الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وستين وأربعمائة
فيها عمل السلطان ملكشاه الرصد، وأنفق عليه أموالا عظيمة.
قال السيوطي [1] : فيها جمع نظام الملك المنجمين، وجعلوا النيروز أوّل نقطة من الحمل، وكان قبل ذلك عند دخول [2] الشمس نصف الحوت، وصار ما فعله النظام مبدأ التقاويم. انتهى.
وفيها توفي أبو عمر بن الحذّاء محدّث الأندلس، أحمد بن محمد بن يحيى القرطبي، مولى بني أميّة، حضّه أبوه على الطّلب في صغره، فكتب عن عبد الله بن أسد، وعبد الوارث، وسعيد بن نصر، والكبار، في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وانتهى إليه علو الإسناد بقطره، وتوفي في ربيع الآخر، عن سبع وثمانين سنة.
وفيها القائم بأمر الله، أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر العبّاسي، توفي في شعبان، وله ست وسبعون سنة، وبقي في الخلافة أربعا وأربعين سنة وتسعة أشهر، وأمّه أرمنيّة. كان أبيض مليح الوجه مشربا حمرة، ورعا، ديّنا، كثير الصدقة، له علم وفضل، من خير الخلائف [3] ولا سيما بعد عوده إلى الخلافة في نوبة البساسيري، فإنه صار
[1] انظر «تاريخ الخلفاء» ص (423- 424) .
[2]
في «تاريخ الخلفاء» : «عند حلول» .
[3]
تصحفت في «العبر» إلى «الخلائق» فتصحح فيه.
يكثر الصيام والتهجد، غسّله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى، شيخ الحنابلة، وبويع حفيده المقتدي بأمر الله، عبد الله بن محمد بن القائم. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن الفرات: أول من بايعه الشريف أبو القاسم المرتضى وأنشده:
فإما مضى جبل وانقضى
…
فمنك لنا جبل قد رسا
وإما فجعنا ببدر التّمام
…
فقد بقيت منه شمس الضّحى
فكم حزن في محل السّرور
…
وكم ضحك في خلال البكا
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : ولد القائم في نصف ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وأمه أم ولد ارمنيّة اسمها بدر الدّجى، وقيل:
قطر النّدى.
ولي الخلافة بعد موت أبيه سنة اثنتين وعشرين، وكان ولي عهده في الحياة، وهو الذي لقّبه بالقائم بأمر الله.
قال ابن الأثير: كان جميلا، مليح الوجه، ورعا، ديّنا، زاهدا، عالما، قوي اليقين بالله، كثير الصدقة والصبر، له عناية بالأدب، ومعرفة حسنة بالكتابة، مؤثرا للعدل والإحسان، وقضاء الحوائج، لا يرى المنع من شيء طلب منه.
ولم يزل أمره مستقيما إلى أن قبض عليه في سنة خمسين. وسجنه البساسيري في غاية [3] ، فكتب وهو في السجن قصة وأنفذها إلى مكّة، فعلّقت في الكعبة فيها: إلى الله العظيم من المسكين عبده، اللهمّ إنك
[1](3/ 266) .
[2]
ص (417- 422) .
[3]
تصحفت في «آ» و «ط» إلى «عانة» والتصحيح من «تاريخ الخلفاء» .
العالم بالسرائر، المطّلع على الضمائر، اللهمّ إنك غنيّ بعلمك، واطّلاعك على خلقك، عن إعلامي، هذا عبد قد كفر نعمك وما شكرها، وألغى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك حتّى تعدّى علينا بغيا، وأساء إلينا عتوّا وعدوا. اللهمّ قلّ الناصر، واغترّ الظالم، وأنت المطّلع العالم، والمنصف الحاكم، بك نعتزّ عليه، وإليك نهرب من يديه، فقد تعزز [1] علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز بك، وقد حاكمناه [2] إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك، فاحكم بيننا بالحقّ وأنت خير الحاكمين.
