المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما يوجب القضاء ولا يوجب الكفارة في الصيام] - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٢

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب ما يبطل الصلاة إذا ترك عامدا أو ساهيا]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌[نسي أن عليه سجود سهو وسلم]

- ‌[ليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه]

- ‌[باب الصلاة بالنجاسة وغير ذلك]

- ‌[الصلاة بالمقبرة أو الحش أو الحمام أو أعطان الإبل ونحوها]

- ‌[حكم من صلى وفي ثوبه نجاسة]

- ‌[بول الآدمي وبول الحيوان غير مأكول اللحم]

- ‌[بول الغلام]

- ‌[طهارة المني]

- ‌[كيفية تطهير الأرض المتنجسة]

- ‌[باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها]

- ‌[كيفية صلاة التطوع]

- ‌[صلاة الوتر]

- ‌[قيام شهر رمضان]

- ‌[باب الإمامة]

- ‌[الصلاة خلف المبتدع]

- ‌[إمامة العبد والأعمى]

- ‌[إمامة الأمي]

- ‌[إمامة المشرك والمرأة والخنثى المشكل]

- ‌[إمامة المرأة للنساء]

- ‌[الأحق بالإمامة]

- ‌[موقف المأموم من الإمام]

- ‌[صلاة المنفرد خلف الصف]

- ‌[حكم السترة في الصلاة]

- ‌[ما يقطع الصلاة]

- ‌[باب صلاة المسافر]

- ‌[المسافة التي يقصر فيها المسافر]

- ‌[الصلاة التي تقصر]

- ‌[القصر والفطر في السفر]

- ‌[حكم من نسي صلاة في الحضر فذكرها في السفر]

- ‌[صلاة المسافر والمقيم خلف المسافر]

- ‌[باب صلاة الجمعة]

- ‌[وقت صلاة الجمعة]

- ‌[البيع وقت أذان الجمعة]

- ‌[الخطبة من شروط صحة الجمعة]

- ‌[عدد ركعات الجمعة والقراءة فيها]

- ‌[ما تدرك به الجمعة]

- ‌[حكم من دخل والإمام يخطب]

- ‌[العدد الذي تصح به الجمعة]

- ‌[تعدد الجمعة في البلد الواحد]

- ‌[صلاة الجمعة للمسافر]

- ‌[آداب صلاة الجمعة]

- ‌[صلاة الجمعة قبل الزوال]

- ‌[باب صلاة العيدين]

- ‌[التكبير في العيدين]

- ‌[آداب صلاة العيدين]

- ‌[وقت صلاة العيدين وكيفيتها]

- ‌[الخطبة في صلاة العيدين]

- ‌[التنفل قبل صلاة العيدين وبعدها]

- ‌[حكم من فاتته صلاة العيدين]

- ‌[كتاب صلاة الخوف]

- ‌[كيفية صلاة الخوف]

- ‌[كتاب صلاة الكسوف]

- ‌[كيفية صلاة الكسوف]

- ‌[كتاب صلاة الاستسقاء]

- ‌[سبب صلاة الاستسقاء]

- ‌[كيفية صلاة الاستسقاء]

- ‌[خروج أهل الذمة مع المسلمين لصلاة الاستسقاء]

- ‌[باب الحكم فيمن ترك الصلاة]

- ‌[كتاب الجنائز]

- ‌[ما يفعل بالمحتضر قبل موته]

- ‌[غسل الميت]

- ‌[تكفين الميت]

- ‌[كفن المرأة]

- ‌[حمل الجنازة]

- ‌[أحق الناس بالصلاة على الميت]

- ‌[كيفية الصلاة على الميت]

- ‌[كيفية دفن الميت]

- ‌[حكم من فاتته صلاة الجنازة]

- ‌[موقف الإمام في صلاة الجنازة]

- ‌[الصلاة على السقط]

- ‌[تغسيل أحد الزوجين للآخر]

- ‌[تغسيل الشهيد والصلاة عليه]

- ‌[تغسيل المحرم وتكفينه]

