الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المسافة التي يقصر فيها المسافر]
قال: وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخا، ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي، فله القصر إذا جاوز بيوت قريته، إذا كان سفره واجبا، أو مباحا.
ش: إنما يجوز القصر بشروط.
(أحدها) أن يقصد سفرا تبلغ مدته ستة عشر فرسخا، بلا خلاف نعلمه عن إمامنا، وهو اختيار عامة أصحابنا.
777 -
لما روى ابن خزيمة في مختصر المختصر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد، من مكة إلى عسفان» » .
778 -
ونقله أحمد عن ابن عباس، وابن عمر قولا وفعلا، وعليه
اعتمد، وقال أبو محمد: الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه، نظرا لظاهر الآية الكريمة.
779 -
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: « «إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة» رواه أحمد.
780 -
«وسئل أنس رضي الله عنه عن قصر الصلاة، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ - شعبة الشاك - صلى ركعتين» . رواه مسلم. وأقوال الصحابة قد اختلفت في ذلك.
781 -
فعن ابن مسعود ما يدل على أنه لا يقصر إلا إذا قصد مسيرة ثلاثة أيام.
782 -
وعن علي رضي الله عنه أنه خرج من قصره بالكوفة، حتى أتى النخيلة، فصلى بها الظهر والعصر ركعتين، ثم رجع من يومه، وقال: أردت أن أعلمكم سنتكم. رواه سعيد.
783 -
وقال ابن المنذر: ثبت أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقصر الصلاة إذا خرج إلى أرض اشتراها من بني لجينة، وهي ثلاثون ميلا.
784 -
قال: وكان الأوزاعي يقول: كان أنس بن مالك يقصر الصلاة فيما بينه وبين خمسة فراسخ.
785 -
وقال الخطابي: روي عن ابن عمر أنه قال: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر وإذا اختلفت الصحابة وجب الرجوع إلى ظاهر الكتاب والسنة اهـ والفرسخ ثلاثة أميال، والميل اثنا عشر ألف قدم، وتعتبر المسافة في سفر البحر بالفراسخ المعتبرة
في سفر البر، والمعتبر بنية المسافة المقدرة، لا تحقيقها، فلو نواها ثم بدا له في أثنائها مضى ما صلاه، وفي العود هو كالمستأنف للسفر.
وقول الخرقي: وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخا. ظاهره أنه لا بد من تحقق ذلك، فلو سافر لبلد وشك هل مسافته المسافة المعتبرة لم يقصر، [لعدم الجزم بالنية، ولو خرج لطلب آبق ونحوه، على أنه متى وجده رجع لم يقصر] على مقتضى قول الخرقي، ونص عليه أحمد، لعدم نيته مسافة القصر، وقال ابن عقيل: إذا بلغ مسافة القصر قصر، وكذلك لو سمع به في بلد بعيد، ونوى أنه إن وجده دونه رجع، لعدم الجزم بالنية، ولو قصد البلد البعيد، ثم نوى في أثناء السفر أنه متى ما وجده رجع، قصر في قياس المذهب، قاله أبو البركات، لانعقاد سبب الرخصة، وقد يتخرج الإتمام، بناء على ما إذا انتقل من سفر مباح إلى محرم. ودخل في كلام الخرقي من لا تلزمه الصلاة ممن له قصد صحيح، كالكافر، والحائض، والصبي المميز، إذا قصد المسافة المعتبرة، ثم وجبت عليه الصلاة في أثناء السفر، فإنه يقصر وإن لم يبق من السفر المسافة المعتبرة. (الشرط
الثاني) أن يجاوز بيوت قريته، لقول الله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] الآية، ومن لم يفارق البيوت لم يضرب في الأرض، وحكم خيام قومه حكم بيوت قريته.
ومقتضى قول الخرقي أنه يقصر إذا فارق البيوت، وإن كان بين المقابر والبساتين، وهو كذلك.
وقوله: بيوت قريته. يحتمل أن مراده المعدة للسكنى، فعلى هذا لو خرب بعض البلد، وحيطانه قائمة، جاز له القصر فيه، وهو أحد الوجهين، كما لو صار فضاء، ويحتمل أن مراده مطلقا، فلا يقصر، وهو اختيار القاضي، اعتبارا بما كان. (الشرط الثالث) : أن يكون سفره واجبا، كالحج، والجهاد، ونحوهما، أو مباحا، كالتجارة، وزيارة صديق، ونحو ذلك، لعموم {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] ولما تقدم من قوله: صلى الله عليه وسلم «إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة» .
786 -
«وعن عمر رضي الله عنه قال: صلاة المسافر ركعتان، تمام من غير قصر، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم» . رواه أحمد، والنسائي.
787 -
وعن النخعي قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني أريد البحرين في تجارة، فكيف تأمرني في الصلاة؟ فقال: «صل ركعتين» رواه سعيد، (والظاهر) أن مراد الخرقي بالمباح
الجائز، فيدخل فيه سفر النزهة والفرجة، لعموم ما تقدم، وعن أحمد رواية [أخرى] لا يقصر في هذا، لأنه مجرد لهو، لا مصلحة فيه. (وخرج) من كلامه سفر المعصية، كالآبق، وقاطع الطريق، والتاجر في الخمر، ونحو ذلك، فإنهم لا يقصرون، إذ الرخص شرعت تخفيفا وإعانة على المقصد، فشرعها في سفر المعصية إعانة عليه وأنه لا يجوز، قال سبحانه وتعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ولأنه إذا لم يبح له أكل الميتة والحال هذه، مع كونه مضطرا، فلأن لا تخفف [عنه] بعض العبادة أولى، ودليل الأصل قول الله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] .
788 -
قال ابن عباس رضي الله عنهما (غير باغ) على المسلمين، مخيفا لسبيلهم، (ولا عاد) بالسيف عليهم شاقا لهم.
وقول الخرقي: إذا كان سفره واجبا [أو مباحا] . يحتمل ابتداءه، فلو قصد سفرا مباحا، ثم صار محرما قصر، وهو أحد الوجهين، كمن وجدت منه معصية في سفره، ويحتمل أن مراده جميع سفره، فلا يقصر والحال ما تقدم، وهو مختار أبي البركات، وقال القاضي في تعليقه: إنه ظاهر كلام أحمد. إذ المعصية تناسب قطع التخفيف، ولهذا لو نقل
سفر المعصية إلى مباح، وبقي من المدة مسافة القصر قصر، [والله أعلم] .
قال: ومن لم ينو القصر في وقت دخوله إلى الصلاة لم يقصر.
ش: هذا المجزوم به عند ابن أبي موسى، والمذهب عند القاضي، والشيخين وغيرهما، لأن القصر كما سيأتي رخصة، فإذا لم ينوها لم يأخذ بها، فيتعين الإتمام لأنه الأصل، وصار كالمنفرد، لا يحتاج أن ينوي الانفراد لأنه الأصل، والإمامة والائتمام لما تضمنتا تغييرا عن الأصل افتقرتا إلى النية، وقال أبو بكر: لا يحتاج القصر إلى نية، فيقصر وإن نوى الإتمام. قال أبو البركات: ووجه ذلك على أصلنا أنها رخصة، خير فيها قبل الدخول في العبادة، فكذلك بعده كالصوم (قلت) : وقد ينبني على ذلك هل الأصل في صلاة المسافر الأربع، وجوز له أن يترك ركعتين منها تخفيفا عليه، فإذا لم ينو القصر لزمه الأصل، ووقعت الأربع