الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وثمانين وأربعمائة
فيها توفي أبو الفضل جعفر بن يحيى الحكّاك، محدّث مكّة، وكان متقنا، حجّة، صالحا. روى عن أبي ذرّ الهروي وطائفة، وعاش سبعين سنة.
وفيها نظام الملك الوزير أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطّوسي قوام الدّين. كان من جلّة الوزراء.
ذكره ابن السمعاني فقال: كعبة المجد، ومنبع الجود. وكان مجلسه عامرا بالقرّاء والفقهاء، أنشأ المدارس بالأمصار، ورغب في العلم، وأملى وحدّث، وعاش ثماني وسبعين سنة. أتاه شاب صوفيّ الشكل من الباطنية، ليلة عاشر رمضان، فناوله قصّة، ثم ضربه بسكين في صدره، فقضى عليه، فيقال: إن ملكشاه دسّ عليه هذا، والله أعلم.
وقال ابن السمعاني أيضا في كتاب «الأنساب» [1] في ترجمة الرّاذكان:
إنها بليدة صغيرة بنواحي طوس، قيل: نظام الملك كان من نواحيها.
وكان من أولاد الدّهاقين، واشتغل بالحديث والفقه، ثم اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ- وكان يكتب له- فكان يصادره في كل سنة، فهرب منه، وقصد داود بن ميكائيل بن سلجوق والد السلطان ألب أرسلان، وظهر له منه النصح والمحبة، فسلّمه إلى ولده ألب أرسلان، وقال:
[1] انظر «الأنساب» (6/ 37) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار.
اتخذه والدا، لا تخالفه فيما يشير به، فلما ملك ألب أرسلان، دبّر أمره، فأحسن التدبير، وبقي في خدمته عشر سنين، فلما مات ألب أرسلان وطّد المملكة لولده ملكشاه، فصار الأمر كله لنظام الملك، وليس للسلطان إلّا التخت والصيد، وأقام على هذا عشر سنين [1] .
ودخل على الإمام المقتدي بالله، فأذن له بالجلوس بين يديه، وقال له:
يا حسن، رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين عنك.
وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والصوفية، كثير الإنعام على الصوفية، وسئل عن سبب ذلك فقال: أتاني صوفيّ وأنا في خدمة بعض الأمراء، فوعظني وقال: اخدم من تنفعك خدمته، ولا تشتغل بمن تأكله الكلاب غدا، فلم أعلم معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد، وكانت له كلاب كالسباع تفترس الغرباء بالليل، فغلبه السكر، فخرج وحده، فلم تعرفه الكلاب، فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك، فأنا أخدم الصوفية لعلّي أظفر بمثل ذلك.
وكان إذا سمع الأذان أمسك عن جميع ما هو فيه، وكان إذا قدم عليه إمام الحرمين، والإمام القشيري، بالغ في إكرامهما، وأجلسهما في مستنده، وبنى المساجد والرّبط، وهو أول من أنشأ المدارس، فاقتدى الناس به.
وسمع نظام الملك الحديث وأسمعه، وكان يقول: إني أعلم أني لست أهلا لذلك، ولكني أريد أربط نفسي في قطار النّقلة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروى له من الشعر قوله:
بعد الثّمانين ليس قوّه
…
قد ذهبت شرّة الصّبوّه
كأنني والعصا بكفّي
…
موسى ولكن بلا نبوّه
[1] في «وفيات الأعيان» (2/ 128) مصدر المؤلف: «عشرين سنة» .
