الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أقسام التوحيد]
في هذا المقام يحسن ذكر أقسام التوحيد، فأهل السنة والجماعة يقسمون التوحيد ثلاثة أقسام (1)، ومنهم من يجعل التوحيد قسمين وهما طريقتان متفقتان لا منافاة بينهما، فمنهم من يقول: إن التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، توحيد العبادة، وتوحيد الأسماء والصفات.
ما معنى توحيد الربوبية؟
معناه: توحيد الله في شؤون الربوبية؛ كالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة، ولهذا يعبر عنه بتوحيد الرب بأفعاله، وذلك بالإقرار بأنه لا شريك له في أفعاله.
وتوحيد الإلهية: هو إفراد الله بالعبادة، هو الإقرار بأنه لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، وتحقيق ذلك بالفعل وهو: تخصيصه تعالى بالعبادة.
وتوحيد الأسماء والصفات هو الإقرار بتفرده سبحانه وتعالى بما له من الأسماء والصفات، بأنه متفرد لا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
أما من يجعل التوحيد قسمين ـ والعبارات تختلف لكن المؤدى واحد (2) ـ يقول: توحيد في المعرفة والإثبات، وبعبارة أخرى: توحيد
(1) انظر: كتاب المختصر المفيد في بيان دلائل أقسام التوحيد.
(2)
مدارج السالكين 3/ 417، واجتماع الجيوش الإسلامية ص 93.
في العلم والقول، أو: التوحيد العلمي الخبري، هذه كلها عبارات عن شيء واحد، هو التوحيد الاعتقادي، توحيد علمي اعتقادي معرفي، وهذا القسم يشمل: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، فاندرج قسمان من الثلاثة في هذا القسم، في التوحيد العلمي الخبري، أو في توحيد المعرفة والإثبات؛ لأن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات كل منهما توحيد يتعلق بالعلم، فهو اعتقادي علمي فقط، والنصوص الدالة عليهما كلها نصوص خبرية، يعني من نوع الخبر؛ لأن الكلام قسمان: خبر وإنشاء.
القسم الثاني على الطريقة الثانية: توحيد الإلهية، أو توحيد العبادة، أو توحيد الإرادة والقصد والعمل، أو التوحيد الطلبي؛ لأن نصوصه طلبيه، انظر سورة الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص: 1 - 4] جمل خبرية، كل نصوص الأسماء والصفات تجدها خبرية، لكن توحيد العبادة الآيات الواردة فيها إنشاء ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)) [النساء: 36] ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)) [الإسراء: 23]((فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) [البقرة: 22]((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ)) [البقرة: 21] فلا منافاة بين الطريقتين، فمن يجعل التوحيد قسمين يدرج توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات في التوحيد في المعرفة والإثبات الذي هو التوحيد العلمي الخبري، فلاحظ هذا ولا يشكل عليك تنوع التقسيم.
وهذا التقسيم مستمد من استقراء النصوص، وبعض أهل البدع يشنع على أهل السنة ويقول: إن هذا التقسيم مبتدع، وهذا تشنيع باطل (1)، نعم العبارات والتقسيمات هي اصطلاح جديد كما قسم الفقهاء ـ مثلاـ أفعال الصلاة إلى: أركان وواجبات وسنن، أخذا من الأدلة؛
(1) انظر: كتاب المختصر المفيد في بيان دلائل أقسام التوحيد.
لأن أفعال الصلاة ليست على مرتبة واحدة، وكذلك أفعال الحج: أركان وواجبات وسنن، أخذا من الأدلة، كذلك في مسائل الاعتقاد هذه التقسيمات مستمدة من النصوص.
وقد دلت النصوص على وجوب توحيد الله في ربوبية، وذلك باعتقاد أنه رب كل شيء ومليكه، وأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، هذا حق.
ودلت النصوص على وجوب اعتقاد أنه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه كما قال تعالى في خطابه لموسى عليه السلام: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)) [طه: 14]، وقال تعالى:((وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ)) [المائدة: 73]، وقال تعالى:((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)) [البقرة: 163].
وفي باب الأسماء والصفات قال سبحانه وتعالى: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص: 1]، وقال تعالى:((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى: 11]، وقال تعالى:((وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)) [الإخلاص: 4].
إذًا؛ هذا تقسيم مستمد من الكتاب والسنة، دال على أنه تعالى واحد في هذا كله، وهل التقسيم له ثمرة؟
نعم؛ بهذا عرفنا أن الإقرار بتوحيد الربوبية وحده لا يكفي، فإن المشركين كانوا مقرين بهذا التوحيد قال تعالى:((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) [لقمان: 25] لكنهم جعلوا مع الله آلهة أخرى، وعبدوا مع الله آلهة سواه، إذًا؛ الانحراف الذي عندهم هو في توحيد العبادة، ولهذا قال أهل العلم:«إن توحيد العبادة هو الذي وقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممهم» (1)، كما قال المشركون ـ لما قال لهم
(1) كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب ص 6.
الرسول صلى الله عليه وسلم: «قولوا: لا إله إلا الله» ـ: ((أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) [ص: 5](1).
وهؤلاء المبتدعة الطاعنون على أهل السنة في هذا التقسيم يقسمون التوحيد تقسيما مبتدعا مشتملا على الباطل، كما ذكر شيخ الإسلام عن كثير من أهل الكلام أنهم يقولون:«إن التوحيد اسم لثلاثة: توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال، فيقولون: إن الله تعالى واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له» (2)، والكلام على هذا يطول، ولكن خلاصة القول: إن هذا التقسيم على طريقتهم قد أدخلوا في التوحيد ما ليس فيه، فأدخلوا في مسمى التوحيد نفي الصفات، وهذا إلحاد، وأخرجوا عن مسمى التوحيد توحيد العبادة فلا ذكر له عندهم، وأحسن ما يذكرون هو توحيد الربوبية، وهو توحيد الرب بأفعاله، فيقولون: هو واحد في أفعاله لا شريك له، وهو أن خالق العالم واحد، وهذا حق (3).
(1) رواه أحمد 1/ 227، وصححه الترمذي (3232)، وابن حبان (6686)، والحاكم 2/ 432 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
درء تعارض العقل والنقل1/ 225، والرسالة التدمرية ص 440.
(3)
انظر: تقسيم الطوائف للتوحيد في: التدمرية ص 440، ومجموع الفتاوى 4/ 150، ومدارج السالكين 3/ 415.