الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيره بالكراهة، وهو مقتضى قول شيخه، فإنه قال بعدم البطلان، وصححه أبو البركات، مستمسكا بأن عمارا صلى وأقره على ذلك حذيفة، وكذلك حذيفة وأقره أبو مسعود، وبأن النهي عن ذلك لإفضائه إلى رفع البصر، بدليل عدم كراهة اليسير، ورفع البصر لا يبطل فما كره لأجله أولى.
(تنبيه) : يشترك الإمام والمأموم في النهي إن انفرد الإمام بالعلو، فإن كان معه أحد صحت صلاته وصلاة من معه، واختص من أسفل منه بالنهي، على ما جزم به أبو البركات، وحكى أبو محمد احتمالا بأن النهي يتناول الإمام أيضا، فتبطل صلاة الجميع إن قيل بالبطلان، والله أعلم.
[صلاة المنفرد خلف الصف]
قال: ومن صلى خلف الصف وحده، أو قام بجنب الإمام عن يساره أعاد الصلاة.
ش: أما [كون] من صلى خلف الإمام وحده يعيد الصلاة.
736 -
فلما «روى وابصة بن معبد، أن رجلا صلى خلف الصف وحده، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة» ، رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي. وقال ابن المنذر: ثبت أحمد وإسحاق هذا الحديث.
737 -
«وعن علي بن شيبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف [وحده] فوقف حيث انصرف الرجل، فقال له: «استقبل صلاتك، فلا صلاة لفذ خلف الصف» رواه ابن ماجه وأحمد، وقال: هذا حديث حسن. (ولا فرق) بين
الفرض والنفل على ظاهر كلام الخرقي، وهو المشهور، لعموم النص، وقال القاضي في تعليقه: يحتمل أن تصح صلاة الفذ في النفل، لأن أحمد نص [على] أنه يجوز أن يقف مع الصبي في النفل دون الفرض، وليس من أهل الموقف، ورد بأن إمامته لما صحت في النفل فكذلك موقفه (ولا فرق) أيضا بين صلاة الجنازة وغيرها، واستثنى ابن عقيل صلاة الجنازة إذا كانوا خمسة، نظرا لتحصيل ثلاثة صفوف، ومراد الخرقي بهذه المسألة إذا صلى جميع الصلاة خلف الصف [أما لو أحرم خلف الصف] ثم دخل في الصف، فتأتي المسألة إن شاء الله تعالى.
وأما كون من صلى بجنب الإمام عن يساره يعيد الصلاة.
738 -
فلما روى جابر بن عبد الله، قال:«قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، فجئت فقمت عن يساره، فنهاني فجعلني عن يمينه، ثم جاء صاحب لي فصففنا خلفه» . رواه أحمد وغيره، والنهي دليل الفساد.
739 -
وثبت «أن ابن عباس رضي الله عنهما لما قام عن يسار النبي [صلى الله عليه وسلم يصلي] أخذ برأسه فجعله عن يمينه» . وهو بيان لمجمل {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] ونحوه فيحمل على الوجوب، لا سيما وقد لزم منه مشيا وعملا لغير حاجة، ومثل هذا [لا] يرتكب لمخالفة فضيلة. (وعن بعض) الأصحاب صحة الصلاة، استدلالا بقصة ابن عباس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبطل تحريمته، وأجيب بأنه لم يكن ركع، ومثل ذلك يعفى عنه، كما في إحرام الفذ، ولأبي محمد احتمال بأنه تجوز الصلاة عن يساره إذا كان وراءه صف، اعتمادا على « [أن] النبي صلى الله عليه وسلم وقف في مرضه عن يسار أبي بكر، وكان أبو بكر [وهو] الإمام» ، وأجيب بالمنع، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام.
ومراد الخرقي إذا لم يكن عن يمين الإمام أحد، أما إن كان عن يمينه أحد فتصح الصلاة على يساره بلا نزاع.
740 -
لما «روى عن علقمة والأسود أنهما استأذنا على ابن مسعود، قال الأسود: وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية
فاستأذنت لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل» . رواه أبو داود وغيره، والله أعلم.
قال: وإذا صلى إمام الحي جالسا صلى من وراءه جلوسا، فإن ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما.
ش: أما إذا ابتدأ إمام الحي [الصلاة] جالسا - يعني لمرض به - فإن من وراءه يصلون جلوسا.
741 -
لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك، فصلى جالسا، وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا» متفق عليه.
742 -
وروى نحو ذلك جابر، وأنس، وأبو هريرة رضي الله عنهم، وأحاديثهم في الصحيح. وصورة المسألة أن يكون الإمام إمام الحي كما ذكر الخرقي، وأن يكون المرض مرجو الزوال،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان [هو] إمام الحي، وكان مرضه مرجو الزوال، أما لو لم يكن كذلك فإنه لا تصح إمامته عندنا بالقادر على القيام على المذهب، كما لو كان [عاجزا] عن الركوع والسجود فإنه لا تصح إمامته بقادر عليه، (وعن أحمد) أن إمامته تصح، وإن لم يكن إمام حي، أو كان آيسا من زوال مرضه، لكن والحال هذه يصلون وراءه قياما.
