الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وثلاثين وأربعمائة
فيها دخل السلطان أبو كاليجار بغداد، وضربت له الطبول في أوقات الصلوات الخمس، ولم تضرب لأحد قبله إلّا ثلاث مرات.
وفيها توفي تمّام بن غالب، أبو غالب بن التّيّاني القرطبي، لغوي الأندلس، بمرسية، له مصنّف بديع في اللغة، وكان علّامة ثقة في نقله، ولقد أرسل إليه صاحب مرسية الأمير أبو الجيش مجاهد، ألف دينار، على أن يزيد في خطبة هذا الكتاب، أنه ألّفه لأجله، فامتنع تورعا، وقال: ما صنفته إلّا مطلقا.
وفيها أبو عبد الله الصّيمري- بفتح الصاد المهملة والميم وسكون الياء وراء آخره، نسبة إلى صيمر، نهر بالبصرة عليه عدة قرى- الحسين [1] بن علي الفقيه، أحد الأئمة الحنفية ببغداد. روى عن أبي الفضل الزّهري وطبقته، وولي قضاء ربيع الكرخ، وكان ثقة صاحب حديث، مات في شوال، وله خمس وثمانون سنة.
وفيها الشريف المرتضى، نقيب الطالبيين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، أبو طالب علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الحسيني
[1] تحرّف في «العبر» إلى «الحسن» فيصحح فيه.
الموسوي، وله إحدى وثمانون سنة، وكان إماما في التشيّع، والكلام، والشعر، والبلاغة، كثير التصانيف متبحرا في فنون العلم. أخذ عن الشيخ المفيد، وروى الحديث عن سهل الدّيباجي الكذّاب، وولي النقابة بعده ابن أخيه عدنان بن الشريف الرّضي.
قال ابن خلّكان [1] : كان إماما في علم الكلام والشعر والأدب، وله تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في أصول الدّين، وله ديوان شعر، إذا وصف الطيف أجاد فيه، وقد استعمله في كثير من المواضع. وقد اختلف الناس في كتاب «نهج البلاغة» المجموع من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هل هو جمعه أم جمع أخيه الرّضي، وقد قيل: إنه ليس من كلام عليّ، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم. وله الكتاب الذي سمّاه «الدّرر والغرر» [2] وهو في مجالس أملاها تشتمل على فنون في معاني الأدب، تكلّم فيها على النحو، واللغة، وغير ذلك، وهو كتاب ممتع، يدل على فضل كثير، وتوسّع في الاطّلاع على العلوم.
وذكره ابن بسام في آخر كتاب «الذخيرة» [3] فقال: كان [هذا] الشريف إمام أئمة العراق، على الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها، وحمى سالكها وآنسها [4] ممّن سارت أخباره، وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، إلى تواليفه في الدّين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، مما يشهد له [5] أنّه فرع تلك الأصول، ومن [أهل] ذلك البيت الجليل، وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك قوله:
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 313- 316) .
[2]
وهو مطبوع باسم «أمالي الشريف المرتضى» .
[3]
انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الرابع، المجلد الثاني ص (465- 475) .
[4]
في «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» : «وجامع شاردها وآنسها» .
[5]
في «الذخيرة» : «بما يشهد له» .
ضنّ عني بالنّزر إذ أنا يقظا
…
ن وأعطى كثيره في المنام
والتقينا كما اشتهينا ولا عي
…
ب سوى أنّ ذاك في الأحلام
وإذا كانت الملاقاة ليلا
…
فالليالي خير من الأيام
ومن ذلك أيضا:
يا خليلي من ذؤابه قيس
…
في التصابي رياضة الأخلاق
علّلاني [1] بذكرهم [2] تطرباني
…
واسقياني دمعي بكأس دهاق
وخذا النوم عن جفوني فإني
…
قد خلعت الكرى على العشاق
فلما وصلت هذه الأبيات إلى البصري [3] الشاعر قال: المرتضى خلع ما لا يملك على من لا يقبل.
