الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجزئه في الظاهر بلا نزاع، بمعنى أنه لا يؤمر بأدائها ثانيا. وهل تجزئه في الباطن؟ فيه ثلاثة أوجه:
(أحدها) : تجزئه مطلقا، وهو قول القاضي أظنه في المجرد، لأن للإمام ولاية عامة، ولذلك يأخذها من الممتنع، فأشبه ولي الصبي والمجنون، ولأن أخذه يجري مجرى القسم بين الشركاء.
(والثاني) : لا تجزئه مطلقا، وهو اختيار أبي الخطاب، وابن عقيل، وأبي العباس في فتاويه إذ الزكاة عبادة، فلا تجزئ بغير نية من وجبت عليه كالصلاة.
(والثالث) : يجتزئ بنية الإمام إن أخذها قهرا، لأن له [إذًا] ولاية على الممتنع، فقامت نيته مقام نيته، كولي الصبي والمجنون، ولا يجتزئ بنيته إن أخذها طوعا، لعدم ولايته، وهذا اختيار الخرقي، والله أعلم.
[من لا يجوز إعطاؤه من الزكاة]
قال: ولا يعطي الصدقة المفروضة للوالدين وإن علوا، ولا للولد وإن سفل.
ش: لا يعطي من الصدقة المفروضة للوالدين وإن علت درجتهم، وكانوا من ذوي الأرحام، كأبي أبي أمه، ولا للولد وإن سفل، وكان من ذوي الأرحام، كبنت بنت بنت بنته، نص عليه أحمد والأصحاب، لأن ملك أحدهما في حكم ملك الآخر، بدليل أنه لا يقطع أحدهما بسرقة مال الآخر، ولا تقبل شهادة أحدهما لصاحبه، وإذا كان في حكم ملكه فكأنه
لم يزل ملكه عنه، ومن شرط الزكاة زوال الملك، ولأن الإجماع قد انعقد على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى والديه في الحال التي تجب عليه نفقتهما فنقول: قرابة أثرت [في] منع الزكاة، فوجب أن تؤثر مطلقا، دليله قرابة النبي صلى الله عليه وسلم تؤثر في المنع وإن كان الخمس معدوما.
ومفهوم كلامه أن يجوز دفع صدقة التطوع إليهم، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، ومفهومه أن يجوز دفع الصدقة المفروضة إلى سائر الأقارب، ولا يخلو القريب [من غير عمودي النسب] إما أن تجب نفقته على الدافع أو لا، فإن لم تجب نفقته [عليه] جاز الدفع إليه بلا نزاع، وإن وجبت نفقته ففيه روايتان مشهورتان:(إحداهما) - وهي اختيار الخرقي، ذكره في باب قسم الفيء والغنيمة، والقاضي في التعليق، وصاحب التلخيص - المنع، قال القاضي: وهي أشهرهما. قلت: وأنصهما. نظرا إلى أن من تلزمه نفقته غني بوجوب النفقة له، فأشبه الغني، ولأن نفع الزكاة والحال هذه يعود إلى الدافع، لأنه يسقط عنه [النفقة] لغنى المدفوع إليه بها، فأشبه ما لو دفعها لعبده.
1181 -
وقد روى الأثرم في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا كان ذو قرابة لا تعولهم فأعطهم من زكاة مالك، وإن كنت
تعولهم فلا تعطهم، ولا تجعلها لمن تعول. (والثانية) - وقال أبو محمد في المغني: إنها الظاهرة عنه - الجواز:
1182 -
لعموم قوله: صلى الله عليه وسلم «الصدقة على المسكين صدقة، وهي لذي الرحم ثنتان، صدقة وصلة» . رواه أحمد والترمذي، وابن ماجه، والصدقة والرحم عامان.
1183 -
وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» رواه أحمد.
«تنبيه» : اعلم أن عامة الأصحاب على حكاية الروايتين، وقال القاضي في التعليق في النفقات: وهاهنا يمكن حملها على
اختلاف حالين، فالموضع الذي منع إذا كانت النفقة واجبة، والموضع الذي أجاز إذا لم تجب [كما] إذا لم يفضل عنه ما ينفق عليهم، والله أعلم.
