المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما يثبت به هلال رمضان] - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٢

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب ما يبطل الصلاة إذا ترك عامدا أو ساهيا]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌[نسي أن عليه سجود سهو وسلم]

- ‌[ليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه]

- ‌[باب الصلاة بالنجاسة وغير ذلك]

- ‌[الصلاة بالمقبرة أو الحش أو الحمام أو أعطان الإبل ونحوها]

- ‌[حكم من صلى وفي ثوبه نجاسة]

- ‌[بول الآدمي وبول الحيوان غير مأكول اللحم]

- ‌[بول الغلام]

- ‌[طهارة المني]

- ‌[كيفية تطهير الأرض المتنجسة]

- ‌[باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها]

- ‌[كيفية صلاة التطوع]

- ‌[صلاة الوتر]

- ‌[قيام شهر رمضان]

- ‌[باب الإمامة]

- ‌[الصلاة خلف المبتدع]

- ‌[إمامة العبد والأعمى]

- ‌[إمامة الأمي]

- ‌[إمامة المشرك والمرأة والخنثى المشكل]

- ‌[إمامة المرأة للنساء]

- ‌[الأحق بالإمامة]

- ‌[موقف المأموم من الإمام]

- ‌[صلاة المنفرد خلف الصف]

- ‌[حكم السترة في الصلاة]

- ‌[ما يقطع الصلاة]

- ‌[باب صلاة المسافر]

- ‌[المسافة التي يقصر فيها المسافر]

- ‌[الصلاة التي تقصر]

- ‌[القصر والفطر في السفر]

- ‌[حكم من نسي صلاة في الحضر فذكرها في السفر]

- ‌[صلاة المسافر والمقيم خلف المسافر]

- ‌[باب صلاة الجمعة]

- ‌[وقت صلاة الجمعة]

- ‌[البيع وقت أذان الجمعة]

- ‌[الخطبة من شروط صحة الجمعة]

- ‌[عدد ركعات الجمعة والقراءة فيها]

- ‌[ما تدرك به الجمعة]

- ‌[حكم من دخل والإمام يخطب]

- ‌[العدد الذي تصح به الجمعة]

- ‌[تعدد الجمعة في البلد الواحد]

- ‌[صلاة الجمعة للمسافر]

- ‌[آداب صلاة الجمعة]

- ‌[صلاة الجمعة قبل الزوال]

- ‌[باب صلاة العيدين]

- ‌[التكبير في العيدين]

- ‌[آداب صلاة العيدين]

- ‌[وقت صلاة العيدين وكيفيتها]

- ‌[الخطبة في صلاة العيدين]

- ‌[التنفل قبل صلاة العيدين وبعدها]

- ‌[حكم من فاتته صلاة العيدين]

- ‌[كتاب صلاة الخوف]

- ‌[كيفية صلاة الخوف]

- ‌[كتاب صلاة الكسوف]

- ‌[كيفية صلاة الكسوف]

- ‌[كتاب صلاة الاستسقاء]

- ‌[سبب صلاة الاستسقاء]

- ‌[كيفية صلاة الاستسقاء]

- ‌[خروج أهل الذمة مع المسلمين لصلاة الاستسقاء]

- ‌[باب الحكم فيمن ترك الصلاة]

- ‌[كتاب الجنائز]

- ‌[ما يفعل بالمحتضر قبل موته]

- ‌[غسل الميت]

- ‌[تكفين الميت]

- ‌[كفن المرأة]

- ‌[حمل الجنازة]

- ‌[أحق الناس بالصلاة على الميت]

- ‌[كيفية الصلاة على الميت]

- ‌[كيفية دفن الميت]

- ‌[حكم من فاتته صلاة الجنازة]

- ‌[موقف الإمام في صلاة الجنازة]

- ‌[الصلاة على السقط]

- ‌[تغسيل أحد الزوجين للآخر]

- ‌[تغسيل الشهيد والصلاة عليه]

- ‌[تغسيل المحرم وتكفينه]

- ‌[حكم التعزية]

- ‌[البكاء على الميت]

- ‌[صنع طعام لأهل الميت]

