الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخرج منه، بناء على ما تقدم من أن تعلق الزكاة بالنصاب، كتعلق الجناية بالعبد المجني، وحق الجناية مقدم على حق المرتهن، فكذلك حق الزكاة، وهذا واضح على القول بتعلق الزكاة بالنصاب، أما على القول بتعلقها بالذمة ففيه نظر، لأن حق الراهن يتعلق بالرهن والذمة، وحق الفقراء - والحال هذه - لا يتعلق إلا بالذمة، وما له تعلق بالعين، آكد مما لا تعلق له بها.
[وقد يقال: إن المرتهن دخل على ذلك، لأنه دخل على حكم الشرع، ومن حكم الشرع وجوب الزكاة] .
واعلم أن عموم كلام الخرقي هنا يقتضي أن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة لأن كلامه يشمل ما [إذا] كان الفاضل عن الدين نصابا، وما إذا نقص عن النصاب، وسيأتي ذلك إن شاء الله سبحانه وتعالى.
[باب زكاة الزروع والثمار]
ش: الأصل في وجوب الزكاة في ذلك في الجملة قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] .
1210 -
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال [في] حقه: الزكاة المفروضة. وقَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]
وقد استفاضت السنة بذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأجمع المسلمون عليه في البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والله أعلم.
قال: وكل ما أخرج الله عز وجل من الأرض مما ييبس ويبقى، مما يكال ويدخر، ويبلغ خمسة أوسق فصاعدا، ففيه العشر، إن كان سقيه من السماء والسيوح، وإن كان يسقى بالدوالي والنواضح وما فيه الكلف فنصف العشر.
ش: يشترط [في] وجوب الزكاة في الخارج من الأرض شروط: (أحدها) : أن يكون مما ييبس، فلا تجب في الخضراوات كالقثاء، والخيار، ونحو ذلك.
1211 -
لما «روي أن معاذا رضي الله عنه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراوات، [فكتب] : «ليس فيها شيء» رواه الترمذي وضعفه.
1212 -
وعن عطاء بن السائب قال: «أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ من أرض موسى بن طلحة من الخضراوات صدقة، فقال له موسى [بن طلحة] : ليس لك ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «ليس في ذلك صدقة» رواه الأثرم في سننه، وهو قوي في المراسيل، لاحتجاج من أرسله به.
(الشرط الثاني) : أن
يكون مما يبقى، أي يدخر عادة، فلا تجب في التين ونحوه، لعدم ادخاره، لأن غير المدخر لم تكمل ماليته، لعدم التمكن من الانتفاع به في المآل، أشبه الخضر.
1213 -
وقد روى الأثرم بإسناده أن عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفرسك ما هو أكثر من الكرم أضعافا مضاعفة، فكتب إليه عمر: ليس عليها عشر، هي من العضاه.
(الشرط الثالث) : أن يكون مما يكال، فلا تجب في الجوز، والأجاص، والتين، ونحوها، لانتفاء كيلها.
1214 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدر ذلك بالكيل فقال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» متفق عليه. وفي لفظ لمسلم وأحمد: «ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة» والتقدير بالكيل يدل على إناطة الحكم به.
(الشرط الرابع) : أن يبلغ ذلك خمسة أوسق لما تقدم، ثم لا بد مع ذلك أن يكون أنبتته أرض مملوكة له.
وقد شمل كلام الخرقي رحمه الله ما كان من القوت كالحنطة، والشعير، والقطنيات كالباقلا، والعدس، والماش، ونحو ذلك، ومن البزور كبزر القثاء، والخيار [ونحوهما] ومن الأبازير، كالكزبرة، والكمون، ونحوهما [ومن الحبوب كحب البقول، وحب الفجل، وسائر الحبوب بالشروط السابقة] وخالف في ذلك ابن حامد، فلم يوجب
الزكاة في الأبازير وحب البقول [انتهى] . وكذلك جميع الثمار كالتمر، واللوز، والفستق ونحوها.
وشمل أيضا ما أنبته الآدميون كما تقدم، وما نبت بنفسه كبزر قطونا [ونحوه] وهو اختيار القاضي، وصاحب التلخيص، وغيرهما، بشرط أن يكون قد نبت في أرضه كما تقدم. وشرط ابن حامد أن يكون مما أنبته الآدمي، فلو نبت بنفسه فلا زكاة، وهو اختيار أبي محمد.
