الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الإيمان بملك الموت وأعوانه]
وقوله: (ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين).
كذلك من الإيمان بالملائكة الإيمان بملك الموت، قال سبحانه وتعالى:((قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)) [السجدة: 11] والإيمان بمن معه من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وقد ذكر الله ذلك في كتابه، قال سبحانه وتعالى:((وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)) [الأنعام: 93]، وقال سبحانه وتعالى:((وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ)) [الأنفال: 50]، فأخبر أن الملائكة يتوفونهم، وقال سبحانه وتعالى:((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ)) [النحل: 28]، وقال:((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ)) [النحل: 32].
وكما دل القرآن على ذلك دلت السنة عليه، ففي الحديث الطويل حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون يعني بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان
بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، ـ إلى أن قال ـ وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السَّفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا
…
) (1)
الشاهد: أن السنة قد دلت على إثبات هذه الأصناف من الملائكة: ملك الموت وملائكة الرحمة وملائكة العذاب.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا! فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس! فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَفَ الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة
(1) رواه أحمد 4/ 287ـ واللفظ له ـ، وأبو داود (4753)، وصححه ابن خزيمة في التوحيد ص 119، وابن جرير في تهذيب الآثار ـ مسند عمر رضي الله عنه ـ 2/ 491 - ، والحاكم 1/ 37، من حديث البراء (مطولا، وصححه ـ أيضا ـ ابن القيم في الروح ص 88، وإعلام الموقعين 1/ 178، وتهذيب السنن 7/ 139.
وملائكة العذاب، فقالت: ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة». (1)
ويلاحظ أن التوفي جاء في القرآن منسوبا إلى الله: ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى)) [الزمر: 42].
ومنسوبا إلى ملك الموت: ((قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)) [السجدة: 11].
ومنسوبا إلى الملائكة: ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ)) [النحل: 28] فمن المتوفي إذًا؟
والجواب: أن الله سبحانه وتعالى هو المتوفي؛ لأنه سبحانه هو الذي أمر به وبمشيئته يكون، ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)) [الأنعام: 61] فالملائكة رسل من عند الله يرسلهم لقبض روح من شاء من عباده.
وأضيف التوفي إلى ملك الموت؛ لأنه هو الذي يتولى قبضَ النفسِ وأخذها أول ما تخرج من الجسد.
وأضيف إلى الملائكة باعتبار أنهم يقبضونها ويتولونها بعد ذلك.
فكلها حق، فنُسب التوفي إلى كلٍّ لثبوت ذلك على الوجه الذي يناسبه.
وإنها لآية عظيمة أنَّ هذه الأنفس الكثيرة التي تموت في اللحظة الواحدة يتوفاها ويتولاها ملك واحد، فهذا يفيدنا أن أمر الغيب لا تحيط
(1) البخاري (3470)، ومسلم (2766) ـ واللفظ له ـ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
به العقول البشرية، ولا يقاس على المحسوس، فلا ينفع أن تقيس الغائب على الشاهد.
وقد حدث في هذا العصر من المخترعات الباهرة ما يقرب بعض أمور الغيب؛ كالحاسوب، والشبكة المعلوماتية، وغيرها مما يرسل الصور والأصوات ويستقبلها مِن وإلى أمكان متباعدة.