قال: ولا للزوج ولا للزوجة.
ش: عطف على الوالدين، أما الزوجة فبالإجماع، قاله ابن المنذر، ولأن نفقتها واجبة عليه، وبها تستغني عن الزكاة، وأما الزوج ففيه روايتان منصوصتان:
(إحداهما) - وهي اختيار القاضي في التعليق - الجواز، لدخوله تحت قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية.
1184 -
«وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن» قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني، وإلا صرفتها إلى غيركم. قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت. قالت: فانطلقت فإذا امرأة [من الأنصار] بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتها حاجتي، قالت:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبر من نحن. قالت: فدخل [بلال] فسأله، فقال له:«من هما» ؟ قال: امرأة من الأنصار، وزينب. قال:«أي الزيانب؟» قال: امرأة عبد الله. فقال: «لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة» متفق عليه، وللبخاري: أتجزئ عني أن أنفق على زوجي، وأيتام لي في حجري، انتهى. لا يقال: السياق يقتضي التطوع، لأنا نقول الاعتبار باللفظ لا بالسبب.
(والثانية) : - وهي اختيار الخرقي، وأبي بكر - المنع، قياسا لأحد الزوجين على الآخر، ولأن النفع يعود لها، لأنها تتمكن إذًا من أخذ نفقة الموسرين منه أو من أصل النفقة مع العجز
الكلي. وحديث زينب تأوله أحمد في رواية ابن مشيش على غير الزكاة، والله أعلم.
قال: ولا الكافر.
ش: عطف أيضا على ما تقدم، وهذا إجماع حكاه ابن المنذر.
1185 -
وفي الصحيحين في حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أخبرهم أن [الله قد فرض] عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» والصدقة إنما تؤخذ من أغنياء المسلمين، والذمي ليس من فقرائهم، والله أعلم.
قال: ولا المملوك.
ش: لأن العبد يجب على سيده نفقته، فهو غني بغناه، وقد قال أبو محمد: لا أعلم فيه خلافا.
قال: إلا أن يكونوا من العاملين [عليها] ، فيعطون بحق ما عملوا.
ش: هذا الاستثناء راجع إلى الوالدين، والمولودين، والزوجة، والزوج، والكافر والمملوك، وبه يتم الكلام على ما تقدم، وإنما جاز لمن تقدم أن يأخذ من الزكاة إذا كان عاملا لأن الذي يأخذه أجرة عمله، لا زكاة، فلذلك يقدر ما يأخذه بقدر عمله، قال أحمد: يأخذ على قدر عمالته.
واعلم أن كلام الخرقي رحمه الله تضمن أمورا: (أحدها) : أن قوله: الصدقة المفروضة. يدخل فيه الزكاة، والكفارة، والنذر، وقد يخرج منه النذر بالنظر إلى أصله. وقد نص الخرقي على الكفارة في بابها، مصرحا بأن حكمها حكم الزكاة. ونص أبو الخطاب في الهداية أيضا على ذلك. وخرج بقوله: المفروضة. التطوع، فإنه يجوز لمن تقدم الأخذ منه، ولا ريب في ذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] والأسير يومئذ هو الكافر.
1186 -
(الثاني) : أن ظاهر كلامه أن العامل يجوز أن يكون كافرا أو عبدا، أو أبا، وهو مبني على ما تقدم من [أن] الذي يأخذه العامل يأخذه أجرة لا زكاة، لكن اختلف عن أحمد هل من شرطه الإسلام؟ على روايتين:(إحداهما) : لا، وهي اختيار
الخرقي، والقاضي في الجامع الصغير، وفي التعليق الكبير، وابن البنا وجماعة، لإطلاق قَوْله تَعَالَى:{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] . ولما تقدم من أن الذي يأخذه العامل يأخذه أجرة لا زكاة، وتجوز إجارة الكافر. (والثانية) : نعم، اختاره القاضي فيما حكاه عنه أبو الخطاب، وكأنه في المجرد، نظرا إلى أن من شرط العامل الأمانة بالاتفاق والكافر ليس بأمين. وأجاب القاضي في التعليق بأنا نشترط أمانته، كما نشترط عدالته في الوصية في السفر. (الأمر الثالث) أن الخرقي إنما جوز دفع الزكاة [لمن تقدم] إذا كانوا عمالا فقط، لأنه إنما استثنى العامل [لا غير] وقال:[أبو الخطاب] وصاحب التلخيص، وأبو البركات: يجوز دفع الزكاة لمن تقدم إذا كانوا عمالا، أو غزاة، أو مؤلفة، أو غارمين لإصلاح ذات البين، وهو مقتضى كلام القاضي في التعليق، لأنهم إنما يأخذون لمصلحتنا، لا لحاجتهم.