وشمل أيضا ما كان حبا أو ثمرا كما تقدم، وما ليس كذلك كالأشنان، والصعتر ونحوهما، وهو اختيار العامة. وشرط أبو محمد أن يكون حبا أو ثمرا، تمسكا بما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم «ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة» .
ويتلخص الخلاف في ثلاثة شروط:
(أحدها) : هل من شرطه أن لا يكون أبازير؟
(الثاني) : هل من شرطه أن يكون مما أنبته الآدمي؟
(الثالث) : هل من شرطه أن يكون حبا أو ثمرا؟
إذا تقرر هذا فالواجب فيما سقي بغير كلفة - كالسيوح، والسماء، ونحو ذلك - العشر، وفيما سقي بكلفة - كالدوالي، والنواضح - نصف العشر.
1215 -
لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العشر» رواه مسلم وغيره.
1216 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر» رواه البخاري وغيره.
1217 -
«وقال معاذ: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ مما سقت السماء العشر، وما سقي بالدوالي نصف العشر» . رواه النسائي.
ثم اعلم أنه قد خرج من كلام الخرقي رحمه الله الزيتون، لأنه لا ييبس، ولا يدخر على حاله، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار أبي بكر، والقاضي في التعليق، لفوات الشروط السابقة. (والرواية الثانية) : تجب فيه الزكاة. اختارها الشيرازي، وابن عقيل في التذكرة، نظرا إلى أنه مكيل ولهذا اعتبر نصابه بالأوسق نص عليه، ولأن ما يخرج منه يدخر، ولأن الله تعالى قال:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] بعد ذكر الزيتون.
1218 -
والمراد بالحق الزكاة، كذا روي عن ابن عباس وغيره، والصحيح أن هذه الآية مكية، نزلت قبل فرض الزكاة.
وخرج من كلامه القطن أيضا والزعفران، لعدم كيلهما، وهو إحدى الروايتين، واختيار أبي بكر والقاضي في التعليق، وأبي محمد، لفوات الشرط. (والرواية الثانية) : يجب فيها الزكاة. وهو اختيار الشيرازي، وابن عقيل، قياسا على الأشنان ونحوه. وفي العصفر، والورس وجهان، بناء على الروايتين، ونصاب هذه - حيث أوجبنا الزكاة فيهما - أما الزيتون فبالكيل، نص عليه، وأما القطن، والزعفران، وما لحق بهما، فاختلف كلام القاضي، فقال في المجرد: يعتبر نصاب ذلك بالوزن، فلا بد وأن يبلغ الواحد منها ألفا وستمائة رطل. وتبعه على ذلك أبو محمد. وقال في التعليق: لم يقع لي عن أحمد مقدار النصاب. قال: ويتوجه أن يقدر بما تكون قيمته خمسة أوسق، من أدنى نبات يزكى، وتبعه على ذلك أبو البركات، وجعل القاضي في التعليق العصفر تبعا للقرطم، فإن بلغ القرطم خمسة أوسق وجبت الزكاة، وإلا فلا.
«تنبيه» : «الفرسك» هو الخوخ، و «العضاه» . و «الأوسق» والأوساق جمع وسق بفتح الواو وكسرها. و «السواني» جمع سانية، وهي الناقلة التي يستقى عليها.
1219 -
ومنه حديث البعير الذي يشكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أهله: كنا نسنو عليه. أي نسقي.
و «العثري» . . . و «الدوالي» جمع دالية، وهي الدولاب تديره البقر، والناعورة يديرها الماء و «النواضح» جمع ناضح وناضحة، وهما البعير والناقة، ويستقى عليها و «السيوح» جمع سيح، قال الجوهري: هو الماء الجاري على وجه الأرض، والمراد الأنهار ونحوها، والله أعلم.
قال: والوسق ستون صاعا.
ش: «الوسق» بفتح الواو وكسرها، والأشهر في اللغة [أنه] كما قال الخرقي، وأطبق علماء الشريعة على ذلك.