وظاهر كلام الخرقي أن جلوس المأمومين - والحال ما تقدم - على سبيل الوجوب، فلو صلوا قياما لم تصح صلاتهم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، قال ابن الزاغوني: واختارها أكثر المشايخ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجلوس، فإذا قام فقد خالف الأمر، بل وارتكب النهي.
743 -
فإن في مسلم وغيره [عن جابر رضي الله عنه] قال: «اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا، فلما سلم قال: «إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهو قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائما فصلوا قياما، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا» .
(والرواية الثانية) : أن الجلوس على سبيل الرخصة، فلو أتوا
بالعزيمة، وصلوا قياما صحت صلاتهم، اختارها عمر بن بدر المغازلي، وهو الذي أورده أبو الخطاب مذهبا، وصححه أبو البركات، وجزم به القاضي في التعليق فيما أظن، لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يأمر من صلى خلفه وهو قائم بالاستئناف.
744 -
ففي البخاري، عن أنس رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم صرع من فرسه، فجحش شقه أو كتفه، فأتاه أصحابه يعودونه، فصلى بهم جالسا وهم قيام، فلما سلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإن صلى قائما فصلوا قياما، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا» ولأن سقوط القيام عن إمامهم رخصة [له] فليكن عنهم مثله، وحكى أبو محمد احتمالا بالصحة مع الجهل [دون العلم] .
وأما إذا ابتدأ [بهم] الصلاة قائما ثم اعتل فإنهم يصلون وراءه قياما.
745 -
لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» فلما
دخل في الصلاة وجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه، فجاء فجلس عن يسار أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي قائما، ورسول الله [صلى الله عليه وسلم] يصلي جالسا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ، والناس بصلاة أبي بكر. فلما ابتدؤا الصلاة قياما وراء إمام قائم أتموا قياما» ، بخلاف ما تقدم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ بهم الصلاة جالسا، فلذلك أمرهم بالجلوس، فالنصان وردا على حالين مختلفين، فيستعملان على ما وردا عليه.
ونظير ذلك لو افتتح مسافر الصلاة خلف مسافر، فإنه يقصر، ولو افتتحها خلف مقيم ثم استخلف المقيم مسافرا لم يدخل معه، فدخل في الصلاة بنية القصر، فإنه لا يجوز للمأموم القصر وإن جاز لإمامه، حيث افتتحها خلف مقيم، وهذا أولى من دعوى النسخ، لأنه خلاف الأصل، ويعضد ذلك ويعينه أن الصحابة فعلت ما قلناه من صلاتهم جلوسا خلف إمام جالس حيث ابتدأ بهم [الصلاة] كذلك.
746 -
قال أحمد وإسحاق: فعل ذلك أربعة من الصحابة. والأربعة أبو هريرة، وجابر، وأسيد بن حضير، وقيس بن قهد،
وفعلهم ذلك يدل على ثبوت الحكم، لا سيما وفيهم [اثنان] من رواة الحديث.
(فائدة) قال أبو البركات: لا تختلف الرواية عن أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مرض موته بعد دخول أبي بكر في الصلاة أنه صار إماما لأبي بكر، وأبو بكر بقي على إمامته لجماعة المسلمين، [والله أعلم.
قال: ومن أدرك الإمام راكعا فركع دون الصف، ثم مشى حتى دخل في الصف، وهو لا يعلم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة «زادك الله حرصا ولا تعد» قيل له: لا تعد. وقد أجزأته صلاته [فإن عاد بعد النهي لم تجزئه صلاته] .
ش: إذا أدرك الإمام راكعا، فخشي إن دخل مع الإمام في الصف أن تفوته الركعة، فركع دونه، أو لم يجد فرجة في الصف فأحرم دونه ونحو ذلك، ثم دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع، أو وقف معه آخر، فإن صلاته تصح على المنصوص المشهور، المجزوم به.
747 -
لما يروى «عن ابن عباس [رضي الله عنهما] ، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل فصليت خلفه، فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه» . رواه أحمد. ولحديث أبي بكرة فإنه أحرم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فذاد، ولم يأمره بالإعادة.
748 -
[وكان ابن مسعود إذا أعجل] يدب إلى الصف راكعا، وزيد ابن ثابت مثله، أخرجه مالك في الموطأ، وعن ابن الزبير أنه قال: ذلك من السنة. ولإدراكه في الصف ما تدرك به
الركعة، وحصوله فذا في القيام لا أثر له، بدليل إحرام الإمام وحده، أو المأموم الواحد خلفه، ومن عادة الجماعة التلاحق.
