن خطيرات المهالك ضمّن
…
لراكبها أن الجزاء خطير
ومنها في وصف وداعه لزوجته وولده الصغير:
ولما تدانت للوداع وقد هفا
…
بصبري منها أنّه وزفير
تناشدني عهد المودّة والهوى
…
وفي المهد مبغوم النداء صغير
[1] انظر «يتيمة الدهر» (2/ 119- 133) طبع دار الكتب العلمية و «العبر» (3/ 144) و «وفيات الأعيان» (1/ 135- 139) .
[2]
في «آ» و «ط» : «نسبة إلى قسطلة مدينة بالأندلس يقال لها: قسطلة» .
[3]
في «آ» و «ط» : «كان مصقع» والتصحيح من «يتيمة الدهر» و «العبر» .
[4]
هذا البيت لم يرد في «آ» و «ط» و «الوفيات» وأثبته من «يتيمة الدهر» .
[5]
في «آ» و «ط» : «تخوفني» والتصحيح من «يتيمة الدهر» .
[6]
في «يتيمة الدهر» : «ذريني» .
[7]
هذا البيت لم ير في «آ» و «ط» وأثبته من «يتيمة الدهر» .
عييّ بمرجوع الخطاب ولحظه [1]
…
بموقع [2] أهواء النفوس خبير
تبوّأ ممنوع القلوب ومهّدت
…
له أذرع محفوفة ونحور
فكل مفدّاة الترائب مرضع
…
وكل محيّاة المحاسن ظير [3]
عصيت شفيع النّفس فيه وقادني
…
رواح لتدآب السّرى وبكور
وطار جناح البين بي وهفت بها
…
جوانح من ذعر الفراق تطير
لئن ودّعت مني غيورا فإنني
…
على عزمتي [4] من شجوها لغيور
ولو [5] شاهدتني والهواجر [6] تلتظي
…
عليّ ورقراق السراب يمور
أسلّط حرّ الهاجرات إذا سطا
…
على حرّ وجهي والأصيل هجير
وأستنشق النكباء وهي لوافح [7]
…
واستوطئ [8] الرمضاء وهي تفور
وللموت في عين الجبان تلوّن
…
وللذّعر في سمع الجريء صفير
لبان لها أنّي من البين جازع
…
وأنّي على مضّ الخطوب صبور
أمير على غول النتائف ماله
…
إذا ريع إلّا المشرفيّ وزير [9]
ولو بصرت بي [10] والسّرى جلّ عزمتي
…
وجرسي لجنّان الفلاة سمير
ودارت نجوم القطب حتّى كأنها
…
كؤوس مها [11] والى بهنّ مدير
وقد خيّلت طرق المجرّة أنها
…
على مفرق الليل البهيم قتير
وثاقب عزمي والظلام مروّع
…
وقد غض أجفان النّجوم فتور [12]
[1] في «يتيمة الدهر» : «ولفظة» .
[2]
في «يتيمة الدهر» : «بموضع» .
[3]
هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي.
[4]
في «آ» : «على غربتي» وأثبت لفظ «ط» و «يتيمة الدهر» .
[5]
في «اليتيمة» : «وما» . «ع» .
[6]
في «يتيمة الدهر» : «والضواحك» .
[7]
في «اليتيمة» : «وهي نوازح» . (ع) .
[8]
كذا في «آ» و «ط» : «واستوطئ» وفي «يتيمة الدهر» : «وأستمطئ» .
[9]
هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي.
[10]
في «يتيمة الدهر» : «ولو شاهدتني» .
[11]
في «يتيمة الدهر» : «كؤوس طلا» .
[12]
هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي.
لقد أيقنت أنّ المنى طوع همّتي
…
وأنّي بعطف العامريّ جدير
وهي طويلة، وغالب شعره مستحسن، و «ديوانه» في مجلدين، وكانت ولادته في المحرم سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، ومات ليلة الأحد لست عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة.
وفيها أبو إبراهيم إسماعيل بن ينال المروزي المحبوبي [1] ، نسبة إلى جدّه محبوب. سمع «جامع الترمذي» من أستاذهم محمد بن أحمد بن محبوب، وهو آخر من حدّث عنه، توفي في صفر عن سبع وثمانين سنة.
قال أبو بكر السمعاني: كان ثقة عالما، أدركت نفرا من أصحابه.
وفيها أبو عبد الله المعاذي، الحسن بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري الأصم [2] .
والمعاذي: بضم الميم وبالذال المعجمة نسبة إلى معاذ جدّ.
سمع من أبي العبّاس الأصم مجلسين فقط، ومات في جمادى الأولى.
قال الذهبي: وقع لنا حديثه من طريق شيخ الإسلام [الأنصاري][3] .
وفيها أبو عبد الله الجمّال [4] الحسين بن إبراهيم الأصبهاني. روى عن أبي محمد بن فارس وجماعة، ومات في ربيع الأول، وله جزء معروف.
وفيها أبو علي البجّاني- بجّانة الأندلس [5]- الحسين بن عبد الله بن الحسين بن يعقوب المالكي [6] ، وله خمس وتسعون سنة. حمل
[1] انظر «العبر» (3/ 144- 145) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 376- 377) .