1220 -
وفي المسند، وسنن ابن ماجه، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: الوسق ستون صاعا. والله أعلم.
قال: والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي.
ش: قد تقدم قدر الرطل العراقي، وتقدم صاع الماء هل هو خمسة أرطال أو ثمانية؟ أما ما عداه فلا نزاع عندنا فيما نعلمه أنه خمسة أرطال وثلث.
1221 -
لما روى الدارقطني عن إسحاق بن سليمان الرازي، قال: قلت لمالك بن أنس: أبا عبد الله كم قدر صاع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعراقي أنا حزرته. فقلت: أبا عبد الله خالفت شيخ القوم، قال: من هو؟ قلت: أبو حنيفة رحمه الله يقول: ثمانية أرطال. فغضب غضبا شديدا، ثم قال لجلسائه: يا فلان هات صاع جدك، ويا فلان هات صاع جدك، ويا فلان هات صاع جدك. قال إسحاق: فاجتمعت آصع، فقال: ما تحفظون في هذا؟ فقال هذا: حدثني أبي
عن أبيه، أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال هذا: حدثني أبي، عن أخيه، أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الآخر: حدثني أبي، عن أمه، أنها أدت بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال مالك: أنا حزرت هذه، فوجدتها خمسة أرطال وثلثا.
1222 -
وروي أن أبا يوسف سأل مالك بن أنس بحضرة الرشيد عن مقدار صاع النبي صلى الله عليه وسلم فاستمهله إلى الغد، ثم جاء من الغد، ومعه أولاد المهاجرين والأنصار، ومع كل واحد منهم صاعه الذي ورثه عن مورثه، الذي كان يؤدي به الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
«تنبيهات» : «أحدها» : ظاهر كلام الخرقي هنا أن النصاب هنا تحديد، فلو نقص يسيرا فلا زكاة فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» وهو قول القاضي، قال: إلا أن يكون نقصا يدخل [في] المكاييل، كالأوقية ونحوها فلا
تؤثر، وهذا إحدى الروايتين، (والثانية) : أنه تقريب، وعليها قال في التلخيص: لا تسقط إلا بمقدار لو وزع على الخمسة أوسق لظهر النقصان.
(الثاني) : النصاب معتبر بالكيل، [وإنما ذكر الوزن ليضبط ويحفظ، ولذلك تعلقت الزكاة بالمكيل] دون الموزون، والمكيل يختلف [فيه] وزنه، ونص أحمد رحمه الله على أن الصاع خمسة أرطال وثلث من الحنطة. قال في التلخيص: لا تعويل على الوزن إلا في البر، ثم مكيل ذلك من جميع الحبوب. انتهى. (وعنه) أنه قدر ذلك بالعدس.
(الثالث) : تعتبر الخمسة الأوسق بعد التصفية في الحبوب بلا نزاع، وبعد الجفاف في الثمار على المذهب، عند أبي محمد، وصاحب التلخيص، وابن عقيل في التذكرة، وصححه القاضي [في التعليق]، وأبو الخطاب في الهداية. وقال في الروايتين: إنها الأشبه في المذهب.
1223 -
لأن في حديث أبي سعيد المتقدم «ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة» رواه مسلم وأحمد، والنسائي، لكن في رواية أخرى لمسلم «ثمر» بالثاء ذات
النقط الثلاث.
1224 -
وفي الدارقطني في «حديث عتاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرص العنب زبيبا، كما تخرص التمر» . (وعن أحمد رحمه الله) رواية أخرى: أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا وعنبا، ويؤخذ منه مثل عشر الرطب، أو نصف عشره، تمرا أو زبيبا، وهذا نص عنه، واختيار الخلال، وصاحبه أبي بكر في الخلاف ونصبها الشريف، وأبو الخطاب، وشيخهم في خلافاتهم، مع أن شيخهم صحح الأولى وذلك لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» مفهومه [أنه] إذا بلغها وجبت، ولم يعتبر الجفاف.
