الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كيفية صلاة الخوف]
قال: وصلاة الخوف إذا كانت بإزاء العدو، وهو في سفر، صلى بطائفة ركعة [وثبت قائما] وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد لله وسورة، ثم ذهبت تحرس وجاءت الطائفة الأخرى التي بإزاء العدو فصلت معه ركعة، وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد الله [وسورة] ويطيل التشهد حتى يتموا التشهد ويسلم بهم.
ش: ورد في صفة صلاة الخوف أحاديث صحاح جياد، قال أحمد: ستة أو سبعة وقيل: أكثر من ذلك. وأحمد رحمه الله على قاعدته، يجوز جميع ما ورد، إلا أن المختار عنده إذا كان العدو في غير جهة القبلة هذه الصفة التي ذكرها الخرقي واقتصر عليها.
953 -
وهو ما «روى صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع، أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا فأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم» . رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وفي رواية أخرى للجماعة: عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الصفة، وإنما اختار أحمد هذه الصفة على غيرها قال: لأنها أنكأ للعدو، إذ الطائفة التي تقف تجاه العدو تقف مستيقظة للعدو، إذ ليست في صلاة لا حسا ولا حكما، ولموافقتها لظاهر القرآن، لأن الله سبحانه وتعالى قال:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102] فجعل سبحانه السجود لهم خاصة، فعلم أنهم يفعلونه منفردين، وقال سبحانه:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102][وظاهره أن جميع صلاتهم تكون معه] وكذا في هذه الصفة، لأن
الطائفة الأولى تصلي معه ركعة، ثم تفارقه فتصلي الركعة الثانية وحدها، والثانية تصلي معه الركعة الثانية، ثم ينتظرها في التشهد حتى تأتي بالركعة الأخرى فيسلم بها فإتمامها به لم يزل إلا بالسلام.
وقول الخرقي: وصلاة الخوف إذا كان بإزاء العدو، أي بحضرة العدو، يعني أن الصلاة للخوف لا يكون إلا بحضرة العدو، فلا تفعل في غير ذلك، وهو شامل لما إذا كان العدو في جهة القبلة، أو في غير جهتها، ونص عليه أحمد، إلا أن هذه الصفة تختار إذا كان العدو في [غير] جهة القبلة، وجعله القاضي، وأبو الخطاب شرطا.
954 -
لأنه إذا كان في جهتها فيستغني عن هذه الصلاة بصلاة عسفان، التي هي أقل مخالفة للأصل من هذه الصلاة، وأبو البركات في الحقيقة يختار هذا القول، لأنه قال: عندي أن كلام أحمد رحمه الله محمول على ما إذا لم تمكن صلاة عسفان، لاستتار العدو، أو خوف كمين له، وكلام القاضي
وأبي الخطاب على ما إذا أمكنت صلاة عسفان، وهو ظاهر كلام طائفة من الأصحاب.
وقوله: وهو في سفر. يحترز به عن الحضر كما سيأتي. وقوله: صلى بطائفة ركعة. ظاهره إطلاق الطائفة، وهو اختيار أبي محمد، نظرا إلى [أن] الطائفة تقع على القليل والكثير، وقال أبو الخطاب - وتبعه صاحب التلخيص، وأبو البركات - شرط الطائفة أن تكون ثلاثة فصاعدا لقوله سبحانه:{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا} [النساء: 102] وهذا جمع، وأقل الجمع ثلاثة، لكن على القولين لا بد وأن تكون الطائفة التي بإزاء العدو ممن تحصل الثقة بكفايتها وحراستها.
وقوله: وأتمت لأنفسها [أخرى. يعني إذا قام إلى الثانية نوت مفارقته، وأتمت لأنفسها] ركعة أخرى ويقف الإمام ينتظر الطائفة الثانية وهو يقرأ، فإذا جاءت الطائفة الثانية دخلت
معه في الركعة الثانية، فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعة أخرى، وهم في حكم الائتمام به، ويكرر هو التشهد حتى تدركه فيه فيسلم بهم.
واعلم أن من شرط صلاة الخوف بلا نزاع عندنا أن يكون العدو يحل قتاله، ويخاف هجومه، والله أعلم.
