الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منع خلق كثير من التجميع، وهو خلاف مقصود الشارع.
872 -
ولأن صلاة الجمعة في الخوف جائزة على الصفة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، إذا كمل العدد في كل طائفة، والطائفة الثانية قد استفتحت الصلاة بعدما صلاها غيرهم، وجواز ذلك كان لحاجة عارضة، فمع الحاجة الدائمة أولى، [والله أعلم] .
[صلاة الجمعة للمسافر]
قال: ولا تجب الجمعة على مسافر، ولا امرأة، ولا عبد، وإن حضروها أجزأتهم، وعن أبي عبد الله رحمه الله في العبد روايتان، إحداهما أن الجمعة واجبة عليه، والأخرى ليست بواجبة عليه.
ش: اعلم أن لوجوب الجمعة شروطا، ثم من تجب عليه تارة [تجب عليه] بنفسه وتارة تجب عليه بغيره، فمن تجب عليه بنفسه يشترط له شروط. (أحدها) أن يكون ممن يكلف بالمكتوبة، وهو المسلم، العاقل، البالغ، فلا تجب على كافر، ولا مجنون، ولا صبي، وفي كلام الخرقي ما يدل على ذلك حيث قال: وإذا لم يكن في القرية أربعون رجلا عقلاء لم تجب عليهم الجمعة. ذلك لأنها صلاة مكتوبة، أشبهت بقية
المكتوبات. وهل تلزم الجمعة ابن عشر إن قلنا: تجب عليه المكتوبة؟ فيه وجهان، أصحهما: لا.
873 -
لأن في النسائي عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رواح الجمعة واجب على كل محتلم» » (الشرط الثاني) الذكورية فلا تجب على امرأة، وقد صرح به الخرقي هنا.
874 -
لما روى طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة، عبد مملوك، أو امرأة أو صبي أو مريض» رواه أبو داود، وقال: طارق رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لا جمعة على النساء، ولا تجب على خنثى مشكل، لأن ذكوريته لم تتحقق.
الشرط الثالث: الحرية فلا تجب على عبد، في أشهر الروايات وأصحها عند الأصحاب.
875 -
لما تقدم من حديث طارق، وروي نحوه من حديث جابر، رواه الدارقطني (والرواية الثانية) تجب عليه، لدخوله في
الآية الكريمة، لأنه من الذين آمنوا، (والرواية الثالثة) إن أذن له سيده وجبت عليه، وإلا فلا تجب عليه، لأن المنع ملحوظ فيه كونه لحق السيد، لاشتغاله بالخدمة، فإذا أذن له زال المانع، والمكاتب والمدبر كالقن، وكذلك المعتق بعضه، لتعلق حق المالك بباقيه، وقيل: تلزمه الجمعة في يوم نوبته إن كان ثم مهايأة، تغليبا لجانب العبادة، ويحتمل هذا كلام الخرقي، لأنه إنما نفى الوجوب عن العبد.
(الشرط الرابع) : الإقامة، فلا تجب على مسافر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وافى عرفة يوم جمعة، فجمع بين الظهر والعصر، ولم يجمع، ومعه الخلق الكثير، ولم يزل هو وخلفاؤه يسافرون للنسك والجهاد، ولم يصلوا في أسفارهم جمعة، وكما لا يلزم المسافر جمعة بنفسه، فكذلك بغيره، نص عليه.
876 -
لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة، إلا مريض أو مسافر، أو امرأة، أو صبي، أو مملوك» رواه الدارقطني.
(الشرط الخامس) : الاستيطان. فلا جمعة على أهل قرية يسكنونها شتاء، ويظعنون عنها صيفا، وكذلك بالعكس، وكذلك المقيم إقامة تمنع القصر، لتجارة، أو علم، لا جمعة عليه إن لم يكن أهل البلد ممن تلزمهم الجمعة، لعدم
الاستيطان، وكذلك المسافر إلى بلد دون مسافة القصر، وأهله ليسوا من أهل الجمعة.
877 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعرفة يوم الجمعة ومعه خلق كثير من أهل مكة، ولم يأمرهم بجمعة، وهذا الشرط أهمله الخرقي. (الشرط السادس) الوطن وهي القرية المبنية مما جرت العادة به، من حجر، أو قصب، أو خشب، فلا جمعة على أهل الحلل والخيام، لأن المدينة كان حولها حلل [وخيام] وأبيات من العرب، ولم ينقل أنهم أقاموا جمعة، ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك.