1225 -
وعن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، فتؤخذ زكاته زبيبا، كما تؤخذ صدقة النخل تمرا» . رواه أبو داود، والترمذي. فأمر
بخرص العنب ولم يشترط الجفاف، (وحمل أبو محمد) هذه الرواية على أنه [أراد أن] يؤخذ عشر ما يجيء منه من التمر إذا بلغ رطبا خمسة أوسق. قال: لأن إيجاب قدر عشر الرطب من التمر، إيجاب لأكثر من العشر، وذلك يخالف النص والإجماع. (وهذا) التأويل لا يصح، فإن أحمد قال في رواية الأثرم: قال الشافعي رحمه الله يخرص ما يؤول إليه، وإنما هو على ظاهر الحديث، قيل له: فإن خرص عليه مائة وسق رطبا، يعطي عشرة أوسق تمرا؟ فقال: نعم هو على ظاهر الحديث، وهذا نص صريح في مخالفة التأويل، وقوله: إنه يخالف النص والإجماع مردود إذ لا نص صريح، وأحمد قد خالف، فأين الإجماع، والله أعلم.
قال: والأرض أرضان، صلح وعنوة، فما كان من صلح ففيه الصدقة.
ش: يعني إذا صالحنا الكفار على أرض كانت بأيديهم، فيقع ذلك تارة على أن الأرض لنا، ونقرها معهم بالخراج، وتارة على أن الأرض لهم، ولنا الخراج عنها، فالخراج والحال هذه في حكم الجزية، متى أسلموا سقط عنهم، وإن انتقلت إلى مسلم فلا خراج عليه، وإن زرعها المسلم فعليه الزكاة بشرطها، بالإجماع، قاله ابن المنذر.
والغرض من ذكر هذه [المسألة] أن أرض الصلح، ليس فيها إلا العشر، بخلاف أرض العنوة، على ما سيأتي إن شاء الله، والله أعلم.
قال: وما كان عنوة أدى عنها الخراج، وزكى ما بقي إذا بلغ خمسة أوسق، وكان لمسلم.
ش: العنوة هي ما أجلي عنها أهلها بالسيف، وهي أرض كثيرة فتحها عمر رضي الله عنه، ووقفها على المسلمين، وضرب عليها خراجا معلوما، يؤخذ ممن هي في يده في كل عام، فهذه إذا زرعت اجتمع الخراج والعشر بشرطه، وهذا الغرض من ذكر هذه المسألة، أن العشر والخراج يجتمعان، لعموم قَوْله تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء العشر» ولأن الخراج بمنزلة الأجرة، فجاز اجتماعه مع العشر، كالأرض المؤجرة، ولأنهما حقان يجبان عن عين، فلم ينف أحدهما الآخر، دليله قيمة الصيد والجزاء، وأجرة الدكان وزكاة التجارة.
1226 -
وما يروى عن أبي حنيفة عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يجتمع العشر والخراج على مسلم في أرضه» فيرويه عن أبي حنيفة يحيى بن عنبسة وهو هالك. قال ابن حبان: ليس هذا الحديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة دجال يضع الحديث، وهو كذب على أبي حنيفة ومن بعده، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عدي: لم يصل هذا الحديث غير يحيى، وهو مكشوف الأمر، ورواياته عن الثقات الموضوعات.
وقول الخرقي: وكان لمسلم؛ لأن الزكاة لا تجب إلا على مسلم، ونبه على هذا وإن كان فهم من قوله السابق: الأحرار المسلمين؛ لئلا يتوهم [متوهم] أن اختصاص هذه المسألة بالذكر لاختصاصها بحكم غير ما تقدم.
وقوله: أدى عنها [الخراج] وزكى ما بقي إن كان خمسة أوسق؛ لأن الزكاة لا تجب إلا في هذا القدر، وهو صريح في أن الخراج مقدم على الزكاة، فتمتنع الزكاة في قدره.
وأصل هذا أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة، كالنقدين، والعروض، على المذهب بلا ريب. وهل يمنع في الأموال الظاهرة، كالزروع، والماشية؟ (فيه روايتان) ، أشهرهما - وهي اختيار أبي بكر، وابن أبي موسى، والقاضي، وأكثر الأصحاب، يمنع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ:
«أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم» والمدين ليس بغني.
1227 -
يرشحه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» ولأن الزكاة مواساة، ولا مواساة مع الدين.
