الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[صلاة الجنازة على مرتكب الكبيرة]
قال: ولا يصلي الإمام على الغال، ولا على من قتل نفسه.
ش: الغال هو الذي يكتم الغنيمة أو بعضها، فلا يصلي الإمام عليه، ولا على من قتل نفسه عمدا. على المنصوص، والمذهب بلا ريب.
1136 -
لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءوه برجل قد قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه» . رواه مسلم وغيره.
1137 -
وفي السنن عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: «توفي رجل من جهينة يوم خبير، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صلوا على صاحبكم» فتغيرت وجوه القوم، فلما رأى ما بهم قال:«إن صاحبكم غل في سبيل الله» ففتشنا متاعه، فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود، ما يساوي درهمين» . رواه الخمسة إلا الترمذي واحتج به أحمد، فامتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه، وهو الإمام، وأمر غيره بالصلاة عليه، وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم –
فيمن قتل نفسه، قال أحمد وسئل: من قتل نفسه يصلى عليه؟ - قال: - أما الإمام فلا يصلي عليه، وأما الناس فيصلون عليه، «هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالذي قتل نفسه، لم يصل عليه، وأمرهم أن يصلوا عليه» ، وإذًا يلحق به غيره من الأئمة، إذ ما ثبت في حقه صلى الله عليه وسلم، ثبت في حق غيره، ما لم يقم دليل يخصه، وجعل أبو البركات ترك صلاة الإمام استحبابا، من باب الردع والزجر، وعدى ذلك إلى كل معصية ظاهرة، مات عنها صاحبها من غير توبة.
(تنبيه) الإمام هنا هو أمير المؤمنين خاصة، قاله الخلال وغيره، ونقل عنه حرب أن الإمام هو الوالي، وأن إمام كل قرية واليهم، وخطأ الخلال حربا، وقال: إن الذي عليه العمل من قوله هو الأول. قاله أبو البركات: وهذا تحكم، والصحيح تصويبه، وجعل ذلك رواية.
قال: وإذا حضرت جنازة رجل وامرأة، وصبي، جعل الرجل مما يلي الإمام، والمرأة خلفه، والصبي خلفهما.
ش: لا خلاف في المذهب أن الرجل الحر يلي الإمام، لشرفه بالذكورية، والحرية، والتكليف، ثم بعده هل يقدم الصبي لشرفه بالحرية، وهو اختيار الخلال، أو العبد البالغ، لشرفه بالتكليف، وهو اختيار القاضي في التعليق، وأبي محمد، وظاهر كلام الخرقي؟ فيه روايتان منصوصتان، ثم [من] بعد الصبي المرأة، لشرفه بالذكورية، فيقدم عليها،
نص عليه أحمد في رواية صالح، وأبي الحارث.
1138 -
ويشهد له ما «روى عمار مولى بني هاشم، قال: شهدت جنازة صبي وامرأة، فقدم الصبي مما يلي القوم، ووضعت المرأة وراءه، وفي القوم أبو سعيد الخدري، وابن عباس، وأبو قتادة، وأبو هريرة رضي الله عنهم، فقلنا لهم: فقالوا: السنة» . وقال الخرقي: يؤخر الصبي عن المرأة، لشرف المرأة بالتكليف، وهذا الذي نصبه القاضي في التعليق، ولم يذكر به نصا، والخنثى يقدم على المرأة لاحتمال ذكوريته، والله أعلم.
قال: وإن دفنوا في قبر واحد جعل الرجل مما يلي القبلة، والمرأة خلفه، والصبي خلفهما، ويجعل بين كل اثنين حاجز من تراب.
ش: لا إشكال أن جهة القبلة في الدفن هي الجهة الفاضلة، فيقدم الأفضل ثم الذي يليه إليها، على ما تقدم في تقديمهم إلى الإمام، ويشهد لذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقد تضمن كلام الخرقي أنه يجوز دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وهو صحيح، نص عليه أحمد والأصحاب.
1139 -
لما روى هشام بن عامر قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقلنا، يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد. فقال: «احفروا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد» قالوا: فمن نقدم يا رسول الله؟ قال: «قدموا أكثرهم قرآنا» وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد» . رواه النسائي، والترمذي بنحوه وصححه.
فإن اختلفت أنواعهم - كرجال ونساء - قدم إلى القبلة من [يقدم] إلى الإمام عند الصلاة عليه، هذا كله مع الضرورة، لكثرة الموتى ونحو ذلك، أما مع [عدم] الضرورة فالذي عليه عامة الأصحاب أنه لا يدفن في القبر إلا واحد، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل واحد في قبر» ، وعلى ذلك استمر فعل الصحابة، ومن بعدهم من السلف والخلف، ونقل عنه أبو طالب إذا ماتت امرأة وقد ولدت ولدا ميتا، فدفن معها، جعل بينها وبينه حاجز من تراب، أو يحفر له في ناحية منها، وإن لم يدفن معها فلا بأس، فظاهر هذا جواز
دفن الاثنين في قبر من غير ضرورة بلا كراهة، وهو ظاهر إطلاق الخرقي، ويحتمل أن يختص كلام أحمد [بما] إذا كانا أو أحدهما ممن لا حكم لعورته لصغره، كحالة النص.
وحيث دفن في القبر اثنان فأكثر جعل بين كل اثنين حاجز من تراب، ليجعل كأن كل واحد منهما منفرد بقبر، والله أعلم.
قال وإذا ماتت نصرانية وهي حامل من مسلم، دفنت بين مقبرة المسلمين والنصارى.
ش: لأنها إن دفنت في مقبرة المسلمين تأذوا بعذابها، وإن دفنت في مقبرة النصارى تأذى الولد بعذابهم، فتدفن وحدها، وقد حكى هذا أحمد عن واثلة بن الأسقع.
فإن قيل: فالولد على كل حال يتأذى بعذابها؟ (قيل) : هذا محل ضرورة، وهو أخف من عذاب المجموع. انتهى، ويجعل ظهرها إلى القبلة، على جنبها الأيسر، لأن الولد إذًا يكون إلى القبلة، على جنبه الأيمن، لأن وجهه إلى ظهرها. والله أعلم.
قال: ويخلع النعال إذا دخل المقابر.
ش: يستحب خلع النعال في المقبرة، ويكره المشي فيها إذًا.
1140 -
لما «روى بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم[قال: (بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم] مر بقبور المشركين، فقال: «لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا» ثلاثا، ثم مر بقبور المسلمين فقال:«لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا» ثم حانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة، فإذا رجل يمشي عليه نعلان، فقال له:«يا صاحب السبتيتين ألقهما» فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما، فرمى بهما) » . رواه أبو داود، والنسائي، واحتج به أحمد في رواية حنبل وغيره، وقال: هذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم وصححه في رواية محمد بن الحكم، ونقل عنه ما يدل على جواز ذلك من غير كراهة.