[2]
انظر «العبر» (3/ 145) .
[3]
ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» .
[4]
تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحمال» والتصحيح من «العبر» (3/ 145) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 377) .
[5]
انظر «معجم البلدان» (1/ 339) .
[6]
انظر «العبر» (3/ 145- 146) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 377- 379) .
عنه ابن عبد البرّ، وأبو إسماعيل العبّاس العذري، والكبار، وكان أسند من بقي بالمغرب في رواية «الواضحة» لعبد الملك بن حبيب. سمعها من سعيد بن فحلون في سنة ست وأربعين وثلاثمائة، عن يوسف المغامي عن المؤلف.
وفيها حمام بن أحمد القاضي أبو بكر القرطبي [1] .
قال ابن حزم: كان واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية، ضابطا [لما قيّده][2] . أكثر عن أبي محمد الباجي، وأبي عبد الله بن مفرّج، وولي قضاء يابرة، وتوفي في رجب، وله أربع وستون سنة.
وفيها أبو سعيد الصّيرفي، محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري [3] . كان ينفق على الأصمّ ويخدمه بماله، فاعتنى به الأصمّ وسمّعه الكثير، وسمع أيضا من جماعة، وكان ثقة، توفّي في ذي الحجّة.
وفيها السلطان محمود بن سبكتكين [4] ، سيف الدولة أبو القاسم بن الأمير ناصر الدولة أبي منصور. كان أبوه أميرا للغزاة الذين يغيرون [5] من بلاد ما وراء النهر، على أطراف الهند، فأخذ عدة حصون وقلاع، وافتتح ناحية بست، وكان كرّاميا، وأما محمود فافتتح غزنة، ثم بلاد ما وراء النهر، ثم استولى على سائر خراسان، وعظم ملكه، ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند كل سنة، فافتتح منه بلادا واسعة، وكان ذا عزم وصدق في الجهاد.
[1] انظر «الصلة» لابن بشكوال (1/ 155) و «العبر» (3/ 146) .
[2]
ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الصلة» و «العبر» .
[3]
انظر «العبر» (3/ 146) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 350- 351) .
[4]
انظر «وفيات الأعيان» (5/ 175- 182) و «العبر» (3/ 147) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 483- 495) .
[5]
في «آ» : «يغزون» .
قال عبد الغافر الفارسي: كان صادق النّية في إعلاء كلمة الله تعالى، مظفّرا في غزواته، ما خلت سنة من سنّي ملكه عن غزوة أو سفرة، وكان ذكيا، بعيد الغور، موفق الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء.
قال ابن خلّكان [1] : وملك بلاد خراسان، وانقطعت الدولة السامانية منها، وذلك في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، واستتب [2] له الملك، وسيّر له الإمام القادر بالله خلعة السلطنة، ولقبه بيمين الدولة وأمين الملّة، وتبوأ سرير المملكة، وقام بين يديه أمراء خراسان، سماطين مقيمين برسم الخدمة، وملتزمين حكم الهيبة، وأجلسهم بعد الإذن العام على مجلس الأنس، وأمر لكل واحد منهم [ولسائر غلمانه وخاصّته ووجوه أوليائه] وحاشيته من الخلع والصّلات ونفائس الأمتعة ما لم يسمع بمثله، واتّسقت الأمور عن آخرها في كنف إيالته، واستوثقت الأعمال في ضمن كفالته، ثم إنه ملك سجستان في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، بدخول قوّادها وولاة أمورها في طاعته من غير قتال.
ولم يزل يفتح بلاد الهند إلى أن انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية. ولم تتل به سورة قطّ ولا آية، فدحض [3] عنها أدناس الشرك، وبنى بها مساجد وجوامع، وتفصيل حاله يطول شرحه.
وذكر شيخنا ابن الأثير في «تاريخه» أن بعض الملوك بقلاع الهند أهدى له هدايا كثيرة، من جملتها طائر على هيئة القمري من خاصيته أنه إذا حضر الطعام وفيه سم، دمعت عيناه، وجرى منها ماء وتحجّر، فإذا حكّ [4] ووضع
[1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 177- 181) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2]
في «آ» و «ط» : «واستثبت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3]
في «وفيات الأعيان» : «فرحض» .
[4]
في «آ» و «ط» : «حلّ» باللام وهو خطأ، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (9/ 334) طبع دار صادر، و «وفيات الأعيان» .
على الجراحات الواسعة ألحمها. وذلك في سنة أربع عشرة وأربعمائة.
وذكر إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سمّاه «مغيث الخلق في اختيار الأحق» أن السلطان محمود المذكور، كان على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، كان مولعا بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع، وكان يستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي رضي الله عنه، فوقع في خلده حكمة ذلك فصار، شافعيا، وذكر قصة القفّال في الصلاة بين يديه على كلّ من المذهبين.
وبالجملة فمناقبه كثيرة وسيرته أحسن السّير، ومولده ليلة عاشوراء، سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وتوفي بغزنة وقبره بها يزار ويدعى عنده، وقد صنّف في حركاته وسكناته وأحواله، لحظة لحظة، رحمه الله تعالى، وتوفي في جمادى الأولى.