- ‌[موت المرأة وفي بطنها جنين]

- ‌[حضور صلاة الجنازة مع صلاة أخرى]

- ‌[صلاة الجنازة على مرتكب الكبيرة]

- ‌[زيارة القبور]

- ‌[آداب زيارة القبور]

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌[زكاة الإبل]

- ‌[باب زكاة البقر]

- ‌[باب صدقة الغنم]

- ‌[زكاة الخليطين]

- ‌[شروط وجوب الزكاة]

- ‌[تعجيل الزكاة]

- ‌[اشتراط النية في الزكاة]

- ‌[من لا يجوز إعطاؤه من الزكاة]

- ‌[مصارف الزكاة]

- ‌[نقل الزكاة]

- ‌[هلاك المال الزكوي]

- ‌[باب زكاة الزروع والثمار]

- ‌[باب زكاة الذهب والفضة]

- ‌[زكاة الحلي وآنية الذهب والفضة]

- ‌[زكاة الركاز]

- ‌[باب زكاة التجارة]

- ‌[باب زكاة الدين والصدقة]

- ‌[زكاة المال المغصوب]

- ‌[زكاة المال الملتقط]

- ‌[زكاة صداق المرأة]

- ‌[باب زكاة الفطر]

- ‌[حكم زكاة الفطر]

- ‌[مقدار زكاة الفطر]

- ‌[إخراج القيمة في زكاة الفطر]

- ‌[وقت إخراج زكاة الفطر]

- ‌[مصارف زكاة الفطر]

- ‌[كتاب الصيام]

- ‌[ما يثبت به هلال رمضان]

- ‌[النية في الصوم]

- ‌[صوم المسافر]

- ‌[ما يوجب القضاء ولا يوجب الكفارة في الصيام]

- ‌[ما يوجب القضاء والكفارة في الصيام]

- ‌[الحكم فيمن أكل أو شرب ظانا عدم طلوع الفجر أو غروب الشمس]

- ‌[صوم الحامل والمرضع والشيخ الكبير]

- ‌[حكم الحائض والنفساء في رمضان]

- ‌[حكم المريض والمسافر في الصيام]

- ‌[قضاء رمضان]

- ‌[صيام التطوع]

- ‌[قضاء صيام التطوع]

- ‌[حكم إسلام الكافر في شهر رمضان]

- ‌[حكم من رأى هلال رمضان وحده]

- ‌[ما يثبت به انتهاء شهر رمضان]

- ‌[حكم من رأى هلال شوال وحده]

- ‌[حكم صيام الأسير الذي اشتبهت عليه الأشهر]

- ‌[الأيام التي يحرم صيامها]

- ‌[السحور وتعجيل الإفطار للصائم]

- ‌[الصيام المستحب]

- ‌[صيام ستة أيام من شوال]

- ‌[صيام يوم عاشوراء]

- ‌[صيام يوم عرفة]

- ‌[صيام أيام البيض]

الفصل: ‌[ما يثبت به هلال رمضان]

[كتاب الصيام]

ش: الصيام والصوم مصدر «صام» وفي اللغة: عبارة عن الإمساك، قال الله سبحانه:{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] وقال الشاعر:

خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

أي ممسكة عن الصهيل. وفي الشرع: إمساك مخصوص، في وقت مخصوص، [على وجه مخصوص] وهو من أركان الإسلام المعلومة من دين الله تعالى بالضرورة، وقد شهد لذلك قَوْله تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] الآية.

1277 -

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» الحديث إلى غير ذلك من الأحاديث، والله أعلم.

[ما يثبت به هلال رمضان]

قال: وإذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما طلبوا الهلال.

ص: 549

ش: يستحب للناس أن يتراءوا الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، احتياطا لصومهم، وحذارا من الاختلاف.

1278 -

وقد روت عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام» . رواه أحمد وأبو داود، والدارقطني وقال: هذا إسناد صحيح. والله أعلم.

قال: فإن كانت السماء مصحية لم يصوموا ذلك اليوم.

