الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة
فيها كانت فتنة هائلة لم يسمع بمثلها بين السّنّة والرافضة، وقتل بينهم عدد كثير، وعجز والي البلد، واستظهرت السّنّة بكثرة من معهم من أعوان الخليفة، واستكانت الشيعة وذلّوا ولزموا التقية، وأجابوا إلى أن كتبوا على مساجد الكرخ خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر.
وفيها توفي خواهر زاده الحنفي، شيخ الطائفة بما وراء النهر، وهو أبو بكر محمد بن الحسين البخاري القديديّ [1]- مصغرا نسبة إلى قديد بين مكّة والمدينة شرّفهما الله تعالى- روى عن منصور الكاغذي وطائفة، وبرع في المذهب، وفاق الأقران، وطريقته أبسط طريقة للأصحاب، وكان يحفظها، وتوفي في جمادى الأولى ببخارى.
وفيها عاصم بن الحسن أبو الحسين العاصمي الكرخي، الشاعر المشهور. روى عن ابن المتيّم، وعن أبي عمر بن مهدي، وكان شاعرا، محسنا، ظريفا، صاحب ملح ونوادر، مع الصلاح والعفّة والصدق، مرض في آخر عمره، فغسل ديوان شعره، ومات في جمادى الآخرة، عن ست وثمانين سنة.
[1] انظر «الأنساب» (10/ 77) .
وفيها أبو نصر التّرياقي، عبد العزيز بن محمد الهروي، راوي الترمذي [1] سوى آخر جزء منه، عن الجرّاحي [2] ، كان ثقة، أديبا، عاش أربعا وتسعين سنة.
وترياق: من قرى هراة.
وفيها أبو الحسن علي بن حمد [3] بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين الطبري الرّوياني. نزل بخارى وبها مات، وكان حافظا، مكثرا، أحد النقاد. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها أبو بكر التّفلسي- بفتح فسكون، وبعد اللام سين مهملة، نسبة إلى تفلس بلد بأذربيجان [4]- محمد بن إسماعيل بن محمد النيسابوري المولد الصّوفي المقرئ. روى عن حمزة المهلّبي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وطائفة، ومات في شوال.
وفيها العلّامة أبو بكر الخجندي- بخاء معجمة مضمومة، ثم جيم مفتوحة، وسكون النون، ومهملة، نسبة إلى خجندة، مدينة بطرف سيحون- محمد بن ثابت بن الحسن الشافعي الواعظ، نزيل أصبهان، ومدرّس نظاميتها، وشيخ الشافعية بها ورئيسها، كان إليه المنتهى في الوعظ، توفي في ذي القعدة.
[1] يعني راوي «سنن الترمذي» .
[2]
تقدمت ترجمته.
[3]
في «آ» و «ط» : «علي بن أحمد» وما أثبته من «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (154- آ- ب) مصدر المؤلف. وعلق العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني على «الأنساب» (6/ 191) بقوله على ترجمة المترجم: في النسخة «ك» - وهي الأصل الذي اعتمد عليه- «علي بن حمد» كما عند ابن ناصر الدّين في «التبيان» ولكنه أثبت في المتن «علي بن أحمد» متابعا في ذلك السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» .
[4]
تنبيه: كذا قال المؤلف وهو خطأ، والصواب:«التّفليسي» نسبة إلى «تفليس» وهي آخر بلدة من بلاد أذربيجان مما يلي الثغر. انظر «الأنساب» (3/ 65) و «معجم البلدان» (2/ 35) .
قال الإسنوي [1] : له يد باطشة في النظر والأصول، انتشر علمه في الآفاق، وتخرّج به وبكلامه جماعة، وتفقه على أبي سهل الأبيوردي، وسمع الحديث من جماعة، وحدّث عنهم، وكان حسن السيرة، من رؤساء الأئمة، ذا حشمة ونعمة.
وكان له ولد يقال له أبو سعيد أحمد، تفقّه على والده، حتّى برع في المذهب، وسمع وحدّث، ولما مات أبوه فوّض تدريس النظامية إلى غيره، فلزم بيته إلى أن مات في شعبان، سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، عن عثمان وثمانين سنة. قاله ابن السمعاني [2] .
وفيها أبو نصر محمد بن سهل السّرّاج الشّاذياخي- بشين معجمة وسكون الذال المعجمة وتحتية وخاء معجمة، نسبة إلى قرية بنيسابور أو إلى شاذياخ [3] ببلخ- آخر أصحاب أبي نعيم عبد الملك الإسفراييني. روى عن جماعة، وكان ظريفا، نظيفا، لطيفا، توفي في صفر عن تسعين سنة.
وفيها أبو الغنائم بن أبي عثمان محمد بن علي بن حسن [الدقاق][4] ، بغدادي، متميّز، صدوق. روى عن أبي عمر بن مهدي وجماعة.
وفيها فخر الدولة بن جهير الوزير، أبو نصر محمد بن محمد بن جهير الثّعلبي، ولي نظر حلب، ثم وزر لصاحب ميّافارقين، ثم وزر للقائم بأمر الله مدّة، وكان من رجال العالم ودهاة بني آدم، وكان رئيسا جليلا، خرج من بيتهم جماعة من الوزراء والرؤساء ومدحهم أعيان الشعراء، فمنهم صرّدرّ
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 478) .
[2]
انتهى نقل المؤلف عن «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[3]
تحرفت في «آ» و «ط» إلى «شاذخ» والتصحيح من «الأنساب» (7/ 242) و «معجم البلدان» (3/ 305) .