وكانت ولادة نظام الملك يوم الجمعة، حادي عشري ذي القعدة، سنة ثمان وأربعمائة بنوقان، إحدى مدينتي طوس، وتوجّه صحبة ملكشاه إلى أصبهان، فلما كانت ليلة السبت عاشر رمضان، أفطر وركب في محفته، فلما بلغ إلى قرية قريبة من نهاوند، يقال لها سحنة، قال: هذا الموضع قتل فيه خلق كثير من الصحابة زمن عمر بن الخطاب، فطوبى لمن كان معهم [1] فاعترضه صبيّ ديلميّ على هيئة الصوفية، معه قصّة، فدعا له وسأله تناولها في يده، فمدّ يده ليأخذها، فضربه بسكين في فؤاده، فحمل إلى مضربه فمات، وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب، فعثر في طنب [2] خيمة فوقع، وركب السلطان إلى معسكره، فسكّنهم وعزّاهم، وحمل إلى أصبهان فدفن بها.
وقيل: إن السلطان دسّ عليه من قتله، فإنه سئم طول حياته، واستكثر ما بيده من الإقطاعات، ولم يعش السلطان بعده سوى خمسة وثلاثين يوما، فرحمه الله، فلقد كان من حسنات الدهر.
ورثاه أبو الهيجاء البكري- وكان ختنه، لأن نظام الملك زوّجه ابنته- فقال:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة
…
نفيسة صاغها الرّحمن من شرف
عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها
…
فردّها غيرة منه إلى الصّدف
وقد قيل: إنه قتل بسبب تاج الملك أبي الغنائم المرزبان بن خسرو فيروز، المعروف بابن دارست، فإنه كان عدو نظام الملك، وكان كبير المنزلة عند مخدومه ملكشاه، فلما قتل رتّبه موضعه في الوزارة، ثم إن غلمان نظام الملك وثبوا عليه فقتلوه وقطعوه إربا إربا في ليلة الثلاثاء ثاني عشر المحرم
[1] في «آ» و «ط» : «منهم» والتصحيح من «وفيات الأعيان» (2/ 130) .
[2]
الطنب: حبل. انظر «مختار الصحاح» (طنب) .
[من] سنة ست وثمانين وأربعمائة، وعمره سبع وأربعون سنة، وهو الذي بنى على قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. قاله ابن خلّكان [1] .
وفيها أبو عبد الله بن المرابط قاضي المريّة وعالمها، محمد بن خلف بن سعيد الأندلسي. روى عن المهلّب بن أبي صفرة وجماعة، وصنّف شرحا للبخاري، وكان رأسا في مذهب مالك، ارتحل الناس إليه، توفي في شوال. قاله في «العبر» [2] .
وفيها أبو بكر الشّاشي، محمد بن علي بن حامد، شيخ الشافعية، وصاحب الطريقة المشهورة والمصنفات المليحة. درّس مدة بغزنة، ثم بهراة ونيسابور، وحدّث عن منصور الكاغدي، وتفقه ببلاده على أبي بكر السّنجي، وعاش نيفا وتسعين سنة، وتوفي بهراة.
قال ابن قاضي شهبة [3] : ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، وتفقه في بلاده على السّنجي، وكان من أنظر أهل زمانه، استوطن غزنة- وهي في أوائل الهند- فأقبلوا عليه وأكرموه، وبعد صيته، وحدّث، وصنّف تصانيف كثيرة، ثم استدعاه نظام الملك إلى هراة، فشقّ على أهل غزنة مفارقته، ولكن لم يجدوا بدّا من ذلك، فجهّزوه، فولّاه تدريس النظامية [بها] وتوفي في شوال. انتهى.
وفيها محمد بن عيسى بن فرج أبو عبد الله التّجيبي المغامّي- بالضم [4] ، نسبة إلى مغامة مدينة بالأندلس- الطّليطلي، مقرئ الأندلس. أخذ عن أبي عمرو الدّاني، ومكّي بن أبي طالب، وجماعة، وأقرأ الناس مدة.
[1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 128- 131) .
[2]
(3/ 310) .
[3]
انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 94) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[4]
في «معجم البلدان» : (5/ 161) : بالفتح واسم المدينة عنده «مغام» .
