الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أهل السنة لا يكفرون بكل ذنب]
وقوله: (ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله).
عبارة المؤلف تقتضي أن أهل السنة لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بأي ذنب، والذنوب نوعان:
ذنوب من أنواع الردة؛ كالشرك وما في درجته، وهي أعظم الذنوب، وذنوب دون الشرك لا توجب الردة، وإذا أخذت عبارة المؤلف على إطلاقها فظاهرها أن كل من كان مسلما فإنه لا يكفر، بأي ذنب ارتكبه حتى ولو كان شركا، ولا ريب أن الطحاوي لم يقصد هذا، وإنما يقصد الذنوب التي دون الشرك.
ولهذا قال الشارح ابن أبي العز: (امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول: بأنا لا نكفر أحدًا بذنب؛ بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب)(1) فهذه هي العبارة الدقيقة، وتكون من سلب العموم، لا من عموم السلب؛ كعبارة الطحاوي ومضمون سلب العموم: أنا لا نكفر أحدًا من أهل القبلة بكل ذنب، إنما نكفره بالشرك وما في حكمه، ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بما دون ذلك، والله تعالى قد جعل الذنوب قسمين:((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء: 48] فنحن أهل السنة لا نكفر أحدا من أهل القبلة بشيء من الذنوب التي دون الشرك، خلافا للخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وقد يعدون ما ليس بذنب ذنبا فيكفرون به، والخوارج الذين ظهروا بهذه البدعة في عهد علي رضي الله عنه
(1) ص 433.
فقاتلهم، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم وندب إلى قتالهم، وذكر الأجر العظيم لمن قتلهم، (1)
إذًا؛ الذنوب فيها مكفر وغير مكفر؛ فكل ما هو من أنواع الردة فهو مكفر، كالشرك، والتكذيب بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو بالقرآن، وهناك ذنوب اختلف العلماء في كفر فاعلها؛ كترك الصلاة.
وقوله: (ما لم يستحله) أي: لا نكفره بهذا الذنب إلا أن يعتقد حله، فإن اعتقد حله كفر؛ كجحد وجوب الصلاة أو الحج أو صيام رمضان، وجحد تحريم المحرمات المعلوم حكمها بالضرورة من دين الإسلام؛ كتحريم الزنا، والخمر؛ لأنه يكون مكذبا للقرآن والسنة المتواترة، وما أجمع عليه المسلمون، ومن اعتقد حل ما حرمه الله مما تحريمه معلوم من دين الإسلام بالضرورة فهو كافر حتى ولو لم يفعله؛ لأنه ليس من شرط ثبوت الردة بالاستحلال فعل المكلف لما استحله من الحرام.
(1) صحيح البخاري (6930 - 6932)، وصحيح مسلم (1066).