الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخرج من أيهما شاء، وأنه لا يخرج من كل [واحد، ولكل] ما لحقه، والله أعلم.
[زكاة الخليطين]
قال: وإن اختلط جماعة في خمس من الإبل أو ثلاثين من البقر، أو أربعين من الغنم، وكان مرعاهم، ومسرحهم، ومبيتهم، ومحلبهم، وفحلهم واحدا أخذت منهم الصدقة، وتراجعوا فيما بينهم بالحصص.
ش: الخلطة تؤثر في بهيمة الأنعام، وهي الإبل، والبقر، والغنم، فتجعل المالين كالمال الواحد في الزكاة، وفي أخذ الساعي الفرض من مال أي الخليطين شاء، والأصل في ذلك ما تقدم في حديث أبي بكر [الصديق رضي الله عنه]«لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» .
وعن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كتاب الصدقة] فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى قبض، ثم عمل به عمر رضي الله عنه حتى قبض، فذكره وفيه «ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع ين متفرق، مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية» رواه أبو داود وابن ماجه، والترمذي وحسنه، وقال البخاري: أرجو أن يكون محفوظا.
(وفيه دليلان) أحدهما: - قوله «ولا يجمع بين متفرق» أي لا يجمع الرجلان النصابين من الغنم، ليجب عليهما في الثمانين شاة واحدة، ولا يجمع الساعي مالي الرجلين ليوجب عليهما الزكاة، كما إذا كان لكل واحد عشرون من الغنم، وقوله:«ولا يفرق بين مجتمع» أي لا يفرق الرجلان ماليهما، لتقل عليهما الزكاة، كما إذا كان لكل واحد [منهما مثلا] مائة [و] شاة، وخلطه فإنه يجب عليهما ثلاث شياه، فإذا فرقاه وجب على كل واحد [منهما] شاة، أو لا يفرق الساعي الثمانين مثلا ليوجب على كل واحد شاة. ومقتضى هذا كله أن للخلطة تأثيرا.
(الدليل الثاني) : - قوله: «وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان [فيما] بينهما بالسوية» والتراجع إنما هو في خلطة الأوصاف.
إذا تقرر هذا، فقول الخرقي: وإن اختلط جماعة. أراد بالجماعة الاثنين فصاعدا، من الجمع وهو الضم.
وشرط الخليطين أن يكونا من أهل الزكاة، [فلو كان أحدهما من غير أهل الزكاة] فوجوده كعدمه.
وقوله: [في] خمس من الإبل، أو ثلاثين من البقر، أو أربعين من الغنم إشارة إلى أن الخلطة [إنما تؤثر في نصاب، وهو واضح، وتنبيه على مذهب مالك رحمه الله ومن وافقه، من أن الخلطة إنما] تؤثر إذا كان لكل واحد نصابا، وعندنا لا يشترط، بل كما يؤثر إذا كان لكل واحد نصابا، يؤثر فيما دونه.
وقوله: وكان مرعاهم، ومسرحهم، ومبيتهم، ومحلبهم، وفحلهم واحدا. تنصيص على شروط الخلطة، وأنها إنما تصير المالين بمنزلة المال الواحد بهذه الشروط.
1164 -
والأصل في هذه الشروط ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم[يقول] : «لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، والخليطان ما اجتمعا في الحوض، والفحل، والراعي» . رواه الدراقطني.
وبقية الشروط في معنى هذه الثلاثة، ولأن هذه الشروط تؤثر في الرفق بالخلطاء، فوجب اعتبارها، كالراعي، والفحل، (والمرعي) معروف: الشيء الذي يرعى ويلزم من اتحاده اتحاد موضعه، (والمسرح) فسره أبو محمد بالموضع الذي ترعى فيه الماشية، ويلزم من اتحاده اتحاد المرعى، فلذلك قال أبو محمد وسبقه إلى ذلك ابن حامد: إنهما شيء واحد، وفسره صاحب التلخيص بموضع جمعها عند خروجها للمرعى وهذا أولى، دفعا للتكرار. «والمبيت» موضع مبيتها، «والمحلب» - بفتح الميم -[الموضع] الذي تحلب فيه، قال صاحب التلخيص: مع تمييز [لبن] كل واحد منهما، فإن الشركة فيه ربا، «والفحل» معروف، ومعنى اتحاده أن لا يكون فحولة أحد المالين لا تطرق الآخر.