ومات القائم ليلة الخميس الثلاث عشر من شعبان، وذلك أنه افتصد [ونام][3] ، فانحلّ موضع الفصد، وخرج منه دم كثير، فاستيقظ وقد انحلّت قوته، فطلب حفيده ولي عهده عبد الله بن محمد، ووصّاه، ثم توفي. انتهى ملخصا.
وفيها أبو الحسن الدّاوودي، جمال الإسلام عبد الرحمن بن محمد بن محمد [4] بن المظفر البوشنجي، شيخ خراسان، علما، وفضلا، وجلالة، وسندا. روى الكثير عن أبي محمد بن حمّويه وهو آخر من حدّث عنه، وتفقّه على القفّال المروزي، وأبي الطيب الصّعلوكي، وأبي حامد الإسفراييني. توفي في شوّال، وله أربع وتسعون سنة، وصحب أبا علي الدقاق، وأبا عبد الرحمن السّلمي، ثم استقر ببوشنج للتصنيف، والتدريس، والفتوى، والتذكير، وصار وجه مشايخ خراسان. بقي أربعين سنة لا يأكل
[1] تصحفت في «ط» إلى «تعزر» .
[2]
في «آ» و «ط» : «قد حاكمنا» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء»
[3]
سقطت من «آ» و «ط» واستدركتها من «تاريخ الخلفاء»
و [4] قوله «ابن محمد» الثاني لم يرد في معظم المصادر التي بين يدي. انظر «الأنساب» (5/ 63) و «المنتظم» (8/ 296) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 223) .
اللّحم لمّا نهب التّركمان تلك الناحية، وبقي يأكل السمك، فحكي له أن بعض الأمراء أكل على حافة النهر الذي يصاد منه السمك ونفض في النهر ما فضل، فلم يأكل السمك بعد ذلك.
ومن شعره:
كان في الاجتماع من قبل نور
…
فمضى النّور وادلهمّ الظّلام
فسد النّاس والزّمان جميعا
…
فعلى النّاس والزّمان السّلام
وفيها أبو الحسن الباخرزي، الرئيس الأديب، علي بن الحسن بن أبي الطيب، مؤلف كتاب «دمية القصر» [1] كان رأسا في الكتابة، والإنشاء، والعشر، والفضل، والحائز القصب في نظمه ونثره، وكان في شبابه مشتغلا بالفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، واختصّ بملازمة درس أبي محمد الجويني، ثم شرع في فنّ الكتابة، واختلف إلى ديوان الرسائل، فارتفعت به الأحوال وانخفضت، ورأى من الدهر العجائب سفرا وحضرا، وغلب أدبه على فقهه، فاشتهر بالأدب وعمل الشعر، وسمع الحديث، وصنّف كتاب «دمية القصر وعصرة أهل العصر» وهو ذيل «يتيمة الدّهر» للثعالبي، وجمع فيها خلقا كثيرا.
وقد وضع على هذا الكتاب أبو الحسن علي بن زيد كتابا سمّاه «وشاح الدّمية» وهو كالذيل لها، وكالذي سمّاه السمعاني «الذيل» .
وللباخرزي ديوان شعر مجلد كبير، والغالب عليه الجودة، فمن معانيه الغريبة قوله:
وإني لأشكو لسع أصداغك التي
…
عقاربها في وجنتيك تحوم
[1] واسمه الكامل «دمية القصر وعصرة أهل العصر» كما سيذكره المؤلف بعد قليل، وقد طبع عدة مرات ولأبي سعد بن علي الخطيري المعروف ب (دلّال الكتب) ذيل عليه سماه «زينة الدّهر» .