ومن شعره أيضا:
ولما تفرقنا كما شاءت النّوى
…
تبيّن ودّ خالص وتودّد
كأني وقد سار الخليط عشية
…
أخو جنّة مما أقوم وأقعد
وله:
قل لمن خدّه من اللحظ دام
…
رق لي من جوانح فيك تدمى
يا سقيم الجفون من غير سقم
…
لا تلمني إن متّ فيهنّ سقما
أنا خاطرت في هواك بقلب
…
ركب البحر فيك إمّا وإمّا
وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التّبريزي اللغوي، أن أبا الحسن علي بن أحمد بن سلّك الفالي- بالفاء، نسبة إلى فالة، بلدة بخوزستان- الأديب كانت له نسخة كتاب «الجمهرة» لابن دريد في غاية
[1] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وفي «الذخيرة» : «غنياني» .
[2]
في «آ» و «ط» : «يذكركم» وما أثبتناه من «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» .
[3]
في «وفيات الأعيان» : «البصروي» .
الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها، فباعها واشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفحها فوجد فيها أبياتا بخط الفالي وهي:
أنست بها عشرين حولا وبعتها
…
لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظنّي أنني سأبيعها
…
ولو خلّدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية
…
صغار عليهم تستهلّ عيوني [1]
فقلت ولم أملك سوابق عبرة
…
مقالة مكويّ الفؤاد حزين
وقد تخرج الحاجات يا أمّ مالك
…
كرائم من مولى [2] بهنّ ضنين
فيقال: إنه بعث بها إليه.
وملح المرتضى وفضائله كثيرة. وكانت ولادته في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وتوفي يوم الأحد خامس عشري شهر ربيع الأول ببغداد، ودفن في داره عشية ذلك النهار، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا.
وفيها أبو عبد الرحمن النّيلي، محمد بن عبد العزيز بن عبد الله شيخ الشافعية بخراسان، وله ثمانون سنة. روى عن أبي عمرو بن حمدان وجماعة.
قال الإسنوي [3] : كان إماما في المذهب، أديبا، شاعرا، صالحا، زاهدا، ورعا. سمع، وحدّث، وأملى، وطال عمره.
ولد سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وله ديوان، شعر، ومنه:
ما حال من أسر الهوى ألبابه
…
ما حال من كسر التّصابي نابه
نادى الهوى أسماعه فأجابه
…
حتّى إذا ما جاز أغلق بابه
أهوى لتمزيق الفؤاد فلم يجد
…
في صدره قلبا فشقّ ثيابه
[1] في «وفيات الأعيان» : «شؤوني» .
[2]
في «وفيات الأعيان» : «من ربّ» .
[3]
انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 490- 491) .
انتهى ملخصا.
وفيها أبو الحسين البصري، محمد بن علي بن الطّيب، شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف الكلامية، وكان من أذكياء زمانه، توفي ببغداد في ربيع الآخر، وكان يقرئ الاعتزال ببغداد، وله حلقة كبيرة. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : كان جيد الكلام، مليح العبارة، غزير المادة، إمام وقته، وله التصانيف الفائقة في الأصول، منها «المعتمد» وهو كتاب كبير، ومنه أخذ فخر الدّين الرّازي كتاب «المحصول» وله «تصفح الأدلة» في مجلدين، و «غرر الأدلة» في مجلد كبير، و «شرح الأصول الخمسة» وكتاب في الإمامة، [وغير ذلك في][3] أصول الدّين، وانتفع الناس بكتبه، وسكن بغداد وتوفي بها يوم الثلاثاء خامس ربيع الآخر، ودفن بمقبرة الشّونيزيّة [4] ، وصلى عليه القاضي أبو عبد الله الصّيمري. انتهى ملخصا.
[1](3/ 189) .
[2]
انظر «وفيات الأعيان» (4/ 271) .
[3]
ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «وفيات الأعيان» .
[4]
في «آ» و «ط» : «بمقبرة الشونيز» وفي «وفيات الأعيان» : «بمقبرة الشونيزي» والتصحيح من «معجم البلدان» (3/ 374) .