ش: أي طلب الناس الهلال، فإن رأوه وجب صيامه، وهذا إجماع، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . وإن لم يروه فإن كانت السماء مصحية [لم يصوموا ذلك اليوم] لأنه (إما يوم شك) وهو منهي عن صيامه.

1279 -

قال صلة بن زفر: كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه، فأتي بشاة، فتنحى بعض القوم، فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود، والنسائي،

ص: 550

وابن ماجه [والترمذي] وصححه. (أو غير شك) وقد نهي عنه أيضا.

1280 -

فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل، فليصم ذلك اليوم» رواه الجماعة.

1281 -

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا الشهر، حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة، ثم تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة» رواه النسائي وأبو داود. وهذا المنع على طريق [الكراهة] عند القاضي وأبي الخطاب، والأكثرين.

ص: 551

ولأبي محمد في الكافي احتمال بالتحريم، وهو ظاهر كلام الخرقي، وكلام صاحب التلخيص في يوم الشك [قال: صيام يوم الشك] منهي عنه، وفي صحته مع النهي ما في الصلاة في أوقات النهي. انتهى وهو مقتضى نصوص أحمد رحمه الله قال في رواية أبي داود: الشك على ضربين، فالذي لا يصام إذا لم يحل دون منظره سحاب ولا قتر، والذي يصام إذا حال دون منظره سحاب أو قتر، وفي رواية المروذي: سئل عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام [يوم] الشك، فقال: هذا إذا كان صحوا لم يصم، وأما إن كان في السماء غيم [صام] . وفي رواية الأثرم: ليس ينبغي أن يصبح صائما إذا لم يحل دون منظر الهلال شيء من سحاب ولا غيره. انتهى وذلك لظواهر النصوص.

ص: 552

ويستثنى من المنع النذر، والورد، كمن عادته صوم يوم الخميس فوافق آخر الشهر، أو صوم يوم وفطر يوم للحديث.

«تنبيه» : يوم الشك [قال بعض المتأخرين] : اليوم الذي يتحدث الناس برؤيته ولا يثبت، وحرر القاضي ذلك في تعليقه بأن يكون في الصحو، وزاد عليه: إذا لم يتراء الناس الهلال [حتى جاوز وقت الرؤية أو لم تكن السماء مصحية، وقلنا: لا يجب الصوم] أما إن قلنا بوجوبه فليس بشك [عند القاضي، وهو شك] عند الخلال فيما أظن، وهما روايتان عن أحمد، والله أعلم.

قال: وإن حال دون منظره غيم أو قتر وجب صيامه، وقد أجزأ إن كان من شهر رمضان.

ش: هذا هو المذهب المشهور، المختار لعامة الأصحاب، الخرقي، وابن أبي موسى، والقاضي وأكثر أصحابه.

1282 -

لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأيتموه فصوموا، وإن رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له» متفق عليه. أي فضيقوا له العدد، من

ص: 553

قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] الآية أي ضيق عليه رزقه {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26] أي يضيق عليه {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] أي ضيق {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] أي لن نضيق عليه. وتضييق العدد، بأن يجعل شعبان تسعة وعشرين.

1283 -

ويدل على هذا ما في سنن أبي داود وغيره عن نافع قال: وكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعا وعشرين نظر له، فإن رؤي فذاك، وإن لم ير، ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر، أصبح مفطرا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما، قال: وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب وهو راوي الحديث وأعلم بمعناه فيرجع إلى تفسيره، كما رجع إلى

ص: 554

تفسيره في «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» فكان إذا بايع رجلا بشيء مشى خطوات لا سيما وهو من أتبع الناس [للسنة] ، ويجوز أن يكون معنى «فاقدروا له» أي اقدروا طلوعه.

1284 -

يدل عليه أن في مسلم وسنن أبي داود في الحديث: «إنما الشهر تسع وعشرون، فإذا رأيتموه فصوموا» ، فقوله:«الشهر تسع وعشرون» كالتوطئة [لقوله] : «فاقدروا له» . أي لا تظنوا أن الشهر ثلاثون، إنما هو تسع وعشرون، فإذا مضى تسع وعشرون وغم عليكم، فاقدروا طلوعه، وهذا معنى الذي قبله، لأنا إذا قدرنا طلوعه، فقد ضيقنا شعبان.