قال: وإن خاف وهو مقيم صلى بكل طائفة ركعتين، وأتمت الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة، والطائفة الأخرى تتم بالحمد لله وسورة.
ش: قد دل هذا على أن صلاة الخوف تفعل في الحضر، كما تفعل في السفر، وذلك لعموم {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] الآية، ودل مع ما تقدم على أن الخوف لا أثر له في قصر الصلاة، وإنما له تأثير في قصر الصفة، أي نقصها، والسفر له تأثير في قصر العدد، ولهذا قيل: إذا اجتمعا وجد القصر المطلق، ولهذا قيدت الآية الكريمة بالخوف، لأنه مع الضرب في الأرض يجتمع الأمران، فالمراد بالآية الكريمة - والله أعلم - القصر المطلق، لا المقيد، وقيل: عن أحمد ما يدل [على] جواز فعلها ركعة، والأول المشهور.
ودل كلامه أيضا على أن ما يدركه المسبوق آخر صلاته، وما يقضيه أولها، لأنه جعل الطائفة الأولى تتم بالحمد لله
فقط، لأنها أدركت أول الصلاة بلا ريب، والطائفة الثانية تتم بالحمد لله وسورة، لأن ما أدركته آخر صلاتها، فالذي تقضيه أولها، وهذا هو المشهور من الروايتين، وعليه الأصحاب.
955 -
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا» رواه أحمد، والنسائي، ولمسلم «فصل ما أدركت، واقض ما سبقك» والحجة فيه من ثلاثة أوجه (أحدهما) : قوله: «ما أدركتم فصلوا» والذي أدركه مع الإمام آخر صلاته، فوجب أن يصليه معه، (والثاني) : قوله: «وما فاتكم» و «ما
سبقك» والذي فاته وسبقه به أول الصلاة، فعلم أنه الذي يفعله بعد مفارقته، (والثالث) : قوله: «فاقضوا» والقضاء إنما يكون لما فات وقته، وانقضى محله، لأن المأموم تابع، فلا يشتغل بغير ما يفعله إمامه.
(والرواية الثانية) : أن ما يدركه المسبوق أول صلاته، وما يقضيه آخرها.
956 -
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» والإتمام إنما يكون لما فعل أوله، فيتم آخره، وأجيب بأن الإتمام إنما يستدعي النقصان، أولا كان أو آخرا، فإذًا يحمل قوله:«فأتموا» أي فأتموا قضاء، جمعا بين الروايتين.
وللخلاف فوائد (منها) الاستفتاح، لا يستفتح على المذهب إلا في أول ركعة يقضيها، لحكمنا أنها أول صلاته، وعلى الثانية إذا افتتح الصلاة (ومنها) التعوذ، إذا قلنا: يختص بأول ركعة لا يتعوذ إلا إذا قام يقضي، على المختار، وعلى الثانية مع التحريمة. (ومنها) الجهر والإسرار، إذا فاته الأولتان من المغرب جهر في قضائهما إن شاء، وعلى الثانية لا يجهر. (ومنها)[قدر] القراءة، إذا فاتته الركعتان، من الرباعية قرأ في قضائها بالحمد وسورة على المذهب، وعلى الرواية الأخرى يقرأ بالحمد فقط، وهذه مسألة الخرقي. (ومنها) قنوت الوتر إذا أدركه المسبوق خلف من يصلي الثلاث بسلام واحد، فإنه إذا قضى لم يعد القنوت إلا على الرواية الضعيفة.
(ومنها) تكبيرات العيد الزوائد، إذا أدرك منها ركعة فإنه يكبر مع إمامه [فيها] فإذا قام يقضي الركعة التي فاتته فإنه يكبر فيها التكبير المشروع في الأولى، نص عليه، وقياس الرواية الثانية أنه لا يكبر إلا المشروع في الثانية، (ومنها) محل التشهد الأول، فإذا أدرك ركعة من المغرب، ثم قام يقضي، فإنه يتشهد عقب ركعة، على الرواية المرجوحة، وعلى المشهور، وفيه عن أحمد روايتان (إحداهما) أنه يأتي بركعتين متواليتين، ثم يتشهد عقيبهما، لأن الذي فاته كذلك، (والثانية) يتشهد عقيب ركعة منه، وإن كانت أول صلاته.
