الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إثبات الغضب والرضا لله تعالى]
وقوله: (والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى)
يثبت المؤلف رحمه الله صفتي الغضب والرضى لله سبحانه كما أخبر تعالى عن نفسه، فقال سبحانه وتعالى:((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) [النساء: 93]، وقال سبحانه وتعالى:((وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)) [الفتح: 6]،
قال سبحانه وتعالى في اليهود: ((فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ)) [البقرة: 90] وقال صلى الله عليه وسلم: (اشتد غضبُ الله على قومٌ فعلوا بنبيه ـ يشير إلى رَبَاعِيَتِه ـ اشتد غضبُ الله على رجلٍ يقتُله رسولُ الله في سبيلِ الله)(1)، وقال صلى الله عليه وسلم:(من حلف على يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ هو فيها فاجرٌ لقي الله وهو عليه غضبان)(2) في حديث الشفاعة في الصحيحين أنَّ آدمَ نوحًا وإبراهيمَ وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام قال كل واحد منهم: (إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضبْ قبلَه مثلَه، ولنْ يغضبَ بعده مثلَه)(3).
وكذلك وصف الله تعالى نفسه بالرضا في آيات كثيرة، فقال سبحانه وتعالى:((رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)) [المائدة: 119]، وقال سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
(1) رواه البخاري (4073)، ومسلم (1793) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (4549)، ومسلم (138) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(3)
البخاري (4712)، ومسلم (194) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)) [النساء: 114]، وقال:((ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)) [محمد: 28]، وقال:((وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة: 72]، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: (أُحِلُ عليكم رِضْواني فلا أسْخَطُ عليكم بعده أبدًا)(1).
فدلت هذه النصوص من الكتاب والسنة على أنه تعالى يغضب ويرضى، كيف شاء، ورضاه وغضبه ليس كرضا المخلوق وغضب المخلوق، كما هي القاعدة المطردة في صفاته فهو تعالى يحب ويرضى ويسخط ويغضب، والمخلوق يوصف بهذه الصفات وليست صفاته تعالى كصفات المخلوق، ولا صفات المخلوق كصفاته، وهذا معنى قول الطحاوي:(لا كأحد من الورى) أي: الخلق، على حد قوله تعالى:((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى: 11] فقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى: 11] رد للتشبيه والتمثيل، وقوله:((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى: 11] رد للإلحاد والتعطيل، فليس سمعه كسمع المخلوق، ولا بصره كبصر المخلوق، ولا حبه كحبه، ولا سخطه كسخطه، ولا غضبه كغضبه، وأهل السنة والجماعة يثبتون الغضب والرضى لله تعالى، ويقولون: إنهما من صفاته الفعلية التابعة لمشيئته؛ فإنه سبحانه وتعالى يغضب إذا شاء على من شاء، ويرضى إذا شاء عمَّن شاء.
وخالف في ذلك المعطلة كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة (2) فنفوا حقيقة الغضب والرضى عن الله، وقالوا: إن إثبات هذه الصفات لله يستلزم التشبيه؛ لأنهم يفسرون الغضب: بأنه غليان دم القلب طلبا للانتقام، أو نحوه، ومن أجل ذلك نفوا حقيقة المحبة وحقيقة الرضا، وحقيقة الغضب والسخط والكراهة.
(1) البخاري (6549)، ومسلم (2829).
(2)
التدمرية ص 116، وشرح حديث النزول ص 112، ومجموع الفتاوى 5/ 249.
ثم منهم من فسر هذه الأمور بأشياء مخلوقة؛ ففسر المحبة والرضا بالنعم المخلوقة، وفسر الغضب والسخط والكراهة بالعقوبات التي ينزلها الله بالعصاة.
ومنهم من فسرها بالإرادة مثل الأشاعرة فسروا المحبة والرضا بإرادة الإنعام، والغضب والسخط والكراهة بإرادة الانتقام؛ لأن الإرادة مما يثبتونه من الصفات السبع.
أما أهل السنة والجماعة؛ فإنهم يثبتون هذه الصفات على حقيقتها لله تعالى على ما يليق به سبحانه، على الوجه الذي لا يماثل فيه صفات المخلوقين.
ومن الطوائف من أثبت الغضب والرضى لله تعالى، لكن قال: إنها صفات ذاتية قديمة لا تتعلق بها المشيئة كما ذهب إلى ذلك الكلابية، فقالوا: إنه تعالى يغضب ويرضى، لكن غضبه ورضاه لازمان لذاته؛ كحياته وعلمه، ولا يتعلقان بمشيئته.
وهذا باطل؛ بل هو تعالى يغضب ويرضى بمشيئته، ولغضبه ورضاه أسباب يحدثها سبحانه وتعالى.
وفي الحديثين السابقين: حديث الشفاعة: (إنَّ ربي غَضِب اليوم غضبا) رد عليهم؛ فهذا الحديث نص على أن هذا الغضب إنما كان في ذلك اليوم.
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه، وقول الله تعالى لأهل الجنة:(أُحِلُ عليكم رِضْواني فلا أسْخَطُ عليكم بعده أبدًا) دليل على أنه تعالى يحل رضوانه في ذلك الوقت، وأنه قد يحل رضوانه ثم يسخط، كما أنه تعالى يسخط ثم يرضى على من شاء من عباده.
وينبغي أن يعلم أنه لا تلازم بين محبته ورضاه، أو غضبه وسخطه تعالى وبين مشيئته، فليس كل ما شاءه الله يكون محبوبا له كما تزعم الجبرية؛ فعندهم: أن كل ما شاءه فقد أحبه، وكل شيء يجري بمشيئة الله؛ إذًا فكل شيء محبوب له!
وقابلهم القدريةُ نفاةُ القدر فقالوا: إن ما أحبه الله فقد شاءه، وما لا يحبه فلم يَشَأْهُ، فعندهم: أن كل ما أمر الله به من الإيمان والطاعة فقد شاءه، وكل ما نهى عنه وأبغضه من الكفر والمعاصي؛ فإنه لا يشاؤه.
فسوت الطائفتين بين المشيئة والمحبة، فالجبرية أثبتوا المشيئة على حقيقتها وجعلوا المحبة لازمة له، والمعتزلة أثبتوا المحبة، وجعلوها بمعنى المشيئة.
وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: لا تلازم بين المحبة والمشيئة؛ فإن الله يشاء ما لا يحب، فما يقع في الوجود من الأمور المسخوطة كالكفر والمعاصي؛ فإنه واقع بمشيئته سبحانه وتعالى وليست محبوبة له، وقد يحب سبحانه ما لا يشاء كالإيمان والطاعة ممن لم يوفقه لذلك، ولم يشأْه منه.
فتجتمع المحبة والمشيئة: في إيمان المؤمنِ وطاعة المطيعِ، فإيمانُ المؤمن وطاعةُ المطيع اجتمع فيهما المشيئة والإرادة، فهي واقعة بمشيئته سبحانه وتعالى، وهي محبوبة له.
وتنفرد المشيئة في كفر الكافر ومعصية العاصي، فهي واقعة بالمشيئة وليس ذلك محبوبا له تعالى.
وتفرد الإرادة الشرعية في ما لم يقع من الإيمان والطاعة، كما تقدم ذلك مفصلا (1).
(1) ص 42.