الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه إذا كان معهما قدر من ذلك أنه يكمل لهما تمام الخمسين، أو قيمتها من الذهب.
ويدفع إلى العامل أجرة مثله، ويدفع إلى المؤلف ما يحصل به التأليف، قاله أبو محمد، وقال صاحب التلخيص فيه: يدفع إليه ما يراه الإمام، وهو قريب من الأول، ويدفع في الرقاب بأن يعطى المكاتب ما عليه إن لم يجد وفاءه، أو يفتدي أسيرا، ونحو ذلك، على ما سيأتي [بيانه] إن شاء الله تعالى، ويدفع إلى الغارم قدر دينه. وإلى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه. وإلى الفقير ما يحج به في رواية، ويدفع إلى ابن السبيل ما يوصله بلده، ولا يزاد أحد منهم على ذلك، والله أعلم.
[نقل الزكاة]
قال: ولا تخرج الصدقة من بلدها إلى بلد تقصر في مثله الصلاة.
ش: المذهب أنه لا يجوز نقل الزكاة من بلدها إلى بلد تقصر في مثله الصلاة، مع القدرة على دفعها في بلدها، هذا المعروف في النقل، وظاهر كلام أحمد [والخرقي] وإن كان القاضي في روايتيه، وجامعه الصغير، وتعليقه الكبير، ترجم المسألة بلفظ الكراهة، واحتج أحمد بحديث معاذ المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» .
لا يقال: المراد فقراء المسلمين. لأنا نقول: الضمير راجع إلى أهل اليمن، إذ هم المبعوث إليهم، أي صدقة تؤخذ من أغنياء مسلمي اليمن، فترد في فقراء مسلمي اليمن، (فإن قيل) : اليمن بلاد كثيرة، فعموم الحديث يقتضي الدفع إلى جميع فقرائها؟ (قيل) : لكنه ظاهر في منع الدفع في إقليم آخر، وإذًا فيتعارض ظاهران، والحمل على جانب العموم أولى، لتطرق التخصيص إليه غالبا، ثم قوله صلى الله عليه وسلم «فترد في فقرائهم» في معنى الأمر، فلو حمل على جميع [بلاد] اليمن لحمل على المكروه، وحمل الأمر على المكروه ممتنع.
1205 -
واحتج أحمد أيضا بما روى الأثرم في سننه، عن طاوس [قال: في كتاب] معاذ بن جبل: «من انتقل من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته» انتهى.
1206 -
وعن عمران بن حصين، أنه استعمل على الصدقة، فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث
كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناه حيث كنا نضعه.
1207 -
ولما بعث معاذ الصدقة إلى عمر من اليمن، أنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابيا، ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فترد في فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد من يأخذه مني. رواه أبو عبيد في الأموال ولأن في النقل ضياع فقراء تلك البلد، وهو عكس مشروعية الزكاة.
(وعن أحمد رحمه الله) رواية [أخرى] : يجوز النقل مطلقا، لظاهر قوله سبحانه:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية، ولم يفرق سبحانه بين فقراء وفقراء، «ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة:«أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها» فدل على أن الصدقة كانت تنقل.
(وأجيب) عن الآية بأن المراد منها بيان المصرف، وعن الحديث بأنه محمول على الفاضل من الصدقات.
1208 -
وبهذا أجاب أحمد عما روي من نقل الصدقات إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما.
(وعنه) رواية ثالثة - نص عليها في رواية جماعة - أنه يجوز نقلها إلى الثغور خاصة، وقال في هذا غير شيء، وذلك لأن المرابط قد لا يمكنه الخروج [من] الثغر، فالحاجة داعية إلى البعث إليه، لا سيما وما هم عليه فإنه من أعظم أمور الدين، بل هو أصلها.
فعلى الأولى إن خالف ونقل فهل يجزئه؟ فيه روايتان، حكاهما أبو الخطاب وأتباعه، وعن القاضي أنه قال: لم أجد عنه نصا في المسألة. واختار هو وشيخه المنع لأنه دفعها إلى غير من أمر بدفعها إليه، أشبه ما لو دفعها إلى غير الأصناف. واختار أبو الخطاب الجواز؛ لأن الأدلة في المسألة متقاربة، وقد وصلت إلى الفقراء، فدخلت في عموم الآية، ولعل قصة عمر المتقدمة تشهد لذلك.