(الشرط السابع) إذا بلغوا أربعين، وقد تقدم هذا الشرط والكلام عليه (فالتكليف) شرط للوجوب [والصحة، إلا البلوغ فإنه شرط للوجوب] والانعقاد، [ (والذكورية) شرط للوجوب والانعقاد] وكذلك الحرية والإقامة، فالمسافر والعبد والمرأة لا تجب عليهم الجمعة، ولا تنعقد بهم، ولا تصح إمامتهم فيها، وتصح منهم إجماعا، لأن السقوط عنهم رخصة، وأما الاستيطان، والوطن والعدد فشروط أيضا للانعقاد والوجوب [على المكلف] بنفسه.
وقد تجب عليه بغيره، وهو ما إذا سمع النداء كأهل الحلل، والخيام، والقرية التي فيها دون العدد المعتبر، أو التي
يرتحل عنها أهلها بعض السنة، فهؤلاء إذا كانوا من البلد الذي يجمع فيه بحيث يسمعون النداء لزمهم السعي إلى الجمعة، نص عليه أحمد رحمه الله ولا تنعقد بهم الجمعة، وهل تصح إمامتهم؟ فيه احتمالان، فالصحة للزوم الجمعة له، وعدمها لعدم انعقادها به، وحكم فاقد الاستيطان - كالمقيم في مصر لعلم، أو شغل ونحو ذلك - كذلك على أصح الوجهين، وقيل: لا تجب [عليه] أصلا، لأنه عن وطنه على مسافة تمنع النداء، أشبه المسافر، وإنما اعتبرنا سماع النداء لعموم قَوْله تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] الآية.
878 -
مع ما روى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الجمعة على من سمع النداء» رواه أبو داود والدارقطني، وفي لفظ للدارقطني «إنما الجمعة على من سمع النداء» » وإذا عدم سماع النداء انتفى وجوب الجمعة بنفسه وبغيره، لكنهم إذا حضروها صحت منهم، أما إن أقاموها بأنفسهم فلا تصح
منهم، وقد تقدم ذلك للخرقي في دون الأربعين، والمعتبر في حق من تلزمه بسماع النداء أن يكون بمكان يسمع منه النداء غالبا إذا كان المؤذن صيتا، والرياح ساكنة، والأصوات هادئة والموانع زائلة، إذ اعتبار حقيقة السماع لا تمكن، لاختلافه باختلاف حال المنادي، والسامع، ومكانهما، ثم إن أحمد في رواية الأثرم اعتبر سماع النداء وأطلق، وفي رواية صالح، وإسحاق بن إبراهيم قيده بالفرسخ، فاختلف أصحابه فمنهم من لم يقدر النداء بحد على ظاهر رواية الأثرم، وجعل التحديد بالفرسخ رواية أخرى، فتكون [المسألة] على روايتين، ومنهم من حده بالفرسخ قال: لأنه الذي ينتهي إليه النداء غالبا، وهو ظاهر كلام الإمام [أحمد] في رواية صالح، قال: تجب الجمعة على من يبلغه الصوت، والصوت يبلغ الفرسخ، فعلى هذا تكون المسألة رواية واحدة، وأبو الخطاب جعل كل واحدة من سماع النداء ومسافة الفرسخ فما دونهما موجبا، فقال: يسمع النداء أو بينه وبين موضع تقام فيه الجمعة فرسخ، فجعل أيضا المسألة رواية واحدة، إعمالا لنصيه جميعا.
واعلم أن الجمعة إذا وجبت قد تسقط بأعذار، كالمرض
الشديد، والمطر الذي يبل الثياب وغير ذلك مما يبلغ نحو عشرة أشياء، وليس هذا محل بيانها، فيسقط الوجوب إذا، ومتى حضرت والحال هذه وجبت، وانعقدت بمن حضر، وصحت إمامته فيها، والله أعلم.
قال: ومن صلى الظهر يوم الجمعة ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام، أعادها بعد صلاته ظهرا.
ش: لأنه صلى الظهر قبل وجوبها عليه، أشبه من صلاها قبل الزوال، ودليل الوصف أن فرض الوقت عندنا هو الجمعة، وإنما الظهر بدل عنه عند التعذر، بدليل الأمر بالسعي في الآية الكريمة.
879 -
وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله افترض عليكم الجمعة» .
وقوله: «الجمعة حق واجب على كل مسلم» ولأنه بفعل الجمعة يكون طائعا مثابا، فدل على أنها الأصل، وبتركها إلى الظهر من غير عذر يكون عاصيا بالإجماع.
وقول الخرقي: قبل صلاة الإمام. أي قبل فراغ الإمام من صلاته، كذا صرح به غيره. وقوله: أعادها بعد صلاته ظهرا. هذا إذا تعذر عليه التجميع، أما إن أمكنه فيلزمه، لأن ذلك فرضه.