الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع وسبعين وأربعمائة
فيها توفي أبو الوليد الباجي، سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التّجيبي القرطبيّ [1] بالمريّة في رجب، عن إحدى وسبعين سنة. روى عن يونس بن عبد الله بن مغيث، ومكّي بن أبي طالب، وجاور ثلاثة أعوام، ولازم أبا ذرّ الهروي، وكان يمضي معه إلى السراة، ثم رحل إلى بغداد، وإلى دمشق. وروى عن عبد الرّحمن بن الطّبيز [2] وطبقته بدمشق، وابن غيلان وطبقته ببغداد، وتفقه على أبي الطيب الطبري وجماعة، وأخذ الكلام بالموصل عن أبي جعفر السّمناني، وسمع الكثير، وبرع في الحديث، والفقه، والأصول، والنظر، وردّ إلى وطنه بعد ثلاث عشرة سنة بعلم جمّ، مع الفقر والقناعة، وكان يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق، ثم فتحت عليه الدّنيا، وأجزلت صلاته، وولي قضاء أماكن، وصنّف التصانيف الكثيرة.
قال أبو علي بن سكّرة: ما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه. قاله في «العبر» [3] .
[1] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (52) .
[2]
في «آ» و «ط» : «ابن الطيوري» والتصحيح من «العبر» (3/ 282) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 537) .
[3]
(3/ 282- 283) .
وقال ابن خلّكان [1] : كان من علماء الأندلس وحفّاظها. سكن شرق الأندلس، ورحل إلى المشرق سنة ست وعشرين وأربعمائة، فأقام بمكّة مع أبي ذرّ الهروي ثلاثة أعوام، وحجّ فيها أربع حجج، ثم رحل إلى بغداد وأقام بها ثلاثة أعوام يدرّس الفقه، ويملي الحديث، ولقي بها سادة من العلماء، كأبي الطيب الطبري، وأبي إسحاق الشيرازي، وأقام بالموصل مع أبي جعفر السّمناني عاما يدرس عليه الفقه، وكان مقامه بالمشرق نحو ثلاثة أعوام، وروى عن الحافظ أبي بكر الخطيب، وروى الخطيب أيضا عنه.
وقال أنشدني أبو الوليد الباجي لنفسه:
إذا كنت أعلم علما يقينا
…
بأنّ جميع حياتي كساعه
فلم لا أكون ضنينا بها
…
وأجعلها في صلاح وطاعة؟!
وصنّف كتبا كثيرة، منها «التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح» وغير ذلك.
وممّن أخذ عنه أبو عمر بن عبد البرّ صاحب «الاستيعاب» . وبينه وبين ابن حزم الظاهري مناظرات ومجالس. انتهى ملخصا.
وقال ابن ناصر الدّين [2] : أنكروا عليه في [إثباته] قصة الحديبية [2] الكتابة وشنعوا عليه ذلك وقبحوا عند العامة جوابه، وقال قائلهم:
برئت ممّن شرى دنيا بآخرة
…
وقال: إنّ رسول الله قد كتبا
انتهى.
وفيها أبو القاسم بن البسري، علي بن أحمد البغدادي البندار.
[1] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 408- 409) .
[2]
في «التبيان شرح بديعة البيان» (152/ ب) ولفظة «إثباته» مستدركة منه، ولفظة «الحديبية» تحرفت في «آ» و «ط» إلى «حديثه» .
قال أبو سعد السمعاني: كان صالحا، ثقة، فهما، ورعا، مخلصا، عالما. سمع المخلّص وجماعة، وأجاز له ابن بطة، ونصر المرجي، وكان متواضعا حسن الأخلاق، ذا هيبة ووقار [1] . توفي في سادس رمضان.
وفيها- وجزم ابن رجب أنه توفي في التي قبلها- علي بن محمد بن الفرج بن إبراهيم البزّاز الحنبلي، المعروف بابن أخي نصر العكبري.
ذكره ابن الجوزي في «الطبقات» وقال: سمع من أبي علي بن بابشاد، والحسن بن شهاب العكبري، وكان له تقدم في القرآن، والحديث، والفقه، والفرائض، وجمع إلى ذلك النّسك والورع.
وذكر ابن السمعاني نحو ذلك، ثم قال: كان فقيه الحنابلة بعكبرا، والمفتي بها، وكان خيّرا، ورعا، متزهدا، ناسكا، كثير العبادة. وكان له ذكر شائع في الخير، ومحل رفيع عند أهل بلده. وروى عنه إسماعيل بن السّمرقندي، وأخوه، وغيرهما.
وفيها أبو بكر محمد بن المزكّي أبي زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري المزكّي المحدّث، من كبار الطلبة. كتب عن خمسمائة نفس، وأكثر عن أبيه، وأبي عبد الرحمن السّلمي، والحاكم. وروى عنه الخطيب مع تقدمه، وتوفي في رجب، رحمه الله.
وفيها، وجزم ابن خلّكان [2] وابن الأهدل أنه في التي قبلها.
