الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إثبات صفة الإحاطة والفوقية لله تعالى]
وقوله: (محيط بكل شيء وفوقه)
محيط بكل شيء، وفوق كل شيء، الله تعالى وصف نفسه بالإحاطة في آيات كثيرة كقوله تعالى:((وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ)) [البروج: 20]، وفي الآية الأخرى:((وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)) [الأنفال: 47]، وقال سبحانه وتعالى:((لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَاً)) [الطلاق: 12]، هذا الذي جاء في القرآن الإحاطة العلمية، ومعناها: أنه لا يخرج عن علمه تعالى شيء، والشيء المحيط بغيره هو الذي يكون محيط به من جميع الجوانب، فعلم الله محيط بكل شيء، فهو تعالى محيط بكل شيء علما وقدرة ((إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [فصلت: 39]، ((وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [البقرة: 29].
أما الإحاطة الذاتية بمعنى أنها كإحاطة الفلك بما فيه فلا، فالله تعالى فوق كل شيء، وليس في ذاته شيء من مخلوقاته؛ بل هو بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته.
وقوله: (وفوقه) ذكر الشارح ابن أبي العز (1) أن في بعض النسخ (محيط بكل شيء فوقه) بدون واو، وحينئذٍ يكون المعنى: محيط بكل شيء فوق العرش.
وأما النسخة التي اعتمدها الشارح بإثبات الواو؛ (2) فتكون مفيدة
(1) ص 373.
(2)
وهي الصواب: وقد نقلها بإثبات الواو: الذهبي في العلو 2/ 1237، وابن القيم في اجتماع الجيوش ص 223.
لمعنىً آخر، وهو: أنه تعالى محيط بكل شيء، وفوق كل شيء، فتفيد الجملة أمرين: إثبات الإحاطة وإثبات الفوقية.
والفوقية قد جاء ذكرها في القرآن في مواضع مثل قوله تعالى: ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)) [الأنعام: 18]، وقال تعالى:((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ)) [النحل: 50]، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:(والله فوق العرش). (1)
والقول في الفوقية كالقول في العلو، فهي ثلاثة أنواع كالعلو:
علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر لكل شيء.
كذلك الفوقية يقال:
فوقية الذات، وفوقية القدر، وفوقية القهر.
ففوقية القدر هي: فوقية الصفات، والنزاع الذي بين أهل السنة والمبتدعة إنما هو في علو وفوقية الذات؛ فإن نفاة العلو والفوقية يفسرون علو الذات بعلو القدر، فيقولون: قوله تعالى: ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)) [الأنعام: 18] كقولك: الذهب فوق الفضة، من حيث القدر والقيمة.
وآيات الفوقية هي من جملة الأدلة على علو الله تعالى بذاته، فالله فوق عباده ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)) [الأنعام: 18]، وقال تعالى:((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ)) [النحل: 50]، وأدلة علو الله في ذاته على المخلوقات كثيرة جدا، وذكر ابن القيم (2) أنها أنواع، وكل نوع تحته أفراد، فمنها:
1 -
التصريح بوصفه تعالى بالعلو، كقوله تعالى:((وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)) [البقرة: 255] في آيات كثيرة.
2 -
التصريح بالفوقية ((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ)) [النحل: 50].
3 -
التصريح بأنه في السماء: ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) [الملك: 16] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تأمونني وأنا أمين من في السماء)(3).
(1) تقدم قبل صفحة: رواه أحمد 1/ 206، وأبو داود (4723) والترمذي (3320) ـ وقال: حسن غريب ـ، وابن ماجه (193) وابن خزيمة في التوحيد ص 101، والحاكم 2/ 412 و 500 ـ وصححه، وتعقبه الذهبي ـ من حديث العباس رضي الله عنه، وصححه الجوزجاني في الأباطيل 1/ 79، وقواه ابن تيمية في الحموية ص 222، ومناظرة الواسطية 3/ 192، وابن القيم في تهذيب السنن7/ 92.
(2)
الكافية الشافية ص 103، وإعلام الموقعين 2/ 281.
(3)
رواه البخاري (4351)، ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
4 -
الإخبار برفع بعض المخلوقات إليه: ((بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)) [النساء: 158].
5 -
الإخبار بعروج بعض المخلوقات إليه: ((تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ)) [المعارج: 4].
6 -
الإخبار بصعود بعض الأمور إليه: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)) [فاطر: 10].
7 -
الإخبار عن بعض المخلوقات بأنها عنده: ((إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ)) [الأعراف: 206]، ((وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ)) [الأنبياء: 19] ويستدل أهل السنة بهذا على العلو؛ لأن المبتدعة الذين ينفون علو الله يقولون: إنه في كل مكان، وإذا كان في كل مكان ـ تعالى الله عن ذلك ـ فلا تكون بعض المخلوقات عنده دون بعض؛ بل تصبح كل المخلوقات عنده؛ لأنه في كل مكان، فلا يختص الملائكة بقرب ولا يوجد قريب وبعيد!
إذًا؛ الله تعالى ليس في كل مكان، وإذا لم يكن في كل مكان ـ وهو كذلك ـ فلا بد أن يكون في أكمل الأمور والأحوال وهو العلو لا في السفل.
كما يستدلون بالسؤال عنه بـ (أين)؛ لأن من أدلة أهل السنة على إثبات علو الله على خلقه صحة السؤال عنه بـ (أين) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء)(1)، ونفاة العلو لا يجوز عندهم السؤال عن الله بـ (أين) إنما يُسأل بـ (أين) عمن هو في مكان، والله عندهم ليس في مكان، ويقولون المقولة التي فيها التضليل والتزوير:(كان الله ولا عرش، وهو على ما عليه كان) ويتوصلون بهذا التعبير إلى نفي الاستواء على العرش. (2)
(1) رواه مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه.
(2)
الاستقامة ص 137، وسير أعلام النبلاء 18/ 474، واجتماع الجيوش ص 275.
وإذا قلنا: إنه تعالى ليس في كل مكان؛ بل هو في العلو فليس معناه: أنه في مكان موجود محيط به؛ بل هو فوق العالم، وليس فوق العالم كله موجود إلا الله تعالى، فالله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقات؛ بل هو تعالى فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، فتضمن قول الطحاوي:(محيط بكل شيء وفوقه) إثبات صفة الإحاطة وإثبات العلو لله تعالى، وبين إثبات العرش وإثبات العلو تناسب؛ لأنه تعالى مستوٍ على العرش، بل نصوص إثبات الاستواء هي من جملة ما يستدل به على علو الله تعالى بذاته.