الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وجوب الإيمان بالملائكة والأنبياء والكتب]
وقوله: (ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين).
أهل السنة يؤمنون بهذه الأصول، بالملائكة وبالأنبياء وبالكتب، وهذه ثلاثة أصول من أصول الإيمان التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل حيث قال:(الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره). (1)
والإيمان بأصول الإيمان يكون على وجهين:
مجمل، ومفصل.
فأما الإيمان بهذه الأصول إجمالا فرض عين على كل مكلف، فعلى كل مكلف أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويؤمن بالقدر، والإمام الطحاوي رحمه الله في هذه العقيدة لم يراعِ ترتيب مسائل الإيمان، فيذكر مسائل تتعلق ـ مثلا ـ بالإيمان بالله، ومسائل تتعلق بالإيمان بالرسل، ثم يعود ويذكر مسائل تتعلق بالإيمان بالكتب أو بالملائكة أو باليوم الآخر، من غير مراعاة للترتيب، ولهذا قال الشارح ابن أبي العز:(الشيخ رحمه الله لم يجمع الكلام في الصفات في المختصر في مكان واحد، وكذلك الكلام في القدر ونحو ذلك، ولم يعتن فيه بترتيب. وأحسن ما يرتب عليه كتاب أصول الدين ترتيب جواب النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حين سأله عن الإيمان). (2)
(1) رواه مسلم (8) من حديث عمر رضي الله عنه.
(2)
ص 689.
ولكن في الحقيقة هذا التفريق عندي له فائدة وهي: أن الصلة بهذه الأصول مستمرة لا تنقطع؛ فيتجدد الكلام ويتكرر؛ فيحصل بسبب ذلك التذكير والضبط، فعلى سبيل المثال: مسائل القدر جاءت متفرقة؛ لكن صار من فائدته: تجدد الكلام في القدر، وحصل فيه التأكيد ومزيد الإيمان والإيضاح؛ لكن إذا جُمع الكلام في موضع واحد فإنه مع طول الوقت يُغفل عنه.
فهنا قال: (ونؤمن بالملائكة والنبيين) هذا إيمان مجمل، نؤمن بالملائكة كما ذكر، والإيمان بالملائكة كما جاء في السنة جاء في القرآن مقرونا بالإيمان بالله في ثلاثة مواضع في قوله تعالى:((وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)) [البقرة: 177]، وقال سبحانه وتعالى:((وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالَاً بَعِيدَاً)) [النساء: 136]، وقال سبحانه:((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)) [البقرة: 285] فنؤمن بالملائكة الذين وصفهم الله بصفات كريمة، فقال تعالى عنهم:((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدَاً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)) [الأنبياء: 26 - 28].
وقد أخبر الله تعالى أن الملائكة أصناف منهم: ملك الموت، قال تعالى:((قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)) [السجدة: 11].
ومنهم الملائكة الذين هم من أعوان ملك: ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وقد أضاف الله إليهم التوفي كما أضافه إلى ملك الموت، قال تعالى:((وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)) [الأنعام: 93]، وقال تعالى:((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) [النحل: 32].
ومنهم الملائكة الموكلون بحفظ وكتابة أعمال العباد ((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ)) [الانفطار: 10].
ومنهم الملائكة الموكلون بالوحي ((يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ)) [النحل: 2].
وقد سمى الله من الملائكة في القرآن جبريلَ وميكائيل ومالك خازن النار، قال تعالى:((مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ)) [البقرة: 98] وقال تعالى: ((وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)) [الزخرف: 77].
وجاء في السنة تسمية إسرافيل ومنكر ونكير، ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح في قيام الليل:(اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل)(1) وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية الملكين الَّذَيْنِ يسألان المقبور: بـ «المنكر والنكير» (2).
والملائكة خلق من خلق الله فيجب الإيمان بأنهم عباد مخلوقون مربوبون مدبرون ليسوا بآلهة كما ظن المشركون، وليسوا بنات الله كما افترى المفترون ((فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثَاً وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) [الصافات: 149 - 152] فمن الناس من ينكر وجودهم، ومنهم المتأول الذي يقول: الملائكة هي القوى الَخيِّرة في الإنسان، والشياطين هي القوى الشريرة في الإنسان، فليسوا خلقا قائمين بأنفسهم، وهذا خلاف ما أخبر الله به في كتابه من أمر الملائكة، فهم عباد عابدون لله مطيعون في غاية من العبودية والطاعة لله رب العالمين:((يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ)) [الأنبياء: 20]، ((لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)) [الأعراف: 206]، وذكر الله ما دار بينه وبين الملائكة في أمر خلق آدم: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ
(1) رواه مسلم (770).
