الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[النية في الصوم]
قال: ولا يجوز صيام فرض حتى ينويه أي وقت كان من الليل.
ش: أما أصل النية في الصوم وإن كان تطوعا فمجمع عليها، لأنه عبادة فيدخل تحت قَوْله تَعَالَى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وعمل فيدخل تحت قوله عليه السلام: «إنما الأعمال بالنيات» ، ثم إن كان [الصوم] فرضا كرمضان وصوم الكفارة والنذر اشترط أن ينويه من الليل.
1296 -
لما روي عن ابن عمر عن حفصة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» رواه الخمسة، وفي لفظ:«من لم يجمع الصيام» ، وروي موقوفا على ابن عمر.
1297 -
وعن عمرة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له.» رواه الدارقطني وقال: إسناده كلهم ثقات. وما يورد من صوم عاشوراء فوجوبه كان في النهار فلذلك أجزأت فيه النية.
1298 -
– [على أن أبا حفص قد قال] : إنه لم يكن واجبا، بدليل حديث معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وإني صائم فمن شاء فليصم» ورد بأن معاوية إنما أسلم عام الفتح.
1299 -
ووجوب عاشوراء كان في الثانية من الهجرة، يوما واحدا ثم
نسخ بصوم رمضان في ذلك العام فهو إنما سمع ذلك بعد النسخ، ولا شك أنه إذ ذاك غير مكتوب. انتهى.
وفي أي وقت نوى من الليل أجزأه، لإطلاق الحديث، وسواء وجد بعد النية مناف للصوم، كالجماع والأكل، أو لم يوجد [على المذهب] عملا بإطلاق الحديث، وقيل: يبطله المنافي من الأكل، ونحوه، كما لو فسخ النية، ولا بد مع النية من تعيين ما يصومه، فينوي الصوم عن كفارته، أو نذره، أو فرض رمضان، على ظاهر كلام الخرقي هنا، لقوله: ولا يجوز صيام فرض حتى ينويه. أي ينوي ذلك الفرض، وهو إحدى الروايتين، وأنصهما عن أحمد، وهي اختيار أبي بكر، وأبي حفص، والقاضي، وابن عقيل، والأكثرين، لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات» ومن أطلق لم ينو صوم رمضان، وكذلك من نوى تطوعا بطريق الأولى (والرواية الثانية) : لا يشترط تعيين النية لرمضان، حكاها أبو حفص عن بعض الأصحاب، وهي اختيار الخرقي في شرح المختصر، قال في صوم يوم الشك: إن قيل: كيف يجوز أن ينويه [من رمضان] وهو غير متحقق؟ قيل: ليس يحتاج أن ينوي من رمضان ولا غيره، لأن
من أصلنا: لو نوى أن يصوم تطوعا فوافق رمضان أجزأه، لأنه يحتاج أن يفرق بين الفرض والتطوع، لما يصلح لها، وشهر رمضان لا يصلح أن يصام فيه تطوع. انتهى.
وذلك لما أشار إليه الخرقي بأن هذا الزمن متعين لصوم رمضان، لا يتأتى فيه غيره، فلا حاجة إلى النية، وصار هذا كمن عليه حجة الإسلام فنوى تطوعا، وفرق بأن الحج آكد حكما، بدليل المضي في فاسده، وانعقاده مع الفساد، فلذلك لم يعتبر له تعيين النية، بخلاف الصوم ثم نص الرواية إنما هو في من نوى وأطلق، والقاضي وجماعة يحكون الرواية في من أطلق، أو نوى تطوعا.
وفي المسألة قول ثالث اختاره أبو العباس: أنه مع العلم يجب عليه تعيين النية، وألا يكون عاصيا لله بقصد ما لا يحل له، ومع عدم العلم كمن لم يعلم أن غدا من رمضان، ونوى صوما ما مطلقا أو مقيدا، فتبين أنه من رمضان، لا يجب التعيين، بل يجزئ الإطلاق [ونية غير رمضان عنه] لمكان العذر، ونص الخرقي في شرحه، وكذلك كلام أحمد [في] رواية: الإجزاء إنما هو في مثل هذا. انتهى.
وهل يكفي نية من أول الشهر عن جميعه؟ فيه روايتان: أشهرهما عن أحمد - وأصحهما عند الأصحاب - لا، والله أعلم.
قال: ومن نوى من الليل، فأغمي عليه قبل طلوع الفجر، فلم يفق حتى غربت الشمس، لم يجزه صيام ذلك اليوم.
ش: لأن الصوم الشرعي مركب من إمساك مع النية.
1300 -
بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه، وشرابه من أجلي» متفق عليه؛ فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، ومن أغمي عليه جميع النهار لم يضف إليه إمساك النية، فلم يصح صومه، إذ المركب ينتفي بانتفاء جزئه.
وقد فهم من كلام الخرقي أنه لو أفاق قبل غروب الشمس أجزأه، وهو صحيح، لوجود الإمساك في الجملة.
ودل كلامه على أن المغمى عليه يجب عليه الصوم، ولا نزاع في ذلك، لأن الولاية لا تثبت عليه، فلم يزل به التكليف كالنوم، ولهذا جاز على الأنبياء، والله أعلم.
قال: ومن نوى صيام التطوع من النهار - ولم يكن طعم - أجزأه.
1301 -
ش: لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟» قلنا: لا. قال: «فإني إذا صائم» ؛ مختصر رواه مسلم. وفيه دليلان (أحدهما)
طلبه الأكل، والظاهر أنه كان مفطرا، وإلا يلزم إبطال العمل المطلوب إتمامه. (والثاني) : قوله: «إني إذا» ؛ و (إذا) للاستقبال، وبهذا يتخصص قوله عليه السلام:«من لم يبيت الصيام قبل الفجر. . .» الحديث، وشرط هذا أن لا يوجد مناف غير نية الإفطار، اقتصارا على مقتضى الدليل، ونظرا إلى أن الإمساك هو المقصود الأعظم، فلا يعفى عنه أصلا.
وظاهر كلام الخرقي والإمام أحمد أنه لا فرق بين [قبل] الزوال وبعده، وهو اختيار ابن أبي موسى، والقاضي في الجامع الصغير، وأبي محمد، لأن ما صحت النية في أوله، صحت في آخره كالليل، وعن أحمد: لا يجزئه بعد الزوال، واختاره القاضي في المجرد، وابن البنا في الخصال، لأنه قد مضى معظم اليوم، ومعظم الشيء في حكم كله في كثير من الأحكام، فكذلك ها هنا.
«تنبيه» : يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية، على المنصوص والمختار لأبي محمد وغيره، إذ «ليس لامرئ إلا ما نوى» بنص الرسول، وعند أبي الخطاب يحكم له بالصوم من أول النهار نظرا إلى أن الصوم لا يتبعض، وهو ممنوع، والله أعلم.