وفيها أبو عبد الله البانياسي، مالك بن أحمد بن علي بن الفرّاء البغدادي. احترق في الحريق العظيم الذي وقع في هذه السنة ببغداد، واحترق فيه من الناس عدد كثير، وكان في جمادى الآخرة، وتوفي وله سبع وثمانون سنة، وهو آخر من حدّث عن أبي الحسن بن الصّلت المجبر، وسمع من جماعة.
وفيها السلطان ملكشاه، أبو الفتح جلال الدولة بن السلطان ألب أرسلان، محمد بن داود السّلجوقي التّركي، تملك بلاد ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وبلاد الرّوم، والجزيرة، والشام، والعراق، وخراسان، وغير ذلك.
قال في «العبر» [1] : ملك من مدينة كاشغر الترك إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينية وبلاد الخزر إلى نهر الهند [2] عرضا، وكان حسن السيرة، محسنا إلى الرعية، وكانوا يلقّبونه بالسلطان العادل، وكان ذا غرام بالعمائر والصيد، مات في شوال بعد وزيره النظام بشهر، فقيل: إنه سمّ في خلال، ونقل في تابوت فدفن بأصبهان في مدرسة كبيرة له.
وقال ابن الأهدل: كان مغرما بالصيد، حتّى قيل: إنه صاد بيده عشرة آلاف أو أكثر، حتّى بنى من حوافر الحمر وقرون الظباء منارة على طريق الحاج، تعرف بمنارة القرون، وتصدّق عن كل نسمة صادها بدينار، وقال:
إني أخاف الله سبحانه وتعالى من إزهاق النفوس بغير فائدة ولا مأكلة، وكان المقتدر قد تزوج بابنته، وكان السفير في زواجها الشيخ أبو إسحاق، وزفّت إليه سنة ثمانين، ورزق منها ولديه، ولما مات السلطان لم يفعل به كسائر السلاطين، ولم يحضر جنازته أحمد ظاهرا ولم تقطع أذناب الخيل لأجله، ولما
[1](3/ 311) .
[2]
في «العبر» : «بحر الهند» . (ع) .
مات ملكشاه سار أخوه تتش- بتاءين فوقيتين وشين معجمة- من الشام، فالتقاه إبراهيم العقيلي في ثلاثين ألفا، فأسر إبراهيم وقتل صبرا.
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [1] : وفي سنة أربع وثمانين قدم السلطان ملكشاه بغداد، وأمر بعمل جامع كبير بها، وعمل الأمراء حوله دورا ينزلونها، ثم رجع إلى أصبهان، وعاد إلى بغداد في سنة خمس وثمانين عازما على الشرّ، وأرسل إلى الخليفة يقول: لا بدّ أن تترك لي بغداد وتذهب إلى أيّ بلد شئت، فانزعج الخليفة، وقال: أمهلني ولو شهرا، قال: ولا ساعة واحدة. فأرسل الخليفة إلى وزراء السلطان يطلب المهلة عشرة أيام، فاتفق مرض السلطان وموته، وعدّ ذلك كرامة للخليفة، وقيل: إن الخليفة جعل يصوم، فإذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه، فاستجاب الله دعاءه، وذهب إلى حيث ألقت، ولما مات كتمت زوجته تركان [خاتون] موته، وأرسلت إلى الأمراء سرّا فاستحلفتهم [2] لولده محمود، وهو ابن خمس سنين. فحلفوا له، وأرسلت إلى المقتدي في أن يسلطنه فأجاب، ولقبه ناصر الدّنيا والدّين، ثم خرج عليه أخوه بركياروق بن ملكشاه، فقلده الخليفة، ولقبه بركن الدّين، وذلك في محرم سنة سبع وثمانين، وعلم الخليفة على تقليده، ثم مات الخليفة من الغد فجأة. انتهى كلام السيوطي.
[1] ص (425- 426) وما بين حاصرتين زيادة منه.
[2]
في «آ» : «فاستخلفتهم» .