قال ابن الأهدل: وفي سنة ثلاث وسبعين، أبو الحسن علي بن محمد الصّليحي القائم باليمن. كان أبوه قاضيا باليمن سيء العقيدة، وكان الدّاعي عامر بن عبد الله الرّواحي يتردد إليه لرئاسته وصلاحه، فاستمال الدّاعي ولده المذكور، وهو دون البلوغ، قيل: إنه رأى حليته في «كتاب الصور» وتنقل حاله وما يؤول إليه، وهو عندهم من الذخائر القديمة المظنونة، فأطلعه على
ذلك، وكتمه عن أبيه وأهله، ومات الرّواحيّ على القرب من ذلك، وأوصى له بكتبه، فعكف على درسها مع فطنته، فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علوم الباطنية الضلالية الأوهامية الإسماعيلية متبصرا في علم التأويل المخالف لمفهوم التنزيل، ثم صار يحجّ بالنّاس دليلا في طريق السّررات [1] والطائف خمس عشرة سنة، وشاع في الناس أنه يملك اليمن بأسره، وكان يكره من يقول له ذلك، فلما كان سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ارتقى جبل مسور وهو أعلى جبال اليمن ذروة ومعه ستون رجلا قد حالفهم بمكّة على الموت، فلما صعده لم ينتصف النهار حتّى أحاط به عشرون ألف ضارب، وقالوا: إن نزلت وإلّا قتلناك بالجوع، فقال لهم: لم أفعل ذلك إلّا خشية أن يركبه غيرنا ويملكونكم، فإن تركتموني وإلّا نزلت، فانصرفوا عنه، فبنى فيه بعد هذا واستعد بأنواع العدّة، واستفحل أمره، وكان يدعو للمنتصر العبيدي الباطني صاحب مصر خفية، ويخاف من نجاح صاحب تهامة اليمن ويداريه، حتّى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها له بالكدراء، ثم استأذن المنتصر في إظهار الدعوة فأذن له، فطوى البلاد، وافتتح الحصون سريعا، وقال في خطبته في جامع الجند: في مثل هذا اليوم يخطب على منبر عدن، ولم يكن ملكها بعد، فقال بعض من حضر: سبّوح قدّوس [2] فالله أعلم، قالها استهزاء أو تعظيما، وكلا الأمرين لا ينبغي، وإن كان أحدهما أهون من الآخر، فكان
[1] كذا في «آ» و «ط» : «السررات» وفي «مرآة الجنان» (3/ 103) : «السّراة» ولعل الصواب «السّرر» وهو موضع قرب مكة على أربعة أميال منها. انظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 427) أثناء الكلام على (الحجون) و «تاج العروس» للزبيدي (سرر)(12/ 12) طبع الكويت.
[2]
قلت: وذلك اقتباس من حديث صحيح رواه مسلم رقم (487) في الصلاة: باب ما يقال في الركوع والسجود، وتمامه: عن مطرف بن عبد الله بن الشّخّير، أن عائشة رضي الله عنها نبّأته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده «سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح» .
كما قال. فقام ذلك الإنسان، وغلا في القول، ودخل في بيعته ومذهبه، واستقر ملكه في صنعاء، وولّى حصون اليمن غير أهلها، وحلف أن لا يولّي تهامة إلّا من وزن له مائة ألف دينار، فوزنتها زوجته أسماء بنت شهاب عن أخيها سعد بن شهاب، فولّاه، وقال: يا مولاتنا! أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ من عِنْدِ الله، إِنَّ الله يَرْزُقُ من يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ 3: 37 [1]، فتبسم وقال: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا 12: 65.
وعزم على الحجّ في سنة ثلاث وسبعين في ألف فارس، منهم من آل الصّليحي مائة وستون شخصا، واستخلف ولده أحمد المكّرم، فننزل بقرب المهجم بضيعة تسمى أمّ البهم، وبئر أمّ معبد، فهجمه سعيد الأحول بن نجاح، الذي كان قتله بالسم، ولم يشعر عسكره ونواحي جيشه إلّا وقد قتل، فانزعروا [2] وفزعوا، وكان أصحاب الأحول سبعين رجلا رجالة، بيد كل واحد منهم جريدة في رأسها مسمار حديد، وتركوا جادة الطريق وسلكوا الساحل، فوصلوا في ثلاثة أيام، وكان الصّليحي قد سمع بهم وأرصد لهم نحو خمسة آلاف من الحبشة، فاختلف طريقهم، ولما رآهم الصّليحيّ مع ما هم فيه من التعب والجوع والحفاء، ظنّ أنهم من جملة عسكره، فقال له أخوه: اركب فهذا والله الأحول، فلم يبرح الصّليحيّ من مكانه، حتّى وصل إليه الأحول، فقتله وقتل أخاه وسائر الصّليحيين، وصالح بقية العسكر، وقال: إنما أخذت بثأري، ثم رفع رأس الصّليحيّ على رأس عود المظلّة، وقرأ القارئ:
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ من تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ 3: 26 الآية [آل عمران: 26] ورجع الأحول إلى زبيد سالما غانما.
[1] قلت: وذلك أيضا اقتباس من سورة آل عمران، الآية (37) أثناء ذكر قصة مريم بنت عمران عليها السلام.
[2]
«انزعروا» : أي تفرّقوا. نقول: زعر الشّعر والريش والوبر زعرا: قلّ وتفرّق حتى يبدو الجلد.
ويقال: زعر المكان: إذا كان قليل النبات، متفرّقه. انظر «لسان العرب» (زعر) .
وكان قد قام بالدعوة الباطنية قبل الصّليحي علي بن فضل من ولد خنفر بن سبأ [1] سنة سبعين ومائتين، وملك تهامة وجبالها، وطرد الناصر بن الهادي، والله أعلم. انتهى ما أورده ابن الأهدل اليمني في «تاريخه» .
وفيها قتيبة العثماني، أبو رجاء النّسفي، قتيبة بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان. كان حافظا مشهورا. قاله ابن ناصر الدّين [2] .
[1] في «آ» و «ط» : «جنفر بن سبأ» وهو خطأ، والتصحيح من «مرآة الجنان» (3/ 107) وفيه قال اليافعي: خنفر: بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الفاء في آخره راء، ابن سبأ.
[2]
في «التبيان شرح بديعة البيان» (152/ ب) .