- ‌[حكم التعزية]

- ‌[البكاء على الميت]

- ‌[صنع طعام لأهل الميت]

- ‌[موت المرأة وفي بطنها جنين]

- ‌[حضور صلاة الجنازة مع صلاة أخرى]

- ‌[صلاة الجنازة على مرتكب الكبيرة]

- ‌[زيارة القبور]

- ‌[آداب زيارة القبور]

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌[زكاة الإبل]

- ‌[باب زكاة البقر]

- ‌[باب صدقة الغنم]

- ‌[زكاة الخليطين]

- ‌[شروط وجوب الزكاة]

- ‌[تعجيل الزكاة]

- ‌[اشتراط النية في الزكاة]

- ‌[من لا يجوز إعطاؤه من الزكاة]

- ‌[مصارف الزكاة]

- ‌[نقل الزكاة]

- ‌[هلاك المال الزكوي]

- ‌[باب زكاة الزروع والثمار]

- ‌[باب زكاة الذهب والفضة]

- ‌[زكاة الحلي وآنية الذهب والفضة]

- ‌[زكاة الركاز]

- ‌[باب زكاة التجارة]

- ‌[باب زكاة الدين والصدقة]

- ‌[زكاة المال المغصوب]

- ‌[زكاة المال الملتقط]

- ‌[زكاة صداق المرأة]

- ‌[باب زكاة الفطر]

- ‌[حكم زكاة الفطر]

- ‌[مقدار زكاة الفطر]

- ‌[إخراج القيمة في زكاة الفطر]

- ‌[وقت إخراج زكاة الفطر]

- ‌[مصارف زكاة الفطر]

- ‌[كتاب الصيام]

- ‌[ما يثبت به هلال رمضان]

- ‌[النية في الصوم]

- ‌[صوم المسافر]

- ‌[ما يوجب القضاء ولا يوجب الكفارة في الصيام]

- ‌[ما يوجب القضاء والكفارة في الصيام]

- ‌[الحكم فيمن أكل أو شرب ظانا عدم طلوع الفجر أو غروب الشمس]

- ‌[صوم الحامل والمرضع والشيخ الكبير]

- ‌[حكم الحائض والنفساء في رمضان]

- ‌[حكم المريض والمسافر في الصيام]

- ‌[قضاء رمضان]

- ‌[صيام التطوع]

- ‌[قضاء صيام التطوع]

- ‌[حكم إسلام الكافر في شهر رمضان]

- ‌[حكم من رأى هلال رمضان وحده]

- ‌[ما يثبت به انتهاء شهر رمضان]

- ‌[حكم من رأى هلال شوال وحده]

- ‌[حكم صيام الأسير الذي اشتبهت عليه الأشهر]

- ‌[الأيام التي يحرم صيامها]

- ‌[السحور وتعجيل الإفطار للصائم]

- ‌[الصيام المستحب]

- ‌[صيام ستة أيام من شوال]

- ‌[صيام يوم عاشوراء]

- ‌[صيام يوم عرفة]

- ‌[صيام أيام البيض]

الفصل: ‌[ما يوجب القضاء ولا يوجب الكفارة في الصيام]

[صوم المسافر]

قال: وإذا سافر إلى ما تقصر فيه الصلاة فلا يفطر حتى يترك البيوت وراء ظهره.

ش: يجوز الفطر في السفر بنص الكتاب، قال سبحانه:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس من البر الصوم في السفر» . ومن شرط الفطر أن يكون [سفره] تقصر في مثله الصلاة، وهو ستة عشر فرسخا فأزيد، إذ ما دون ذلك في حكم المقيم لما تقدم في قصر الصلاة، وأن يترك البيوت وراء ظهره، أي يتجاوزها [لأنه ما لم يتجاوزها] فهو حاضر غير مسافر، فيدخل تحت قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] والله أعلم.

