الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إثبات كمال قدرته وغناه تعالى، وفقر خلقه إليه]
ثم قال: (ذلك بأنه على كل شيء ٍقدير، وكل شيءٍ إليه فقير، وكل أمرٍ عليه يسير لا يحتاج إلى شيء).
هذا تعليل لما سبق من أنه سبحانه وتعالى لم يزل هو الخالق، البارئ، المصور، المحيي، المميت ذلك بأنه لم يزل على كل شيءٍ قدير، وهذا وصف قد أثنى الله به على نفسه في مواضع كثيرة من القرآن كما قال تعالى:((إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ((إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)) ((وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِِراً)) ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ)) الآية.
وذِكر هذا الاسم في القرآن كثير جدا فهو القادر، وهو القدير، وهو المقتدر سبحانه وتعالى. والأدلة على كمال قدرته بدلالاتٍ أخرى متنوعة قال تعالى:((وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) فإخباره تعالى بخلق السماوات والأرض، وخلق كل شيء يستلزم إثبات كمال قدرته ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)) [قّ: 38] قال سبحانه: ((مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ)) ((وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عليه)).
(ذلك بأنه على كل شيء قدير) فلا خروج لشيء عن قدرته؛ فكل الموجودات إنما وجدت بمشيئته وقدرته سبحانه وتعالى، ولا خروج لشيء عن قدرته، وفي هذا ردٌ على القدرية؛ كالمعتزلة، الذين
يخرجون أفعال العباد عن قدرة الله وعن مشيئته، (1) فأفعال العباد عندهم لا تتعلق بها بمشيئة الله وقدرته وخلقه! فالعباد هم الخالقون لأفعالهم يتصرفون بدون مشيئة الله، والله لا يقدر أن يجعل القائم قاعدًا، والقاعد قائمًا، ولا المؤمن كافرا، ولا الكافر مؤمنا، فكل ما يجري في الوجود من أفعال العباد، بل وأفعال الحيوان، خارج عن مشيئة الله، والله تعالى لا يقدر على أن يمنع شيئا من هذه الأمور! فالقتال الذي يجري بين الناس لمختلف الأسباب والدوافع ليس بمشيئة الله بزعمهم، والله تعالى يقول ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) [البقرة: 253] ((وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)) [الأنعام: 137]
هذا مضمون هذا المذهب القبيح المنكر.
وقوله: (وكل شيءٍ إليه فقير) قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ)) كل شيء إليه فقير وهو الغني بذاته عن كل من سواه.
فالغنى المطلق من لوازم ذات الرب تعالى، والفقر من لوازم المخلوق، فالفقر صفة ذاتية للمخلوق، والغنى صفة ذاتية للخالق.
فالمخلوق فقير إلى الله من جميع الوجوه، والله غني عن خلقه من جميع الوجوه ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) [فاطر: 15].
فكل شيءٍ مفتقر إلى الله في وجوده، وفي بقائه، وفي مصالحه، وفي كل شؤونه.
وقوله: (وكل شيءٍ عليه يسير)
كل شيءٍ عليه هين، وهذا يؤكد أنه على كل شيءٍ قدير، فليس
(1) الرسالة التدمرية ص 488.
هناك ما يصعب عليه، ويعجزه ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)) ((أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [العنكبوت: 19].
وقوله: (لا يحتاج إلى شيء)
هذا يؤكد كمال غناه، فهو الغني بذاته عن كل ما سواه.
لو قال المؤلف: (ذلك بأنه على كل شيءٍ قدير، وكل شيءٍ عليه يسير، وكل شيءٍ إليه فقير لا يحتاج إلى شيء) لكان أكثر تناسبا؛ لأن الجملة الثالثة مناسبة للجملة الأولى، والجملة الرابعة مناسبة للجملة الثانية، لكن كأنه فعل ذلك لمراعاة السجع.