1187 -
وفي سنن أبي داود، والموطأ عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا [لخمسة] ، لغاز في سبيل
الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني» . ولأبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه، قاله أبو داود، ورواه أحمد، والحاكم، وقال: على شرطهما وحكى أبو محمد في المغني عن الأصحاب أنهم جوزوا الدفع إلى الغارم لمصلحة نفسه، وإن كان من ذوي القربى، وحكى هو احتمالا بالمنع، والله أعلم.
قال: ولا لبني هاشم ولا لمواليهم.
ش: أي ولا يدفع من الصدقة المفروضة لبني هاشم، ولا لمواليهم.
1188 -
[أما بنو هاشم] فلما «روى المطلب بن ربيعة بن الحارث بن [عبد] المطلب، أنه و [الفضل] بن العباس انطلقا إلى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم قال: ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله، جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات، فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة، ونؤدي إليك ما يؤدي الناس. فقال:«إن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس» مختصر، رواه أحمد ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
1189 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال رسول الله: «كخ كخ [ارم بها] أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟» وفي رواية: «أنا لا تحل لنا الصدقة» متفق عليه.
1190 -
وأما مواليهم فلما «روى أبو رافع رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على الصدقة من بني مخزوم، قال أبو رافع: فقال [له] : اصحبني فإنك تصيب منها معي، قلت: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مولى
القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
ومقتضى كلام الخرقي أنه يجوز دفع صدقة التطوع إليهم، وهو المشهور والمختار من الروايتين.
1191 -
نظرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المعروف كله صدقة» متفق عليه، ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي.
1192 -
وعن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقلت له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما
حرمت علينا الصدقة المفروضة. «والرواية الثانية» لا يجوز، لعموم ما تقدم، ورد بأن التعريف للعهد لا للعموم.
(فعلى الأولى) : يجوز لهم الأخذ من الوصايا والنذور، قال أبو محمد: لأنهما تطوع وفي الكفارة قولان.
ومقتضى كلامه أيضا [أنه لا يجوز أن يأخذوا لعمالتهم، وظاهر كلامه] في قسم الفيء والغنيمة - بل نصه - إباحة ذلك، وهي مسألة: هل من شرط العامل كونه من [غير] ذوي القربى؟ وفيها قولان، المشهور منهما، والمختار لجمهور الأصحاب عدم الاشتراط، نظرا إلى إطلاق قَوْله تَعَالَى:{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] وبأن ما يأخذه أجرة لا زكاة، وحديث أبي رافع محمول على التنزيه. (والقول الثاني) : وهو اختيار أبي محمد يشترط، لما تقدم من حديث أبي رافع.
ويجوز أن يعطوا [أيضا لكونهم] غزاة، أو غارمين لإصلاح ذات البين. قال القاضي: في قياس المذهب، لأنهم يأخذون لمصلحتنا، لا لحاجتهم [وفقرهم] وكذلك قال صاحب التلخيص، وأبو البركات، وزاد: أو مؤلفة.
ومقتضى كلامه أيضا أن لبني المطلب الأخذ من الصدقة المفروضة، لأنه خص المنع ببني هاشم، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لدخولهم تحت قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] خرج [منه] يقينا - بنو هاشم، فما عداه يبقى على مقتضى الأصل، ولأن بني المطلب في درجة بني أمية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يلتقي في النسب مع بني أمية وبني المطلب.