[ما يوجب القضاء ولا يوجب الكفارة في الصيام]

قال: ومن أكل، أو شرب، أو احتجم، أو استعط، أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان، أو قبل فأمنى أو

ص: 569

أمذى، أو كرر النظر فأنزل، أي ذلك فعل [عامدا] وهو ذاكر لصومه، فعليه القضاء بلا كفارة، إذا كان صومه واجبا، وإن فعل ذلك ناسيا فهو على صومه، ولا قضاء عليه.

ش: أما الفطر بالأكل والشرب فبدلالة قَوْله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] أباح سبحانه الأكل إلى غاية هي تبين الخيط الأبيض، من الخيط الأسود ثم أمر سبحانه بالإمساك عنهما إلى الليل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي» ، فدل على أن الصوم حالته هذه، ولا فرق بين مغذ وغيره، لظاهر إطلاق الكتاب.

1302 -

وأما الفطر بالاحتجام فلما «روى شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل وهو بالبقيع، وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي، لثمان عشرة خلت من رمضان فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه والحاكم وصححه، وصححه أيضا الإمام أحمد وإسحاق، وابن المديني، والدارمي وغيرهم.

ص: 570

1303 -

وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه أحمد، والترمذي، وقال أحمد: إنه أصح حديث في الباب. وفي رواية: إسناده جيد.

ص: 571

1304 -

ولأحمد وأبي داود من حديث ثوبان مثله. وقال ابن المديني: إنه وحديث شداد أصح شيء في الباب. وقال الأثرم: ذكرت لأبي عبد الله حديث ثوبان وشداد بن أوس صحيحان هما عندك؟ [قال: نعم] .

1305 -

ولأحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة مثله.

ص: 572

1308 -

وروى أحمد بسنده مثل ذلك من حديث مصعب بن سعد، عن أبيه.

1309 -

ومن حديث بلال، ومن حديث صفية، ومن حديث أبي موسى الأشعري، ومن حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده ذكر ذلك ابنه عبد الله في مسائله [عنه] فهؤلاء اثنا عشر صحابيا رووا هذا الحديث، وهذا يزيد على رتبة المستفيض، قال الإمام ابن خزيمة: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه

ص: 574

قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» . انتهى. وما يذكر من أنهما كانا يغتابان، بعيد، لأنهما من الصحابة، إذ الظاهر تنزيههما عن ذلك، وقد ذكر هذا لأحمد فقال: لو كان للغيبة ما كان لنا صوم. أي أنا لا نسلم من ذلك، فكيف يحمل الحديث على أمر يغلب وقوعه، ثم إن هذه الأحاديث كلها ليس فيها ذكر الغيبة، فكيف يجوز أن يترك من الحديث ما الحكم [منوط] به، ثم لو قدر وجودها في الحديث فالاعتبار بعموم اللفظ.

1310 -

ثم قد روى أحمد في مسائل ابنه عبد الله الإفتاء بهذا اللفظ عن علي، وعائشة، وأبي هريرة، وصفية، وابن عمر.

ص: 575

1311 -

وعن الحسن عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على تثبته والأخذ بعمومه عندهم.

1312 -

وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم» رواه البخاري، وفي لفظ:«احتجم وهو محرم صائم» رواه أبو داود والترمذي وصححه،

ص: 576

وقد طعن فيه أحمد في رواية الأثرم فقال: هو ضعيف، لأن [راويه محمد بن عبد الله] الأنصاري ذهبت كتبه [في الفتنة] فكان يحدث من كتب غلامه أبي حكيم، ثم لو صح فلا

ص: 577

حجة فيه، لأنه كان محرما، فهو مسافر، إذ لم يثبت أنه كان محرما مقيما قط، والمسافر يجوز له الفطر، ويجوز أن يكون صومه تطوعا، ويجوز أن يكون به عذر، وكلاهما مبيح للإفطار.

1313 -

وقد روى أبو بكر بإسناده عن ابن عباس قال: «احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء كان وجده» .