(2)
(1071) ـ وقال: حسن غريب ـ، وابن حبان (3117) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)) [البقرة: 30] إلى آخر القصة.
وأما الأنبياء فكذلك يجب الإيمان بهم إجمالا، ويجب الإيمان بمن سمى الله منهم تفصيلا، وقد ذكر الله الإيمان بالرسل في الآيات الثلاث التي تقدمت (1)، وذكروا في آيات أخرى:((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجَاً وَذُرِّيَّةً)) [الرعد: 38]، ((وَرُسُلَاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلَاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)) [النساء: 164]، فرسل الله وأنبياؤه كثيرون؛ لكن منهم من قص الله علينا من أخبارهم، ومنهم من لم يقصهم علينا، ومنهم من ذَكر اسمه ولم يذكر تفصيلَ خبره، مثل: ذي الكفل وإدريس واليسع، وقص الله علينا أخبار أنبياء كثيرين؛ كنوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وموسى، فيجب الإيمان بما أخبر الله به عن الأنبياء والمرسلين إجمالا وتفصيلا؛ فأما الأيمان بهم مجملا؛ فهو فرض عين، وأما معرفة أخبارهم تفصيلا فهو فرض كفاية، ويجب على من علم شيئا من تفصيل أخبارهم أن يؤمن به.
وبمناسبة ذكرِ المؤلف رحمه الله (ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين) ترد مسألة الفرق بين النبي والرسول، وقد سبق الكلام عليها عند قول المؤلف:(وإن محمدا عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى)(2).
والأصل الثالث من أصول الإيمان في عبارة المؤلف رحمه الله هو الإيمان بالكتب، فإنه قال:(ونؤمن بالملائكة والنبيين وبالكتب المنزلة على المرسلين) وقدَّم ذكر الأنبياء على الكتب، مع أن الذي في الآيات والأحاديث تقديم ذكر الكتب على الرسل، قال تعالى:((وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)) [البقرة: 177]، ((كُلٌّ آمَنَ
(1) في ص 202.
(2)
ص 86.
بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)) [البقرة: 285]؛ لكن الظاهر أن المؤلف قدم وأخر، مراعاة لتناسب الجمل.
فيجب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله على من شاء من رسله، والله أخبر في آيات كثيرة أنه أنزل الكتب وسمى لنا التوراة والإنجيل، قال تعالى:((نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ)) [آل عمران: 3]، والزبور ((وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا)) [الإسراء: 55]، وصحف إبراهيم وموسى ((صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)) [الأعلى: 19]، فيجب الإيمان بكتب الله إجمالا، وهذا فرض عين، وبما سمى الله منها تفصيلا وتعيينا فنؤمن بالتوراة المنزلة على موسى، وبالإنجيل المنزل على عيسى، وبالزبور المنزل على داود، وبصحف موسى وإبراهيم، ونؤمن بأنها كلام الله، فالكتب المنزلة كلها كلام الله.
والإيمان بالكتب يندرج في الإيمان بالرسل؛ لأنهم هم الذين جاءوا بها قال الله تعالى: ((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) [البقرة: 136] لا نفرق بين الرسل ولا نفرق بين الكتب ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلَاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقَّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابَاً مُهِينَاً * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ)) [النساء: 150 - 152].
وأنكر الله على اليهود إيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعض.
وهذه الأصول يتعلق بها كثير من مسائل الاعتقاد، نص المصنف رحمه الله على بعضها، فيما تقدم، وكما سيأتي بعضها.
وقوله: (ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين).
ونشهد أن الأنبياء والمرسلين رسل من عند الله، جاءوا بالحق من عنده، وكلهم صادقون مَصْدوقون، ((لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ)) [البقرة: 136]،
وأنهم خير خلق الله، وأن بعضهم أفضل من بعض، كما قال سبحانه:((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) [البقرة: 253] وقال سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ)) [الإسراء: 55] وأفضلهم أولو العزم، وأفضل أولو العزم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأفضلهما نبينا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.