1193 -
ولهذا قال عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم: وإنما بنو المطلب [ونحن في القرابة سواء.؟ وبنو أمية لا
تحرم عليهم الصدقة، فكذلك بنو المطلب] . (والرواية الثانية) : يمنعون كبني هاشم، اختارها القاضي في التعليق، نظرا إلى أنهم يأخذون من الخمس، فمنعوا كبني هاشم.
1194 -
يؤيده ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للعباس: «أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أخذ أوساخ الناس» ؟ فعلل المنع من الأخذ بالخمس، وبنو المطلب يأخذون من الخمس فعلى هذا ما حكم مواليهم؟ قال القاضي: لا نعرف فيه رواية، ولا يمتنع أن نقول فيهم ما نقول في موالي بني هاشم.
«تنبيه» : «كخ كخ» زجر للصبيان، وردع عما يلابسونه من الأفعال [قال في اللباب: كخ كخ. ليس بعربي] والله تعالى أعلم.
قال: ولا لغني.
ش: لا تحل صدقة الفرض لغني في الجملة، لأن الله سبحانه
وتعالى حصرها في الفقراء بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية.
1195 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[قال] :«لا تحل الصدقة لغني، [ولا لذي مرة سوي» رواه أبو داود، والترمذي وفي رواية لأبي داود:«ولا لذي مرة قوي» . وللنسائي عن أبي هريرة نحوه.
1196 -
«وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا حظ فيها لغني] ، ولا لقوي مكتسب» ويستثنى من ذلك العامل، والمؤلف [والغازي] ، والغارم لإصلاح ذات البين، فإن الغنى لا يمنع من الدفع إليهم، لما
تقدم من أن الدفع لمصلحتنا، لا لحاجتهم، ويجوز للغني أن يأخذ من صدقة التطوع لما تقدم.
«تنبيه» : «المرة» القوة والشدة، و «السوي» المستوي الخلق، التام الأعضاء، والله أعلم.
قال: وهو الذي يملك خمسين درهما، أو قيمتها من الذهب.
ش: اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في حد الغنى، فنقل عنه منها أن يكون له كفاية على الدوام، إما من تجارة، أو من صناعة، أو أجرة عقار، أو غير ذلك، فالحكم على هذه الرواية منوط بالحاجة وعدمها، فمن كان محتاجا حلت له الزكاة وإن ملك نصبا، ومن لم يكن محتاجا لم تحل له وإن لم يملك شيئا، وهذه الرواية اختيار أبي الخطاب، وابن شهاب العكبري.
1197 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة بن مخارق: «يا قبيصة لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة» وذكر الحديث إلى أن قال: «ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو سدادا من عيش» رواه مسلم وغيره. فأباح صلى الله عليه وسلم –
المسألة حتى يصيب القوام أو السداد، فمن ملك خمسين درهما ولم يصب القوام ولا السداد حل له بمقتضى النص الأخذ، ولأن في العرف أن من كان محتاجا فهو فقير، فيدخل في عموم النص.
ونقل عنه جماعة أن من ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب وإن كان حليا فهو غني وإن لم تحصل له الكفاية، وإن ملك عقارا قيمته عشرة آلاف درهم أو يحصل له من غلته مثل ذلك، أو أقل، أو أكثر، ولا يقوم بكفايته يأخذ من الزكاة، وهذا هو المذهب عند الأصحاب، حتى إن عامة متقدميهم لم يحكوا خلافا.
1198 -
وذلك لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خدوشا أو كدوشا في وجهه» قالوا: يا رسول الله وما غناه؟ قال: «خمسون درهما أو حسابها من الذهب» رواه الخمسة، وحسنه الترمذي، وأحمد في رواية الأثرم، فقال: حسن بين وإليه نذهب. انتهى.
1199 -
وقال في رواية عبد الله: روي عن سعد، وابن مسعود، وعلي. يعني اعتبار الخمسين، وهذا نص في أن من ملك خمسين درهما أو حسابها من الذهب أنه غني، وما عداه يبقى فيه على قصة قبيصة، وعلى قوله عليه السلام:«لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» .