1228 -
واعتمد أحمد رحمه الله بأن عثمان رضي الله عنه خطب الناس فقال: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه، ثم ليزك ما بقي. فلم يأمر بإخراج الزكاة عن المؤدى في الدين، وهذا قاله بمحضر من الصحابة، ولم ينقل مخالفته، فيكون إجماعا (والثانية) : لا يمنع لعموم «في خمس من الإبل شاة، وفيما سقت السماء العشر» ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث [السعاة] إلى أرباب الأموال الظاهرة، وكذلك خلفاؤه بعده، ولم ينقل [عنهم] أنهم سألوا أربابها: هل عليكم دين؟ ولأن أنفس
[الفقراء] تتشوف إليها، بخلاف الباطنة، وعلى هذه الرواية ما لزمه لمؤنة الزرع، من أجرة كحصاد، وكراء أرض، ونحو ذلك يمنع، نص عليه أحمد، وذكره ابن أبي موسى، وقال: رواية واحدة، وتبعه صاحب التلخيص، وحكى أبو البركات رواية أخرى: أن الدين لا يمنع في الظاهرة مطلقا. قال أبو العباس: ولم أجد بها نصا عن أحمد.
إذا تقرر هذا فقول الخرقي في الخراج: إنه يؤديه، ويزكي الباقي إن بلغ خمسة أوسق. يحتمل أن يتعدى هذا إلى كل دين، فيكون من مذهبه أن الدين يمنع مطلقا، كما هو المشهور، ويكون غرضه من المسألة السابقة فيما إذا رهن ماشية، أن الزكاة تؤدى من عين الرهن، إذا لم يكن له ما يؤدي [عنه] ، وهذا أوفق للمذهب ويحتمل أن يريد أن الدين لا
يمنع في الظاهرة، بناء على [ظاهر] إطلاقه ثم، وعلى مقتضى كلامه في باب زكاة الدين، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، لكن يستثنى من ذلك ما لزمه من مؤنة الزرع، كما نص عليه أحمد، وقال ابن أبي موسى: إنه رواية واحدة، والله أعلم.
قال: وتضم الحنطة إلى الشعير، وتزكى إذا كانت خمسة أوسق، وكذلك القطنيات.
ش: اختلفت الرواية عن أحمد: هل تضم الحبوب بعضها إلى بعض؟ . (فعنه) : لا تضم مطلقا، وإليها ميل أبي محمد، لأنهما جنسان، فلا يضم أحدهما إلى الآخر، كالتمر، والزبيب، لكن قد نقل إسحاق بن إبراهيم أن أحمد رجع عن هذا، فقال بعد أن نقل عنه القول بعدم الضم: قد رجع أبو عبد الله عن هذه المسألة، وقال: يضم الذهب إلى الفضة ويزكى، وكذلك الحنطة إلى الشعير، يضم بعضه إلى بعض، وضم القليل إلى الكثير هو أحوط. قال القاضي: وظاهر هذا الرجوع عن منع الضم.
(وعنه) : يضم بعضها إلى بعض مطلقا، اختارها أبو بكر، والقاضي في التعليق على ما رأيت في النسخة المنقول منها، لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا زكاة فيما دون خمسة أوساق من حب ولا تمر» مفهومه أنه إذا بلغ خمسة أوساق من حب
ففيه الصدقة، وهو شامل بظاهره كل حب، [وكذا] علل أحمد بأنه يطلق عليها اسم حبوب، واسم طعام.
(وعنه) : تضم الحنطة إلى الشعير، والقطنيات بعضها إلى بعض. اختارها الشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، والشيرازي، وحكيت عن القاضي، وهي ظاهر كلام الخرقي، لأن الحنطة والشعير في حكم الجنس الواحد، لاتفاقهما في المنبت، والمحصد، والاقتيات، فجرى ذلك مجرى أنواع الحنطة، كالبر، والعلس، وكذلك القطاني تتفق في المنبت، والمحصد وكونها تؤكل أدما وطبخا.