1285 -

(فإن قيل) : ففي هذا الحديث في مسلم: «فإن أغمي عليكم فاقدروا ثلاثين» ؛ وفي البخاري: «فأكملوا العدة ثلاثين» .

ص: 555

(قيل) : يحمل الأول [على] فضيقوا عدة شعبان، أو قدروا طلوع الهلال، لتصوموا ثلاثين. والثاني [على] فأكملوا عدة رمضان ثلاثين، لأنه أقرب مذكور، فالألف واللام بدل من المضاف إليه، جمعا بين الأدلة.

1286 -

ويؤيده أن في الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى: «فصوموا ثلاثين» .

1287 -

وعلى هذا ما في الصحيحين وغيرهما عن عمران بن حصين رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟» قال: لا. قال: «فإذا أفطرت فصم يوما» ، وفي رواية:«يومين» ؛ وسرار الشهر: آخره. سمي بذلك لاستسرار القمر فيه فلا يظهر، محمول على حال الغيم ونحوه. وحديث أبي هريرة:«لا تقدموا رمضان» على الصحو. ليتوافقا [إذ] في حال الغيم لا يعلم أنه تقدم رمضان بيوم ولا يومين، فلا يدخل تحت النهي، ولأن هذا قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

1288 -

فعن مكحول: أن عمر كان يصوم يوم الشك إذا كانت السماء

ص: 556

في تلك الليلة متغيمة، ويقول: ليس هذا بالتقدم، ولكنه بالتحري. رواه أبو حفص بسنده.

1289 -

وكانت عائشة رضي الله عنها تقول إذا غم: لأن أصوم يوما من شعبان، أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان. وقد تقدم عن ابن عمر أنه كان يصوم يوم [الغيم.

1290 -

وعلى هذا يحمل ما روي عن أسماء، وأبي هريرة، وعمرو بن العاص، ومعاوية، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم من صوم يوم] الشك على وجود الغيم ونحوه، وهؤلاء من أكابر الصحابة، وعلمائهم، وهم رواة أحاديث الباب، فلا يظن بهم مخالفتها، ولا مخالفة ظاهرها، ولأن الصوم في ذمته بيقين، ولا يبرأ منه بيقين إلا بصوم ذلك، كما لو كانت عليه صلاة من يوم لا يعلم عينها، وجب عليه أن يصلي خمس صلوات.

وعن أحمد رحمه الله (رواية ثانية) : لا يصام هذا اليوم، بل

ص: 557

ينهى عنه، لأنه يوم شك، وقيل: إن هذا اختيار ابن عقيل، وأبي الخطاب، في خلافيهما، والذي نصره أبو الخطاب في الخلاف الصغير هو الأول، فلعل هذا في الكبير وذلك لما تقدم [من] أنه يوم شك، ويوم الشك منهي عنه لما تقدم، ولما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها، فإن فيه: عد ثلاثين يوما ثم صام. وحديثي أبي هريرة، وحذيفة، في النهي عن التقدم.

1291 -

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» رواه البخاري. ولمسلم: «فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين» . وقوله في حديث ابن عمر: «فاقدروا له» أي قدروا له عدد ثلاثين حتى تكملوها. يدل عليه بقية الروايات، وكون [التقدير] التضييق ممنوع، إنما هو غير التضييق والتوسيع.

1292 -

كما قيل في قوله: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] لا توسع الحلقة ولا تضيقها، ولا ترقق المسامير ولا تغلظها، وفي {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي جعل بقدر لا ينقص، ولا يفضل عن حاجته. وفي

ص: 558

{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] أي نضيق عليه. وفعل الصحابة لعله عن اجتهاد وظن، كما ظنه غيرهم.

1293 -

ثم قد روي عن بعضهم [وعن غيرهم] خلاف ذلك، والاحتياط في الوجوب إنما يكون فيما علم وجوبه، أما ما شك فيه فلا يجب، وإلا يلزم الوجوب بالشك، وعلى هذا فهل النهي نهي تحريم أو تنزيه على قولين.