1314 -

وروى أيضا بسنده عن جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي طيبة أن يأتيه ليحجمه عند فطر الصائم، وأمره أن يضع محاجمه عند غيبوبة الشمس» . وهذا يدل على أنه وضع المحاجم نهارا وحجمه ليلا، وبدون هذه الاحتمالات يسقط الاستدلال، ثم على تقدير انتفاء الاحتمالات فتلك الأحاديث أكثر رواة، وقد عضدها عمل الصحابة، فتقدم على الفذ الواحد، ثم لو سلم التساوي فحديث ابن عباس فعل، وتلك قول، والقول مقدم بلا ريب، لعدم عموم الفعل، واحتمال خصوصيته به صلى الله عليه وسلم[ثم] على تقدير عمومه لنا بدليل دعوى النسخ، نسخ حديث ابن عباس

ص: 578

أولى، لأنه موافق لحكم الأصل، فنسخه يلزم منه مخالفة الأصل [مرة واحدة، ونسخ «أفطر الحاجم والمحجوم» يلزم منه مخالفة الأصل] مرتين، لأن هذا القول خلاف الأصل، ونسخه خلاف الأصل. انتهى.

ويفطر الحاجم كما يفطر المحجوم بنص الحديث، وكان حق الخرقي رحمه الله أن ينبه على ذلك، والحجم في الساق كالحجم في القفا، نص عليه أحمد، ولا يشترط خروج الدم، بل يناط الحكم بالشرط، وفي الفصد وجهان. أصحهما - وبه قطع القاضي في التعليق - لا يفطر. وعلى الوجه الآخر في الشرط احتمالان. والله أعلم.

وأما الفطر بالاستعاط - وهو أن يجعل في أنفه سعوطا، وهو دواء يجعل في الأنف، والمراد هنا ما يدخل في الأنف من دواء وغيره:

1315 -

فلقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق [إلا أن تكون صائما» فلولا أن المبالغة في الاستنشاق] تؤثر في الصوم لم ينه عنه.

وأما الفطر بكل ما دخل إلى الجوف من أي موضع كان، سواء وصل من الفم على العادة أو على غير العادة كالوجور، أو من الأنف كالسعوط، أو دخل من الأذن إلى الدماغ، أو

ص: 579

دخل من العين إلى الحلق كالكحل الحاد، أو دخل إلى الجوف من الدبر كالحقنة، أو وصل من مداواة جائفة أو مأمومة إلى جوفه، أو [إلى] دماغه ونحو ذلك، وسواء كان ذلك [الداخل] مغذيا أو غير مغذ، حتى لو أوصل إلى جوفه سكينا أفطر، لأنه [في الجميع] أوصل إلى جوفه ما هو ممنوع من إيصاله إليه، أشبه ما لو أوصل إليه مأكولا.

1316 -

وقد روي في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر بالإثمد عند النوم، وقال: «ليتقه الصائم» رواه أبو داود وغيره.

وقول الخرقي: [أو أدخل إلى جوفه شيئا] من أي موضع كان. من عطف العام على الخاص، لاختصاص الخاص - وهو الأكل والشرب، والاستعاط - بمعنى لم يوجد في العام وهو النص.

1317 -

وأما الفطر بالقبلة مع الإمناء والإمذاء فلما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه» . متفق عليه واللفظ لمسلم، وفي لفظ له:«يقبل في رمضان وهو صائم» . وفيه إشارة إلى أن من لا يملك إربه يضره ذلك.

ص: 580

1318 -

«وعن عمر رضي الله عنه قال: هششت فقبلت وأنا صائم [فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم] قال: «أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم؟» قلت: لا بأس به. قال: «فمه» رواه أبو داود. شبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها مقدمة للشهوة بالمضمضة، والمضمضة إذا لم يكن معها نزول ماء لم يفطر، ومع النزول يفطر، كذلك القبلة، إلا أن أحمد ضعف هذا الخبر ولأنه إنزال بمباشرة، أشبه الإنزال بالجماع.

ومفهوم كلام الخرقي أن القبلة إذا خلت عن [إنزال لم يفطر، ولا ريب في ذلك، لما تقدم من الحديثين، وحكم الاستمناء باليد حكم القبلة.

