الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إثبات شفاعته صلى الله عليه وسلم لأمته، وذكر الشفاعة الخاصة به]
وقوله: (والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما روي في الأخبار).
أي: الشفاعة التي ادخرها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة، كما صح بذلك الحديث فقد قال صلى الله عليه وسلم:(لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة ـ إن شاء الله ـ من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا)(1) فهذه الشفاعة في أهل الكبائر، وهي إحدى شفاعات نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فإن له صلى الله عليه وسلم عدة شفاعات:
أولها وأعظمها: شفاعته في أهل الموقف أن يقضى بينهم، وهي المقام المحمود الذي خصه الله به في قوله:((عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامَاً مَحْمُودَاً)) [الإسراء: 79]، وجاء في الحديث في الدعاء بعد الأذان: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، حَلَّت له شفاعتي يوم القيامة}. (2)
وقد تواترت الأحاديث (3) في ذكر استشفاع الناس بآدم وأولي العزم من الرسل أن يشفعوا لهم عند الله أن يريحهم مما هم فيه من الكرب والشدة وأهوال الموقف.
(1) رواه البخاري (6304)، مسلم (199) ـ واللفظ له ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (614) من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
قطف الأزهار المتناثرة ص 303، ونظم المتناثر ص 245.
وهذه الشفاعة لا ينكرها أحد من أهل البدع؛ لأنها لا تناقض شيئا من أصولهم.
والثانية: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فبعدما يجوزون الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار فإذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أذن لهم بدخول الجنة (1)، ثم إنهم لا يدخلون إلا بشفاعته صلى الله عليه وسلم (2).
وهاتان الشفاعتان خاصتان به صلى الله عليه وسلم.
والثالثة: شفاعته صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من عصاة الموحدين أن يخرج منها، وهذا جاء صريحا في الأحاديث، وأنه صلى الله عليه وسلم يشفع أربع مرات وفي كل مرة:(يسجد صلى الله عليه وسلم لربه ويدعو ويستشفع فيقال له: ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، ثم أشفع: فيَحُدُّ لي حدًا فأخرجهم من النار}. (3)
وتواترت الأحاديث (4) بأنه يخرج من النار بهذه الشفاعات من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال خردلة، أو شعيرة، أو بُرَّة أو ذرة من إيمان، وأنهم يخرجون من النار وقد صاروا حُمَمًا ـ أي: مثل الفحم ـ فَيُلْقَون في نهر بأفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فَيَنْبُتُون كما تنبت الحِبَّة في حميل السيل. (5)
وهذه الشفاعة في أهل التوحيد لا تختص بالرسول صلى الله عليه وسلم لكن له من ذلك النصيب الأكبر والأعظم، فمن يخرج بشفاعته صلى الله عليه وسلم أكثر ممن يخرج بشفاعة غيره، وإلا فإنه تشفع الملائكة، ويشفع النبيون، ويشفع المؤمنون
(1) رواه البخاري (2440) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم (195) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومعناه (196) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
رواه البخاري (6565)، ومسلم (193) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4)
الموضع السابق في المتواتر.
(5)
رواه البخاري (7439)، ومسلم (183) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
كل يشفع حسب ما يحد له، فإنه لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى. (1)
وهذه الشفاعة تنكرها الخوارج والمعتزلة (2)؛ لأنها تناقض مذهبهم في تخليد أهل الكبائر في النار، فهم يقولون: إن أهل الكبائر مخلدون في النار، ويستحيل أن يخرجوا منها، واستدلوا بمثل قوله تعالى:((فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)) [المدثر: 48]، ((مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ)) [غافر: 18].
والشفاعة في إخراج عصاة الموحدين هي التي أشار إليها المؤلف؛ لأنها هي محل النزاع بين أهل السنة والخوارج والمعتزلة.
والرابعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، فقد سأله عمه العباس رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: (نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)(3)
فأبو طالب بشفاعته صلى الله عليه وسلم صار من أهون أهل النار عذابا.
وبهذه يُعلم أن الشفاعة التي تذكر لها الشروط هي الشفاعة في خروج أهل التوحيد من النار، وهي متوقفة على شرطين:
إِذْنُ الله للشافع، ورضاه عن المشفوع له، وذلك بأن يكون من أهل التوحيد، قال تعالى:((وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئَاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)) [النجم: 26]، ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) [البقرة: 255]، ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)) [الأنبياء: 28]، فلا يرد على ذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أبي طالب؛ فإنها ليست شفاعة في خروجه من النار بل هي شفاعة في تخفيف العذاب عنه.
(1) المرجع السابق.
(2)
مجموع الفتاوى 1/ 116واقتضاء الصراط المستقيم 2/ 359.
(3)
رواه البخاري (6208)، ومسلم (209).