ومن نصر الأول قال: لا نسلم أن هذا يوم شك، مع أن عمارا رضي الله عنه لم ينقل لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظا، فيجوز أن يكون قاله عن اجتهاد، بناء على النهي عن التقدم، وأما حديثا أبي هريرة وحذيفة في التقدم فتقدم الجواب عنهما، وهو غلط من الراوي، وأن سائر الرواة لم يذكروا ذلك، مع أن في المسند ومسلم والنسائي في هذا الحديث:«فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين» ، وفي لفظ لأحمد والترمذي وصححه، «فعدوا

ص: 559

ثلاثين ثم أفطروا» ؛ والحديث واحد فتتعارض الروايتان ويتساقطان. ثم على تقدير صحة الأول فيحمل على ما إذا غم رمضان، بعد أن غم شعبان، فإنا لا نفطر، ونعد شعبان إذا ثلاثين يوما ورمضان ثلاثين يوما، ويكون الصوم أحدا وثلاثين.

وعن أحمد رحمه الله رواية ثالثة: الناس تبع للإمام في الصوم والفطر.

1294 -

لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس» رواه الترمذي وصححه.

قال أحمد: السلطان أحوط في هذا، وأنظر للمسلمين، وأشد تفقدا، ويد الله على الجماعة.

وقيل عن أحمد رواية أخرى باستحباب الصوم، لا بإيجابه، ولا بالمنع منه، وهذا اختيار أبي العباس، وقال: إن المنقول

ص: 560

عن أحمد أنه كان يصومه، أو يستحب صيامه، اتباعا لابن عمر، قال: ولم أقف من كلام أحمد على ما يقتضي الوجوب، وحملا للأوامر بإتمام شعبان، ونحو ذلك على بيان الواجب، وما ورد من صيام ذلك على الاستحباب، لا سيما وفيه احتياط لعبادة، وأصول الشريعة لا تمنع من ذلك.

وقيل عنه رواية بالإباحة، قال بعضهم: تحكى فيه الأحكام الخمسة. وقول سادس وهو التبعية.

فعلى الأولى: يشترط له النية من الليل، على أنه من رمضان حكما، فإن تبين أنه من رمضان أجزأه، وإلا فهو نفل، وهل تصلى التراويح ليلته؟ فيه وجهان: قال صاحب التلخيص: أظهرهما لا. وحكي عن أحمد وعن التميمي أنه ينويه جزما، وإذا تصلى التراويح. ولو نوى: إن كان غدا من رمضان فهو فرض، وإلا فهو نفل، لم يجزئه إن قيل باشتراط التعيين في النية لفواته، وإلا أجزأه بطريق الأولى، لمكان العذر هنا، وهل تثبت بقية الأحكام من الأجل المعلق برمضان، والطلاق المعلق به، ونحو ذلك؟ فيه احتمالان، ذكرهما القاضي في التعليق، فالثبوت للحكم برمضانيته، والمنع لأنه حق لآدمي.

ص: 561

«تنبيه» : «الغيم» قال ابن سيده: الغيم السحاب. وقيل: أن لا ترى شمسا من شدة الدجى. وجمعه غيوم وغيام. و «القتر» جمع قترة وهي الغبار، ومنه قَوْله تَعَالَى:{تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 41] .

1295 -

قال ابن زيد: الفرق بين الغبرة والقترة أن القترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالسماء، والغبرة ما كان أسفل في الأرض. و «فاقدروا له» قد تقدم معناه والصواب عند أهل اللغة والتفسير المعنى الثاني، وهو بالوصل، وكسر الدال وضمها، و «سرر الشهر» و «سراره» وسراره ثلاث لغات، قال الفراء: والفتح أجود. ويقال فيه أيضا: سر الشهر. وجاءت به السنة، وقد تقدم معناه، وقيل: سره وسطه، وسر كل شيء جوفه ويدل عليه أن في بعض الروايات «أصمت من سرة هذا الشهر؟» وفسر ذلك بأيام البيض والله أعلم.

ص: 562