الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن الذي ذكره الخرقي على سبيل المثال، والضابط على سبيل التقريب والاختصار أنه إن باع نصابا بجنسه لم ينقطع الحول، وبغير جنسه فارا فكذلك، وغير فار ينقطع، إلا في بيع العرض بأحد النقدين، وبيع أحد النقدين بالآخر على ما تقدم.
«تنبيه» : ظاهر كلام الخرقي أنه يشترط أن يكون البيع فرارا في آخر الحول، وهو الغالب على كلام كثير من المتقدمين، واختيار طائفة من المتأخرين، كابن عقيل، وأبي البركات، وغيرهما، وكان القاضي قديما، وأبو الخطاب، وطائفة من الأصحاب، ومنهم أبو محمد، يخصصون ذلك بما إذا [كان البيع] فعله في آخر الحول، كالنصف الثاني من الحول، أما لو كان في أوله، أو وسطه، فإن الحول ينقطع، والله أعلم.
[هلاك المال الزكوي]
قال: والزكاة تجب في الذمة بحلول الحول] ، وإن تلف المال، فرط أو لم يفرط.
ش: هذا الكلام دل على أحكام: (أحدها) أن الزكاة تجب في الذمة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختيار صاحب
التلخيص، وأبي الخطاب في الانتصار، وغالى فزعم أن المسألة رواية واحدة، ورد مأخذ شيخه في التعليق بالعين، لأنها زكاة واجبة فكان محلها الذمة كزكاة الفطر، ولأنها لو وجبت في المال لامتنع ربه من التصرف فيه بالبيع والهبة كالمرهون، ولامتنع من الأداء من غيره، ولملك الفقراء جزءا منه مشاعا، بحيث يختصون بنمائه، واللوازم باطلة، وإذا بطلت بطل الملزوم.
والرواية الثانية - وهي المشهورة، حتى إن القاضي في التعليق وفي الجامع لم يذكر غيرها، واختارها أبو الخطاب في خلافه الصغير، والشيرازي وصححها أبو البركات في الشرح.
1209 -
لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «في أربعين شاة شاة، وفيما سقت السماء العشر، فإذا كان لك مائتا درهم، وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، فإذا كانت لك عشرون دينارا، وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار» فأثبت الزكاة في المال.
وفائدة الخلاف - على ما قاله القاضي في التعليق، وأبو الخطاب، والشيخان، وغير واحد - لو مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاته (فإن قلنا) : الزكاة تتعلق بالعين. لم يجب إلا زكاة واحدة، لأن النصاب قد تعلق للفقراء به حق، فنقص الملك في ذلك القدر، ومن شرط وجوب الزكاة استقرار الملك في جميع النصاب وتمامه، وهذا الملك غير تام في جميعه. (وإن قلنا) : الزكاة تتعلق بالذمة. وجبت زكاته لأن النصاب لم يتعلق به شيء، فالملك في جميعه تام، اللهم إلا إذا قلنا: إن دين الله يمنع كدين الآدمي. فإنه لا تجب إلا زكاة واحدة، قاله القاضي وغيره، ومنع ذلك صاحب التلخيص، متابعة لابن عقيل، وقال هنا: لا يمنع، لأن الشيء لا يمنع مساويه. ثم منع أصل البناء وقال: إنه مناقض لما فسروا به الوجوب في العين، [إذ قد فسروه بأنه كتعلق الجناية بالمجني لا كتعلق المرتهن بالرهن، ولا كتعلق الشريك بالعين] المشتركة، ولهذا صح البيع قبل الأداء، نص عليه، وتبقى الزكاة على البائع، لاختياره الإخراج من غيره، نعم للبائع فسخ البيع في قدر الزكاة، مع إعسار البائع، ثم لو كان كتعلق الجناية بالعبد المجني، لسقط [بتلف] المال، كما تسقط الجناية بتلف العبد المجني [عليه] قال: وإذًا تتكرر الزكاة
بتكرار الأحوال على كلتا الروايتين، وتكون فائدة الوجوب في العين انتهاؤه إذا استأصلت المال، بخلاف الوجوب في الذمة، وتقديم الزكاة على الرهن - قلت: وما تقدم من التعليل لا يرد عليه شيء إن شاء الله تعالى، وقول القاضي وغيره: إنه كتعليق الجناية بالعبد المجني. هو معنى ما قلناه، إذ لا شك أن تعلق الجناية بالمجني ينقص الملك فيه [ويزلزله] مع أن الملك باق، لا يمتنع بيعه، ولا هبته، ونحو ذلك.