وأما الفطر بتكرار النظر مع] الإنزال - أي إنزال المني، إذ هذا العرف في الإنزال - فلأنه عمل يمكن التحرز منه، ويتلذذ به، أشبه الإنزال باللمس، وخرج بذلك إنزال المذي، فلا يفطر به على الصحيح، لأنه إنزال لا عن مباشرة فلم يلتحق المذي بالمني لضعفه [عنه] وعن أبي بكر: يفطر. وخرج أيضا بطريق التنبيه إذا لم ينزل.

ص: 581

ومفهوم كلام الخرقي: أنه لو أنزل بنظره لم يفطر، ولا يخلو إما أن يقصد النظر أو لا، فإن لم يقصد لم يفطر بلا ريب، وإن قصده فكذلك، على ظاهر كلام أبي محمد، وأبي الخطاب وغيرهما، وظاهر كلام أبي البركات أن في المذي في النظر وجهان فالإمناء أولى، وقطع القاضي بالفطر.

ومقتضى كلام الخرقي أن الفكر لا أثر له، وهو كذلك إن غلبه، وكذلك إن استدعاه على أصح الوجهين.

1319 -

لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم» .

وشرط الإفطار في جميع ما تقدم أن يكون عامدا أي قاصدا للفعل، فلو لم يقصد - بأن طار إلى حلقه ذباب، أو غبار، أو ألقي في ماء فوصل إلى جوفه، أو صب في حلقه، أو أنفه شيء كرها، أو حجم كرها، أو قبلته امرأة بغير اختياره، ونحو ذلك - لم يفطر.

1320 -

لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء» رواه الخمسة والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، والدارقطني وقال: رواته كلهم

ص: 582

[ثقات] . نفى صلى الله عليه وسلم القضاء لسبق القيء لانتفاء الاختيار، فيلحق به ما في معناه.

1321 -

ولقوله عليه السلام: «عفي لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» ولأن من لم يقصد غافل، والغافل غير مكلف، وإلا يلزم تكليف ما لا يطاق.

ص: 583

وأن يكون ذاكرا لصومه، فلو كان ناسيا لم يفطر في شيء مما تقدم.

1322 -

لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» متفق عليه. وفيه دليلان: أحدهما أنه قال: «فليتم صومه» فاقتضى أن ثم صوم يتم. والثاني قوله: «فإنما أطعمه الله وسقاه» فأضاف الفعل إلى الرب سبحانه وتعالى، فدل على أنه لا أثر لذلك الفعل بالنسبة [إليه] .

1323 -

مع أن الدارقطني قد روى في الحديث من طرق قيل إنه صحح بعضها «فإنما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه» وفي لفظ له: «ولا قضاء عليه، لأن الله أطعمه وسقاه» » . وإذا ثبت هذا في الأكل والشرب قسنا عليه ما عداه، لأنه في معناه.

1324 -

مع أن الدارقطني والحاكم رويا: «من أفطر من شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة» وصحح ذلك الحاكم ويؤيد ذلك

ص: 584

عموم قوله عليه السلام: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» الحديث (وعن أحمد) رواية أخرى أن الحجامة تفطر مع النسيان، لإطلاق الحديث، ولعدم استفصاله من معقل بن يسار وغيره، وفي الاستمناء وجه، إلحاقا له بالجماع.

ومقتضى كلام الخرقي أن الجهل بالتحريم لا أثر له، وهو اختيار الشيخين، لظاهر حديث معقل بن يسار، لأنه كان جاهلا بالتحريم وجعله صاحب التلخيص تبعا لأبي الخطاب كالمكره والناسي.

«تنبيه» : النائم كالناسي، لعدم قصده، أما المكره بالوعيد فقال القاضي في تعليقه: ليس عن أصحابنا فيه رواية. ثم حكى [فيه] احتمالين، وحكى ابن عقيل عن الأصحاب أنه كالملجأ [لعموم الحديث قال] : ويحتمل عندي أن يفطر، لأنه لدفع ضرر عنه، أشبه من شرب لدفع عطش. انتهى.