وقول الخرقي: ولا تخرج الصدقة. اللام في الصدقة للعهد المتقدم، وهو الزكاة، ويشمل زكاة المال والبدن، أما صدقة التطوع فيجوز نقلها بلا كراهة، وأما الكفارات، والنذور، والوصايا، فيجوز نقلها، قاله في التلخيص، [قال] : وخرج القاضي وجها في الكفارات بالمنع، فيخرج في النذور والوصية مثله. (قلت) : ومراد صاحب التلخيص بالوصية؛ الوصية المطلقة، كالوصية للفقراء [مثلا] أما الوصية لفقراء بلد فإنه يتعين صرفها في فقرائه، نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم. وقوله: من بلدها. أي [من] البلد الذي وجبت فيه، أو الذي المال فيه، فلو كان ماله غائبا عنه زكاه في بلده، نص عليه في رواية بكر بن محمد، فقال: أحب إلي أن تؤدي حيث يكون المال، فإن كان بعضه حيث
هو، وبعضه في بلد آخر، يؤدي زكاة كل مال حيث هو. وظاهر كلامه أنه ولو في نصاب من السائمة، وفيه وجه آخر أنه في السائمة - والحال هذه - يجزئ الإخراج في بعضها، حذارا من التشقيص، ولو كان ماله تجارة يسافر به، فقال أحمد في رواية يوسف بن موسى: يزكيه في الموضع الذي مقامه فيه أكثر. (وعنه) أنه سهل في إعطاء البعض في بلد، والبعض في البلد الآخر. وعن القاضي: يخرج زكاته حيث حال [عليه] حوله. أما زكاة البدن فيزكي حيث البدن.
وقوله: إلى بلد تقصر في مثله الصلاة. [مفهومه أنها تنقل إلى بلد لا تقصر في مثله الصلاة] ، ونص عليه أحمد والأصحاب، لأن ما قارب البلد في حكمه.
وكلام الخرقي [وغيره] شامل للساعي، ولرب المال، وهو ظاهر كلام أحمد، وشامل لما إذا كان في البلد البعيد أقارب محاويج أو لم يكن، وصرح به غيره، ويستثنى مما تقدم ما إذا
استغنى فقراء بلده، فإنه يفرقها في أقرب البلاد إليه وكذلك إن كان ماله ببادية فرق زكاته في أقرب البلاد إليه.
«تنبيه» : «المخلاف» والله أعلم.
قال: وإذا باع ماشية قبل الحول بمثلها زكاها إذا تم حوله من وقت ملكه الأول.
ش: إذا باع ماشية - وهي الإبل، والبقر، والغنم - في أثناء الحول بمثلها، بأن باع إبلا بإبل، أو بقرا ببقر، أو غنما بغنم، فإن حوله لا ينقطع، فيزكيه إذا تم الحول، نظرا إلى أنه لم يزل في ملكه نصاب من الجنس، أشبه ما لو نتج النصاب نصابا، ثم ماتت الأمات فإن الحول لا ينقطع، كذلك هاهنا، وخرج أبو الخطاب قولا بالانقطاع، ولم يلتفت لذلك أبو محمد في المغني، والله أعلم.
قال: وكذلك إن باع مائتي درهم بعشرين دينارا، أو عشرين دينارا بمائتي درهم، فلا تبطل الزكاة بانتقالها.
ش: لما كان قياس ما تقدم أنه لو باع نصابا بجنسه أن الحول لا ينقطع، وأنه لو باعه بغير جنسه [أن الحول ينقطع، أراد أن ينبه على أن الدراهم والذهب يخالفان ذلك، فلو باع نصابا من الفضة بنصاب] من الذهب [أو نصابا من الذهب] بنصاب من الدراهم، لم ينقطع الحول، لأنهما في حكم الجنس الواحد، إذ هما قيم المتلفات، وأروش الجنايات، والنفع بأحدهما كالنفع بالآخر. وفي معنى ما ذكره الخرقي إذا باع عرضا للتجارة [بأحدهما] أو اشتراهما به، فإن الحول لا ينقطع، إذ الزكاة في قيمتها، وهي أحدهما.
واعلم أن الذي ذكره الخرقي - من أن الحول لا ينقطع ببيع أحد النقدين بالآخر - يحتمل أنه بناء منه على ما سيأتي له إن شاء الله تعالى من ضم أحد النقدين للآخر، وهي طريقة أبي محمد، وطائفة من الأصحاب، وصححها أبو العباس.
وطريقة القاضي وجماعة منهم أبو البركات أن الحول لا ينقطع [مطلقا] وإن لم نقل بالضم، والله أعلم.
قال: ومن كانت عنده ماشية، فباعها قبل حلول] الحول بدراهم، فرارا من الزكاة، لم تبطل الزكاة عنه.
ش: إذا باع ماشية قبل الحول بدراهم، فلا يخلو إما أن يفعل ذلك فرارا من الزكاة أو لا، فإن فعله فرارا من الزكاة، لم تسقط [الزكاة] عنه، لأن سبب الوجوب - وهو انعقاد الحول، مع ملك النصاب - قد وجد، فلا تسقط [عنه] بفعل محرم، وهذه قاعدة لنا: أن الحيل كلها - لإسقاط واجب، أو لارتكاب محرم - باطلة. ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليها في غير هذا الموضع. وقد عاقب الله سبحانه من فر من الصدقة وقصد منع المسكين، قال الله تعالى:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] إلى قوله: {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} [القلم: 23]{أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم: 24] الآية.
وإن لم يفعل ذلك فرارا من الزكاة فقد انقطع الحول، ولا زكاة عليه، لأن الحول لم يحل على مال، ولا على ما [هو] في معناه.