[4]
زيادة من «العبر» (3/ 306) مصدر المؤلف.
المتقدم ذكره [1] وهي من غرر قصائده ومشاهيرها، وأولها:
لجاجة قلب ما يفيق غرورها
…
وحاجة نفس ليس يقضى يسيرها
وقفنا صفوفا في الدّيار كأنّها
…
صحائف [2] ملقاة ونحن سطورها
يقول خليلي والظّباء سوانح
…
أهذا الذي تهوى؟ فقلت: نظيرها
لئن شابهت أجيادها وعيونها
…
لقد خالفت أعجازها وصدورها
فيا عجبا منها يصدّ [3] أنيسها
…
ويدنو على ذعر إلينا نفورها
وما ذاك إلّا أن غزلان عامر
…
تيقنّ أن الزائرين صقورها
ألم يكفها ما قد جنته شموسها
…
على القلب حتّى ساعدتها بدورها
نكصنا على الأعقاب خوف إناثها
…
فما بالها تدعو نزال ذكورها
وو الله ما أدري غداة نظرننا
…
أتلك سهام أم كؤوس تديرها
فإن كنّ من نبل فأين حفيفها
…
وإن كنّ من خمر فأين سرورها
أيا صاحبيّ استأذنا لي خمارها
…
فقد أذنت لي في الوصول خدورها
فلا تحسبا قلبي طليقا فإنما
…
لها الصّدر سجن وهو فيه أسيرها
أراك الحمى قل لي بأيّ وسيلة
…
توسلت حتّى قبّلتك ثغورها؟
أعدت إلى جسم الوزارة روحه
…
وما كان يرجى بعثها ونشورها
أقامت زمانا عند غيرك طامثا [4]
…
وهذا رعاك الله وقت طهورها
من الحقّ أن يحبى بها مستحقها
…
وينزعها مردودة مستعيرها
إذا ملك الحسناء من ليس كفأها
…
أشار عليها بالطّلاق مشيرها
وكانت ولادة فخر الدولة المذكور سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة
[1] انظر ترجمته في ص (279- 280) من هذا المجلد.
[2]
في «آ» و «ط» : «صحيفة» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» .
[3]
في «آ» و «ط» : «يصيد» وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» (5/ 129) مصدر المؤلف.
[4]
في «آ» و «ط» : «ضامنا» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
بالموصل، وتوفي بها في رجب، وقيل: في المحرم، ودفن في تل التوبة، وهو تل قبالة الموصل، يفصل بينهما عرض الشطّ.
وأما ولده عميد الدولة فقد ذكره محمد بن عبد الملك الهمذاني في «تاريخه» فقال: انتشر عنه الوقار، والهيبة، والعفّة، وجودة الرأي، وخدم ثلاثة من الخلفاء، ووزر لاثنين منهم، وكان عليه رسوم كثيرة وصلات جماعة، وكان نظام الملك يصفه دائما بالأوصاف العظيمة، ويشاهده بعين المكافئ الشهم، ويأخذ رأيه في أهم الأمور، ويقدّمه على الكفاة والصدور، ولم يكن يعاب بأشد من الكبر الزائد، فإنّ كلماته كانت محفوظة مع ضنّه بها، ومن كلّمه بكلمة قامت عنده مقام بلوغ الأمل، فمن جملة ذلك أنه قال لولد الشيخ الإمام أبي نصر بن الصباغ: اشتغل وادأب وإلا كنت صبّاغا بغير أب. انتهى كلام ابن الهمذاني.
وكان نظام الملك قد زوّجه بنته زبيدة، وكان قد عزل عن [1] الوزارة ثم أعيد إليها بسبب المصاهرة، وفي ذلك يقول الشريف أبو يعلى بن الهبّارية:
قل للوزير ولا تفزعك هيبته
…
وإن تعاظم واستولى لمنصبه
لولا ابنة الشيخ ما استوزرت ثانية
…
فاشكر حرّا صرت مولانا الوزير به [2]
ولعميد الدولة شعر ذكره في «الخريدة» لكنه غير مرضي.
وذكره ابن السمعاني في كتاب «الذيل» ومدحه خلق كثير من شعراء عصره.
وفيه يقول صرّدرّ قصيدته العينية المشهورة التي أولها:
قد بان عذرك والخليط مودّع
…
وهوى النّفوس مع الهوادج يرفع
[1] في «ط» : «من» .
[2]
كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» (5/ 132) ولا يستقيم وزن البيت الثاني والأصح أن يقال:
............... .............
…
فاشكر لمن صرت مولانا الوزير به
لك حيثما سمت الركائب لفتة
…
أترى البدور بكل واد تطلع
في الظّاعنين من الحمى بدر له ال
…
أحشاء مرعى والمآقي مكرع
ممنوع أطراف الجمال رقيبة
…
حذرا عليه من العيون البرقع
عهد الحبائل صائدات شبهه
…
فارتاع فهو لكل حبل يقطع
لم يدر حامي سربه أني إذا
…
حرم الكلام له لساني الإصبع
وإذا الطّيوف إلى المضاجع أرسلت
…
بتحية منه فعيني تسمع
وهي طويلة ومن غرر الشعر.
وعزل عميد الدولة عن الوزارة في شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
وجهير: بفتح الجيم وكسر الهاء، وقال ابن السمعاني: بضم الجيم، وهو غلط. يقال: رجل جهير بيّن الجهارة، أي ذو منظر، ويقال: رجل جهير الصوت، بمعنى جهوري الصوت. قاله ابن خلّكان [1] .
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 127- 134) .