«تنبيه» : القطنيات بكسر القاف وفتحها، مع تخفيف الياء وتشديدها، فيهما، جمع قطنية، ويجمع أيضا [على] قطاني، فعليه من: قطن يقطن في البيت. أي يمكث فيه، وهي حبوب كثيرة، فمنها الحمص، والعدس، والماش، والجلبان، واللوبيا، والدخن والأرز، والباقلا، فهذه وما يطلق عليه هذا الاسم يضم بعضه إلى بعض، أما البزور فلا تضم إليها، لكن يضم بعضها إلى بعض على هذه الرواية، كالكزبرة والكراويا ونحو ذلك، وحبوب البقول لا تضم إلى القطاني،
ولا البزور، وما تقارب منها ضم بعضه إلى بعض، وما شككنا فيه فلا يضم، وحيث قيل بالضم فإنه يؤخذ من كل جنس ما يخصه، ولا يؤخذ من جنس عن غيره إلا في الذهب والفضة، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
قال: وكذلك الذهب والفضة، وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه لا يضم، ويخرج من كل صنف [على انفراده] إذا كان منصبا للزكاة، والله أعلم.
ش: أي وكذلك الذهب والفضة يضم بعضها إلى بعض، وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه لا يضم، ويخرج من كل صنف إذا كان منصبا للزكاة، أي محلا للزكاة، بأن يبلغ نصابا بانفراده، وقد تقدمت هذه الرواية في الحبوب، أما الذهب والفضة ففي ضم أحدها إلى الآخر -[إذا لم يبلغ كل منهما نصابا، أو بلغ أحدهما ولم يبلغ الآخر] روايتان مشهورتان: (إحداهما) : يضمان. اختارها الخلال، والقاضي، وولده، وعامة أصحابه، كالشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، والشيرازي، وابن عقيل في التذكرة، وابن البنا، لأنهما في حكم الجنس الواحد، إذ هما قيم المتلفات، وأروش الجنايات، ويجمعهما لفظ الأثمان، واستدل القاضي بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] الآية قال: فظاهرها وجوب الزكاة فيهما في
عموم الأحوال، وأجاب عن إفراد الضمير بأن العرب تذكر المذكر، وتعطف عليه المؤنث، ثم تكني عن المؤنث وتريدهما، كما في قَوْله تَعَالَى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: 45] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11](والثانية) : لا يضمان. اختارها أبو بكر في التنبيه، مع اختياره في الحبوب الضم، وهو ظاهر رواية الميموني، وقال لأحمد: إذا كنا نذهب في الذهب والفضة إلى أن لا نجمعهما [لم لا نشبه الحبوب بهما؟ قال: هذه يقع عليها - إذا لم يبلغ كل منهما نصابا، أو بلغ أحدهما ولم يبلغ الآخر - اسم طعام، واسم حبوب. قال: ورأيت أبا عبد الله في الحبوب يحب جمعها] ، وفي الذهب، والبقر، والغنم، والفضة لا يجمع، وذلك لأنهما جنسان فلا يجمعان، كالتمر، والزبيب، ولظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس فيما [دون] خمس أواق صدقة» .
1229 -
وفي حديث عمرو بن شعيب: «ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء» انتهى. وحيث قلنا بالضم فإنه بالأجزاء لا بالقيمة، على ظاهر رواية الأثرم، وسأله عن رجل عنده ثمانية دنانير، ومائة درهم، فقال:[إنما قال] : من قال فيها الزكاة إذا كانت عشرة دنانير، ومائة درهم. وهذا اختيار القاضي في جامعه وفي تعليقه، والشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما وأبي محمد، نظرا إلى أنه لو وجب التقويم في حال الانفراد لوجب في حال الاجتماع، دليله العبد في التجارة، يقوم منفردا، ومع غيره من العروض، وعن القاضي - أظنه في المجرد - أنه قال: قياس المذهب أنه يعتبر الأحظ للمساكين [من الأجزاء والقيمة، قال في التعليق: وقد أومأ إليه أحمد في رواية المروذي، فقال: أذهب إلى الضم، هو أحظ للمساكين] ، فاعتبر الاحتياط قياسا على الثوبين في التجارة.
«تنبيه» : مما يتعلق بالضم: هل يخرج أحد النقدين عن الآخر؟ فيه روايتان مشهورتان، اختار أبو بكر منهما المنع، كما اختار عدم الضم، ووافقه أبو الخطاب هنا، وخالفه