وأبكي لدرّ الثغر منك ولي أب
…
فكيف يديم الضّحك وهو يتيم
وقوله في شدة البرد:
كم مؤمن قرصته أظفار الشتا
…
فغدا لسكّان الجحيم حسودا
وترى طيور الماء في وكناتها
…
تختار حر النّار والسّفّودا [1]
وإذا رميت بفضل كأسك في الهوى
…
عادت عليك من العقيق عقودا
يا صاحب العودين لا تهملهما
…
حرّق لنا عودا وحرّك عودا
وقوله من جملة أبيات:
يا فالق الصّبح من لآلاء غرّته
…
وجاعل اللّيل من أصداغه سكنا
بصورة الوثن استعبدتني وبها
…
فتنتني وقديما هجت لي شجنا
لا غرو إن أحرقت نار الهوى كبدي
…
فالنّار حقّ على من يعبد الوثنا
وقتل الباخرزي في الأندلس، وذهب دمه هدرا.
وباخرز: بالباء الموحدة، وفتح الخاء المعجمة، وبعد الراء زاي، ناحية من نواحي نيسابور، تشتمل على قرى ومزارع، خرج منها جماعة من الفضلاء.
وفيها أبو الحسن بن صصرى [2] علي بن الحسين [3] بن أحمد بن محمد التغلبي الدمشقي المعدّل. روى عن تمّام الرّازي وجماعة، وتوفي في المحرم.
وفيها أبو بكر الخيّاط مقرئ العراق، محمد بن علي بن محمد بن موسى الحنبلي، الرجل الصالح. سمع من إسماعيل بن الحسن الصّرصري، وأبي الحسن المحبّر [4] ، وقرأ على ابن أبي أحمد الفرضي، وأبي الحسين السّوسنجردي وجماعة.
[1] جاء في «مختار الصحاح» (سفد) : السّفود بوزن التّنّور، الحديدة التي يشوى بها اللّحم.
[2]
تحرّفت في «آ» إلى «حصري» وانظر «العبر» (3/ 67) و «النجوم الزاهرة» (5/ 100) .
[3]
في «العبر» : «علي بن الحسن» . (ع) .
[4]
في العبر: المجبر.
قال ابن الجوزي [1] : ما يوجد في عصره في القراءات مثله، وكان ثقة صالحا.
وقال المؤتمن السّاجي: كان شيخا، ثقة في الحديث والقراءة، صالحا، صبورا على الفقر.
وقال أبو ياسر [2] البرداني: كان من البكّائين عند الذكر [قد] أثّرت الدّموع في خدّيه.
وقال ابن النجار: كان شيخ القراء في وقته مفردا بروايات، وكان عالما ورعا ديّنا [3] .
وذكره الذهبي في «طبقات القراء» فقال: كان كبير القدر، عديم النظير، بصيرا بالقراءات [4] ، صالحا، عابدا، ورعا، ناسكا، بكّاء، قانتا، خشن العيش، فقيرا، متعففا، ثقة، فقيها، على مذهب أحمد، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الكرم الشّهرزري.
وقال ابن الجوزي: توفي ليلة الخميس، ثالث جمادى الأولى، سنة ثمان وستين.
وفيها محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الأمير عزّ الدولة [5] الكلابي، صاحب حلب، ملكها عشرة أعوام، وكان شجاعا، فارسا، جوادا، ممدّحا، يداري المصريين والعبّاسيين، لتوسط داره بينهما، وولي بعده ابنه نصر، فقلته بعض الأتراك بعد سنة.
[1] عبارة «المنتظم» (8/ 297) : «وتوحد في عصره في القراءات» .
[2]
في «سير أعلام النبلاء» (18/ 436) : «ابن ياسر» وما بين حاصرتين زيادة منه.
[3]
في «ط» : «متدينا» .
[4]
في «ط» : «بالقرآن» .
[5]
في «آ» : «ابن الأمير عزّ الدولة» وهو خطأ وأثبت ما في «ط» وانظر «العبر» (3/ 268) و «سير» أعلام النبلاء» (18/ 358) .