وقوله: إنه يلزم سقوط الزكاة بتلف المال، كما تسقط الجناية بموت المجني. قلنا: الغرض من التشبيه بالعبد الجاني نقصان الملك مع بقائه لا التشبيه به في جميع أحكامه، والزكاة وإن تعلقت بالعين، فهي مع ذلك لها تعلق بالذمة قطعا، فإذا وجبت لا تسقط، كما لا تسقط الصلاة إذا دخل الوقت، وإن لم يتمكن المكلف من الأداء، ثم قوله: إن فائدة الوجوب في العين انتهاؤه إذا استأصلت المال، وهو معنى ما قالوه، فالذي فر منه وقع فيه.
واعلم أن محل الخلاف والتردد فيما عدا شياه الإبل، أما في شياه الإبل فإنها تجب في الذمة بلا تردد، ولأن الواجب من غير الجنس، وشذ السامري فقال بالتعليق بالعين على روايتها، قال: لأن التعليق حكمي.
(الحكم الثاني) : مما دل عليه كلام الخرقي أن الزكاة لا تسقط بتلف المال وإن لم يفرط في الإخراج، وهذا المذهب المعروف المشهور، إذ الزكاة حق آدمي، أو مشتملة عليه، فلا تسقط بعد وجوبها كدين الآدمي، أو زكاة واجبة، فلا تسقط بتلف المال، كزكاة الفطر (وحكى) الشيخان رواية بالسقوط قبل إمكان الأداء، وذكرها في المغني نصا من رواية الميموني، واختارها، لأن الزكاة في يده أمانة كالوديعة، والذي في التعليق من رواية الميموني وجوب الزكاة فرط أو لم يفرط. (وحكي) من رواية النيسابوري ما يدل على أنه في الماشية تسقط الزكاة، وفي الدراهم لا تسقط، قال أبو حفص: وهو خلاف ما روى الجماعة، ولعل مدرك هذه الرواية أن السعاة كانوا يعتبرون ما وجدوا [لا غير] ولهذا لم يمنع الدين في الأموال الظاهرة، وقد منع القاضي أنها أمانة، وفرق بأن [في] الأمانة لا يلزمه مؤنة التسليم، وهنا يلزمه.
ويستثنى المعشرات، فإنها إذا تلفت بآفة سماوية بعد الوجوب تسقط، إذ استقراره منوط بالوضع في الجرين.
(الحكم الثالث) : أن الزكاة تجب بحلول الحول، ولا يشترط في الوجوب إمكان الأداء وهو صحيح، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:«لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» ولأنه لو اشترط إمكان الأداء لم ينعقد الحول الثاني حتى يتمكن من الأداء، وليس كذلك، والله أعلم.
قال: ومن رهن ماشية فحال عليها الحول أدى منها إذا لم [يكن] له مال يؤدي عنها، والباقي رهن.
ش: قد دل كلام الخرقي رحمه الله على أحكام (أحدها) : أن الزكاة تجب في العين المرهونة، وهو واضح، لأن الملك فيها تام.
(الثاني) : أنه إذا كان معه ما يؤدي منه الزكاة غير الرهن لزمه الإخراج، إذ الزكاة بمنزلة مؤونة الرهن، [ومؤونة الرهن] على الراهن، ولا يجوز له الإخراج من الرهن، لتعلق حق المرتهن به.
(الثالث) : إذا لم يكن له ما يؤدي منه الزكاة غير الرهن، فإنه