وظاهر كلام الخرقي أنه متى أخذ في الركوع فذا وهو عالم بالنهي أن صلاته لا تصح، لظاهر حديث أبي بكرة الآتي إن شاء الله تعالى، وحكى ذلك أبو البركات في محرره رواية، وهو ظاهر نقل أبي حفص ولم يذكر أبو البركات في شرحه بذلك نصا، وإنما حكى الظاهر من كلام الخرقي، وأما أبو محمد فصرف كلام الخرقي عن ظاهره، وحمله على ما بعد الركوع، ليوافق المنصوص، وجمهور الأصحاب.
وإن لم يدخل مع الإمام في الصف حتى رفع من الركوع ففيه ثلاث روايات (إحداها) يصح مطلقا، لأنه [زمن] يسير، فعفي عن الفذوذية فيه [كما قبل الركوع] .
749 -
وروى سعيد في سننه، عن زيد بن ثابت، أنه كان يركع قبل أن يدخل في الصف [ثم] يمشي راكعا ويعتد بها، وصل إلى الصف أو لم يصل. (والثانية) : إن علم بالنهي عن ذلك لم يصح.
750 -
لما «روى أبو بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع، قال: فركعت دون الصف ومشيت إلى الصف، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف؟» قلت: أنا. قال: «زادك الله حرصا ولا تعد» رواه أحمد، والبخاري، والنسائي، وأبو داود، وهذا لفظه، وهذا نهي فيقتضي الفساد، لكن ترك في الجهل لمكان العذر، ولذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة. (والرواية الثالثة) لا يصح مطلقا، نص عليه أحمد، مفرقا بينه وبين ما إذا أدرك الركوع في الصف، واختارها أبو البركات، لأنه [لم يدرك] في [الصف] ما يدرك به الركعة، أشبه ما لو أدركه في السجود، وحديث أبي بكرة واقعة عين، والظاهر منها أنه أدرك الركوع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصف، وقوله صلى الله عليه وسلم[له]
«لا تعد] نهي تنزيه عن العجلة، كذا حمله أبو حفص، وأبو البركات.
751 -
ويدل على ذلك ما روي عن ابن مسعود وزيد من فعل ذلك، وقول ابن الزبير: إنه من السنة.
752 -
وروى البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام «عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح فسمع نفسا شديدا من خلفه أو بهرا. فلما قضى الصلاة قال لأبي بكرة: «أنت صاحب النفس؟» قال: نعم، خشيت أن تفوتني ركعة معك، فأسرعت المشي. فقال [له] :«زادك الله حرصا ولا تعد، صل ما أدركت، واقض ما سبقت» قلت: وعلى هذا فالرواية «ولا تعد» بسكون العين، وضم الدال، من العدو، وعلى الأولى الرواية «ولا تعد» بضم
العين وسكون الدال، من العود، ورأيت في بعض كتب الحنفية - أظنه النسفي - أن فيه رواية ثالثة «ولا تعد» بضم التاء وكسر العين وسكون الدال، من الإعادة، أي لا تعد الصلاة انتهى.
وإن لم يدخل مع الإمام في الصف حتى سجد لم تصح تلك الركعة بلا نزاع، لكن [هل] يختص البطلان بها حتى أنه لو دخل في الصف بعد الركوع أو انضاف إليه آخر فإنه يصح له ما بقي من صلاته، ويقضي [تلك] الركعة، أو لا تصح الصلاة رأسا؟ فيه روايتان منصوصتان، حكاهما أبو حفص، واختار هو أنه يعيد ما صلى خلف الصف فقط، لأنه صلى [بعض] الصلاة منفردا فلم تبطل جميعها، كالتكبيرة، والركوع من غير سجود، والمشهور بطلان جميع الصلاة، لأن القياس البطلان مطلقا، كالمتقدم في الصف
وإنما عفي عن التحريمة ونحوها لقصة أبي بكرة.
وقد تبين لك بهذا أن صور المسألة أربع (إحداها) إذا أحرم فذا ثم زالت فذوذيته قبل الركوع، فإن الصلاة تصح بلا نزاع. (الثانية) : زالت بعد الركوع، فكذلك على المعروف، خلافا لظاهر قول الخرقي.
(والثالثة) : زالت بعد الرفع، ففيها الخلاف المشهور. (والرابعة) : زالت بعد السجود، لم تصح تلك الركعة، وفي البقية الخلاف السابق.
هذا كله إذا [كان] قد فعل ذلك لغرض كما تقدم، أما إن فعله لغير غرض، كما إذا أدرك الإمام في أول الصلاة، ووجد فرجة ونحو ذلك، وركع فذا، فإن تحريمته لا تنعقد على المختار من الوجهين لأبي الخطاب والشيخين، لأنه بمثابة من أحرم قدام الإمام [ثم صافه] ، وإنما ترك هذا حال الفرض نظرا للنص.
(والثاني) : تنعقد، لأنه حصل فذا في زمن يسير، فأشبه ما لو فعله لغرض، وقيل: تنعقد صلاته وتصح إن زالت فذوذيته قبل الركوع [وإلا فلا] .
753 -
لما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف» ذكره الطحاوي، وابن عبد البر، وذكره إمامنا عن أبي هريرة موقوفا، والله أعلم.