957 -
لأن ابن مسعود رضي الله عنه قال ذلك. ولا يعرف له مخالف من علماء الصحابة رضي الله عنهم، وإذا يكون ما أدركه أول صلاته حكما لا فعلا، والله علم.
(تنبيه) : هل تفارقه الطائفة الأولى إذا أنهى تشهده وينتظر الثانية وهو جالس، أو تكون المفارقة والانتظار في الثالثة؟ فيه وجهان، والله أعلم.
قال: وإن كانت الصلاة مغربا صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وأتمت لأنفسها ركعة، تقرأ فيها بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ويصلي بالطائفة الأخرى ركعة، وأتمت لأنفسها ركعتين، تقرأ فيهما بالحمد لله، وسورة.
ش: لأنه إذا لم يكن بد من [أن] إحدى الطائفتين تصلي ركعة، فالحمل لنا على الطائفة الثانية أولى، لأن الأولى تميزت بالسبق، والله أعلم.
قال: وإذا كان الخوف شديدا، وهو في [حال] المسايفة. صلوا رجالا وركبانا، إلى القبلة - أو إلى غيرها [يومئون إيماء] يبتدئون بتكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا، [وإلا إلى غيرها] .
ش: قد تضمن هذا الكلام أن الصلاة حال المسايفة والتحام الحرب لا تسقط، ولا نزاع في ذلك، وأنه لا يجوز تأخيرها إن لم تكن الأولى من المجموعتين، على المشهور من الروايتين، لقول الله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] أي: فصلوا رجالا أو ركبانا. وظاهره الأمر بالصلاة على هذه الصفة والحال هذه، والأمر للوجوب والفور عندنا.
958 -
(وعن) ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف صلاة الخوف، وقال: «فإن كان خوفا أشد من ذلك فرجالا أو ركبانا» رواه ابن ماجه.
(والرواية الثانية) : - حكاها ابن أبي موسى - يجوز التأخير حال الالتحام.
959 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوم الخندق.
960 -
«وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الأحزاب «أن لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة» فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت. قال: فما عنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين» . رواه مسلم وغيره.
961 -
(وأجيب) بأن تأخير الصلاة يوم الأحزاب كان قبل أن ينزل قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] كذا رواه أحمد والنسائي، من رواية أبي سعيد وقال ابن عبد البر: هو حديث ثابت، ويجوز أن يكون لعذر من نسيان أو غيره.
962 -
يؤيد ذلك ما رواه أحمد «أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟» قالوا: لا. فصلاها» . وفي ادعاء النسخ نظر، لأن الجمع بينهما ممكن، بأن تحمل الآية والحديث على الجواز، وفعله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وإذا يحصل الجمع، وهو أولى مع النسخ. وبالجملة الأول المذهب، وعليه: يصلون كيف ما أمكنهم، رجالا وركبانا، إلى القبلة وغيرها، يومئون إيماء على قدر طاقتهم، ويكون إيماؤهم بالسجود أخفض من إيمائهم بالركوع، يضربون، ويكرون ويفرون على حسب المصلحة، ولا يشترط الاضطرار إلى ذلك، ولا يلزمهم الافتتاح إلى القبلة إن عجزوا عنه، وإن أمكنهم فروايتان، المشهور - وهو الذي قاله الخرقي - اللزوم.
وظاهر كلام الخرقي - وقاله الأصحاب - أن لهم أن يصلوا جماعة، ومال أبو محمد إلى المنع، حذارا من تقدم الإمام والله أعلم.
قال: ومن أمن وهو في الصلاة أتمها صلاة آمن، وكذلك إن كان آمنا فاشتد خوفه أتمها صلاة خائف. والله أعلم.
ش: الحكم يوجد بوجود علته، وينتفي بانتفائها، والمقتضي لهذه الصلاة هو الخوف، فإذا أمن زال الخوف، فيصلي صلاة آمن، بواجباتها وصفتها المعروفة، وما صلاه وهو خائف على صفته محكوم بصحته، وإن كان آمنا فخاف فقد وجدت العلة فيوجد الحكم، والله أعلم.