ومن حكم بفطره ممن تقدم فعليه القضاء إن كان صومه واجبا، لأن الصوم ثابت في ذمته، فلا تبرأ إلا بأدائه ولم يؤد، فيجب

ص: 585

قضاؤه، والواجب في القضاء عن كل يوم؛ يوم، إذ القضاء يحكي الأداء.

1325 -

وفي حديث المجامع في رمضان «صم يوما مكانه» رواه أبو داود. ولا كفارة في شيء مما تقدم.

ص: 586

1326 -

أما في الأكل والشرب فلعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس في المال حق سوى الزكاة» ، ولأن الأصل براءة الذمة، فلا يثبت الشغل إلا بدليل من نص، أو إجماع، أو قياس، ولم يوجد [واحد] منها، والقياس على الجماع ممنوع، لأنه أفحش، فالحاجة إلى الزجر عنه أبلغ، وقيل: تجب الكفارة على من أكل أو شرب عمدا كالجماع، (وأما) في الاحتجام فلما تقدم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم[لم يلزمه بالكفارة و] لو كانت واجبة لبينها (وعنه) إن كان عالما بالنهي وجبت وإلا

ص: 587

فلا، وعلى هذه هل هي كفارة وطء أو مرضع؟ فيه روايتان، (وأما) في الاستعاط، ومن أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان، فلما تقدم في الأكل والشرب. (وأما) في القبلة وتكرار النظر فلأنه إفطار بغير مباشرة، أشبه الإفطار بالأكل والشرب، واعتمادا على الأصل، وهذا إحدى الروايتين، واختيار الخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى. (والرواية الثانية) : تجب الكفارة، واختارها القاضي في تعليقه، لأنه إفطار باستمتاع، أشبه الفطر بالجماع. وحكم الاستمناء حكم القبلة، قاله في التلخيص، وجزم القاضي في التعليق بعدم الكفارة فيه، معتمدا على نص الإمام في رواية ابن منصور، وفرق بينه وبين ما تقدم، بأن الاستمناء ليس بإنزال عن مباشرة، إذ المباشرة لا تكون إلا بين شخصين.

ومفهوم كلام الخرقي في قوله: إذا كان صوما واجبا؛ أن الصوم لو لم يكن واجبا لا قضاء فيه، وهو المذهب بلا ريب، وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى.

وقوله: وإن فعل كل ذلك ناسيا فهو على صومه، ولا قضاء عليه. [هو] مفهوم «ذاكرا» وقد تقدم الكلام عليه.

ص: 588

«تنبيه» : «الأرب» بفتح الهمزة والراء الحاجة، وكذلك بكسر الهمزة وسكون الراء، وقيل: بل العضو أي الذكر، والله أعلم.

قال: ومن استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه.

ش: لحديث أبي هريرة المتقدم والاستقاء: طلب القيء، والذرع خروجه. بغير اختياره. وظاهر كلام الخرقي: أنه لا فرق بين قليل القيء وكثيره، وهو المذهب بلا ريب، وعنه: لا يفطر إلا بملء الفم. وعنه: بل بملء نصفه. والله أعلم.

قال: ومن ارتد عن الإسلام فقد أفطر.

ش: لأن الصوم عبادة محضة، فنافاها الكفر كالصلاة، مع أن أبا محمد قال: لا أعلم في هذا خلافا والله أعلم.

قال: ومن نوى الإفطار فقد أفطر.

ش: هذا هو المذهب المعروف المشهور، لأنها عبادة من شرطها النية، فبطلت بنية الخروج منها كالصلاة، ولأنه قد خلي جزء من العبادة عن النية المشترطة لجميع العبادة، والمركب يفوت بفوات جزئه فيبطل. وعن ابن حامد: لا يفطر، لأنها عبادة يلزم المضي في فاسدها، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج. فعلى الأول: إذا تردد في قطعه، أو

ص: 589