الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إثبات صفة الخلة والتكليم لله تعالى]
وقوله: (ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وكلم الله موسى تكليما، إيمانا وتصديقا وتسليما).
نقول نحن أهل السنة: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، كما أخبر سبحانه في كتابه:((وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَاً)) [النساء: 125] وأخبر سبحانه أنه كلم موسى تكليما، قال سبحانه:((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمَاً)) [النساء: 164]، وفي هذا فضيلة لإبراهيم وفضيلة لموسى، فإبراهيم خليل الله، وموسى كليم الله عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا)(1) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن صاحبكم خليل الله)(2).
وأهل السنة يثبتون المحبة ويثبتون الكلام لله، ويقولون: إن الله يُحِب ويُحَب، قال تعالى:((يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة: 54]، ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [التوبة: 4]، ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) [البقرة: 222]، ويُكَلِّم ويَتَكَلَم، فيثبتون صفة المحبة وصفة الكلام.
والخُلَّة هي أكمل المحبة، فإبراهيم صلى الله عليه وسلم خليل الله، فله من محبة الله ما تبوأ به منزلة الخُلَّة التي هي: أعلى درجات المحبة، ونبينا صلى الله عليه وسلم خليل الله أيضا، فإبراهيم ومحمد هما خليلان لله تعالى، وأما ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن إبراهيم خليل الله
…
وأنا حبيب الله
(1) تقدم ص 96.
(2)
تقدم ص 95.
ولا فخر) فهو حديث ضعيف (1)، وقد تعلق به بعض الجهلة وأهل الغلو، فيسمون الرسول صلى الله عليه وسلم: حبيب الله (2)، وكأن المحبة عندهم أعلى من الخُلَّة، وهذا خلاف اللغة، وخلاف دلالات النصوص، فالمحبة ثابتة للأنبياء والمؤمنين والملائكة، كل على منزلته من محبة الله سبحانه وتعالى، ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) [آل عمران: 31]، ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [التوبة: 4]، ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) [البقرة: 195]، فالمحبة مشتركة بين سائر المؤمنين، كل له حظه من محبة الله بحسب إيمانه وتقواه، فوصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: حبيب الله فقط ليس فيه خصوصية ولا تميز، فكل مؤمن هو حبيب الله ـ أي ـ: محبوب لله.
وتقدم ذكر (3) الأدلة على إثبات صفة المحبة، وصفة الكلام لله تعالى.
والمعطلة من الجهمية والمعتزلة (4) ومن تبعهم ينفون هذه الصفات، فالجهمية يقولون: إنه لا يُحِب ولا يُحَب؛ لأن المحبة ميل الشيء إلى ما يناسبه، ولا تناسب بين الخالق والمخلوق، وهذا ـ إن صح أن يكون تفسيرا للمحبة ـ يختص بمحبة المخلوق، فالمحبة معنىً معقولٌ هو ضد البغض، والله تعالى أخبر بأنه يحب أولياءه ويحب المؤمنين والمقسطين والتوابين، وأخبر بأنه يمقت الكافرين:((لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ)) [غافر: 10].
ونفاة المحبة منهم من يفسر المحبة من الله بإرادة الإنعام، أو يفسرها بنفس النعم المخلوقة، ويفسر البغض بإرادة الانتقام، أو بنفس العقوبة، المهم عندهم نفي حقيقة المحبة عن الله، وينفون محبة المخلوق
(1) تقدم في ص 96.
(2)
انظر: ص 96.
(3)
ص 95، ص 111.
(4)
مجموع الفتاوى 10/ 66.
للخالق سبحانه ويقولون: إن المحبة هي محبة ثوابه، أو محبة طاعته، والمحبة عندهم لا تتعلق إلا بالمخلوق.
ومن المبتدعة من أثبت المحبة من جهة المخلوق، كالصوفية؛ فإنهم يبالغون في إثبات محبة المخلوق للخالق حتى يعبرون عن محبتهم لله بالعشق، وكذلك الفلاسفة يطلقون العشق على الله تعالى. (1)
والحق: ما دل عليه كتاب الله، ودلت عليه الفطر والعقول بأنه سبحانه وتعالى يُحِب ويُحَب؛ يحب ملائكته وأنبياءه والصالحين من عباده، كما أخبر تعالى بذلك عن نفسه، ويحبه أولياؤه كما في الآية التي جمعت بين الأمرين:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة: 54] وقوله تعالى: ((قل إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) [آل عمران: 31].
وكل صفة تثبت لله تعالى فليست مثل صفة المخلوق، فليس حبه تعالى كحبنا، وليس كلامه وتكليمه ككلامنا، والقول في بعض الصفات كالقول في بعض، فـ ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى: 11] لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فكما أنه تعالى له علم لا كعلمنا، وسمع لا كسمعنا، فله محبة لا كمحبتنا، ورِضًا لا كرِضَانا.
وأما ما ذكره الشارح ابن أبي العز (2) من الكلام في الخُلَّة، وقول الشاعر (3):
قد تخللت مسلك الروح مني
…
ولذا سمي الخليل خليلا
فهذا تفسير للخُلَّة التي هي صفة المخلوق، وكذلك قوله:(4) إن
(1) مجموع الفتاوى 10/ 131، والرد على المنطقيين ص 258 و 359، ودرء تعارض العقل والنقل1/ 100 و 231 والرسالة الصفدية ص 125 و 297.
(2)
ص 396.
(3)
البيت لبشار بن برد في ديوانه 2/ 475.
(4)
ص 397.
الخُلَّة لا تقبل الشركة، فهذا فيه نظر؛ لأن الله اتخذ إبراهيم صلى الله عليه وسلم خليلا واتخذ محمدا صلى الله عليه وسلم خليلا، نعم من كان الله خليله فلا يكون أحد من الخلق خليله، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله)(1) فدل على أن المانع له من أن يتخذ أبا بكر خليلا أن الله اتخذه خليلا، وهذا يقتضي أن يكون الله خليله، وإن لم يرد ـ فيما أعلم ـ وصف الله بأنه خليل إبراهيم، أو خليل محمد، لكن هذا الحديث يشعر بهذا، وأن الله حين اتخذ محمدا خليلا لم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم خليل من الخلق، وأن ذلك يقتضي أن الله خليله، وهذا من الأدلة على أن أبا بكر رضي الله عنه هو أفضل هذه الأمة على الإطلاق، فهو صديق الأمة وخيرها بعد نبيها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال:(لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا).
(1) تقدم في ص 95.