وهذه الشروط لا نزاع في المذهب في اشتراطها فيما أعلمه، وعليها اقتصر أبو البركات، وزاد أبو الخطاب، وصاحب التلخيص، وأبو محمد، وغيرهم: اتحاد المشرب، يعني أن يكون موضع مشربها واحدا وزاد أبو الخطاب، وأبو محمد
وغيرهما: اتحاد الراعي، «وهو منصوص أحمد والحديث. قال أبو محمد: ويحتمل أن يفسر المرعى] في كلام الخرقي بذلك، ليوافق للنص، ويندفع [به] التكرار.
ثم بعد هذا هل يشترط فيه الخلطة؟ فيه وجهان مشهوران.
وقوله: أخذت منهم الصدقة، وتراجعوا فيما بينهم بالحصص. يقتضي بعمومه أن للساعي أن يأخذ من مال [أي] الخليطين شاء، مع الحاجة [وعدمها] وهو صحيح، نص عليه أحمد والأصحاب، وإطلاق الحديث يقتضيه، فعلى هذا لو اختلط من له ثلاثون تبيعا، مع شخص له أربعون مسنة، فأخذ الساعي مسنة من الثلاثين وتبيعا من الأربعين، فإن له ذلك، ويرجع صاحب الثلاثين على صاحب الأربعين [بقيمة أربعة أسباع مسنة، وصاحب الأربعين على صاحب الثلاثين] بقيمة ثلاثة أسباع مسنة.
وقوله: أخذت منهم الصدقة، وتراجعوا فيما بينهم بالحصص. يعني [في] الصدقة المأخوذة، وقد تقدم مثاله، فلو أخذ الساعي شيئا ظلما لم يرجع المأخوذ منه على خليطه بحصته، إذ من ظلم لا يظلم غيره، نعم لو أخذ غير الفرض بتأويل - كما لو أخذ القيمة، أو أخذ
الصحاح، أو الكبار عن المراض أو الصغار - فإنه يرجع على خليطه بحصته، لأن الساعي فعل ما له فعله، إذ مستنده الاجتهاد، أو تقليد من يسوغ تقليده، وإذًا يصير المأخوذ هو الواجب.
واعلم أن الخرقي رحمه الله نبه بالتأثير في خلطة الأوصاف - وهو أن يكون مال كل واحد [منهما] متميزا بصفة، فخلطاه واشتركا فيما تقدم - على التأثير في خلطة الأعيان، وهو أن يكون أعيان أموالهما مختلطة، كأن ورثا نصاب، أو اشترياه ونحو ذلك بطريق الأولى، نعم الشروط المذكورة مختصة بشركة الأوصاف، والله أعلم.
قال: فإن اختلطوا في غير هذا أخذ من كل واحد [منهم] على انفراده، إذا كان ما يخصه [تجب] فيه الزكاة.
ش: يعني [أن] الخلطة لا تؤثر في غير بهيمة الأنعام وإذا لم تؤثر فإن الساعي يأخذ من كل واحد منهم على انفراده، بشرط أن يكون ما يخص كل واحد منهم نصابا، وهذا هو المشهور، والمختار للأصحاب من الروايتين، لقوله: صلى الله عليه وسلم «لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، مخافة الصدقة» وأرباب الأموال مرادون منه بلا نزاع، وإنما يفرقون أو يجمعون حذارا [من الصدقة] في الماشية، إذ غيرها لا وقص فيه. ثم ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم بعد «والخليطان ما اجتمعا في الحوض، والفحل،
والراعي» ظاهره حصر الخليطين فيمن هذه صفتهم، وأيضا فالخلطة في الماشية تارة يحصل الرفق فيها لأرباب الأموال، كرجلين لكل واحد منهما أربعون فخلطاها، وتارة للفقراء [كرجلين لكل واحد منهما عشرون، أما غير الماشية فتأثير الخلطة نفع للفقراء] دائما، وضرر على أرباب الأموال، والضرر منفي شرعا، ولهذا قلنا: لا تخرج الصحيحة عن المراض.
(والرواية الثانية) تؤثر الخلطة. قال أبو الخطاب في خلافه الصغير: وهو أقيس.
1165 -
لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» مفهومه أنه إذا بلغهما [أن] فيه صدقة، ولم يفرق بين أن يكون المال لواحد أو لاثنين. وقد يستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يجمع بين متفرق» بناء على أن الخطاب للساعي أيضا، فلا يجمع مائة ومائة ليأخذ زكاتهما، وعلى هذه تؤثر [الخلطة] في شركة الأعيان. وهل تؤثر في شركة الأوصاف؟ فيه وجهان، حكاهما ابن عبدوس وغيره (أحدهما) : لا، اختاره أبو محمد، وابن حمدان (والثاني) : نعم، وهو ظاهر كلام الأكثرين، لإطلاقهم الرواية، وعليه: