الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إثبات العرش والكرسي، وغناه تعالى عن كل شيء]
وقوله: (والعرش والكرسي حق، وهو مستغن عن العرش وما دونه).
مما يجب الإيمان به عرش رب العالمين الذي تمدح الرب سبحانه وتعالى بربوبيته له، واستوائه عليه، فقال تعالى:((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وقال تعالى: ((رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)) [التوبة: 129]، ((ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)) [البروج: 15]، وأضافه تعالى إلى نفسه، فقال:((وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)) [الحاقة: 17].
وقد جاء ذكر العرش في القرآن في مواضع كثيرة.
وأخبر الله عن صفة العرش بأنه عرش عظيمٌ: ((رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)) [التوبة: 129]، وكريمٌ ((رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)) [المؤمنون: 116] ومجيدٌ على قراءة الجر ((ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ)) [البروج: 15]. (1)
وأخبر تعالى أن له حملة: ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ)) [غافر: 7]، ((وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)) [الحاقة: 17].
وأخبر سبحانه وتعالى عن استوائه على العرش في سبعة مواضع من القرآن (2)،
(1) هي قراءة حمزة والكسائي وخلف العاشر. التيسير ص 221، والنشر 2/ 339.
(2)
في سورة الأعراف آية 54، وسورة يونس آية 3، وسورة الرعد آية 2، وسورة طه آية 5، وسورة الفرقان آية 59، وسورة السجدة آية 4، وسورة الحديد آية 4.
وجاء في السنة وصف العرش بأنه فوق السماوات (1)، وكل هذا يجب الإيمان به من غير تحديد لكيفيته، فنحن لا نتصور كيفية العرش؛ لأنه غيب.
وأهل السنة والجماعة يثبتون العرش لله، ويثبتون استواء الله تعالى على العرش، ويثبتون كل ما ورد في صفة العرش، على أساس الإيمان بالله وبكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأما المعطلة نفاة الصفات كالجهمية والمعتزلة؛ فإنهم لا يثبتون حقيقة العرش التي دلت عليها النصوص، فيفسرون العرش بالملك، ويقولون:((اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [الأعراف: 54] استولى على الملك، فالعرش عبارة عن كل المخلوقات.
وُرد عليهم بأن هذا التفسير لا يستقيم مع ما ورد في وصف العرش بأن له حملة، قال تعالى:((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ)) [غافر: 7] أيكون معناه يحملون الملك؟! هذا لا يستقيم؛ لأن حملة العرش من جملة ملك الله، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:(فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)(2) فتفسير العرش بالملك من تحريفات أهل البدع.
وأما الكرسي فلم يرد في القرآن إلا في آية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (3)، وسميت بهذا لذكر الكرسي فيها:((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ)) [البقرة: 255] فأضاف الله الكرسي
(1) رواه أحمد 1/ 206، وأبو داود (4723) والترمذي (3320) ـ وقال: حسن غريب ـ، وابن ماجه (193) وابن خزيمة في التوحيد ص 101، والحاكم 2/ 412 و 500 ـ وصححه، وتعقبه الذهبي ـ من حديث العباس رضي الله عنه، وصححه الجوزجاني في الأباطيل 1/ 79، وقواه ابن تيمية في الحموية ص 222، ومناظرة الواسطية 3/ 192، وابن القيم في تهذيب السنن7/ 92، وجاء هذا المعنى في أحاديث أخر]، وأن له قوائم [روى البخاري (2412) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش» . الحديث.
(2)
رواه البخاري (2412) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
رواه مسلم (810).
إليه، وإضافة العرش والكرسي إليه تعالى من إضافة المخلوق إلى خالقه، وفي هذا تشريف للعرش والكرسي، وورد في السنة ذكر الكرسي، وأن العرش أعظم منه، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:(ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة)(1)، فالكرسي عظيم وواسع، ومع سعته فالعرش أعظم منه.
وقد اختلف المفسرون (2) في الكرسي المذكور في الآية فقيل: علم الله تعالى، وعلى هذا القول فلا يكون في الآية دلالة على إثبات الكرسي الذي هو شيء قائم بنفسه موصوف بسعته للسماوات والأرض.
وقيل: إن الكرسي هو العرش، وعلى هذا فليس هناك شيئان، فما هو إلا العرش.
وقيل: وهو الصحيح عن ابن عباس (3)، والمشهور من مذهب أهل السنة أن الكرسي مخلوق عظيم، وهو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى. (4) وهذا أرجح الأقوال في تفسير الكرسي.
وبهذا يتبين أن العرش أعظم من الكرسي بكثير، كما يظهر ذلك من ورود النصوص بذكر العرش وتنوعها، والله سبحانه وتعالى هو العلي العظيم، هو
(1) رواه بن حبان (361) وانظر: السلسلة الصحيحة (109).
(2)
تفسير الطبري 4/ 537 و 539.
(3)
السنة لعبد الله بن أحمد1/ 301، وصححه ابن خزيمة في التوحيد ص 107، والحاكم 2/ 282، والضياء في المختارة 10/ 311، وقال العلامة الأزهري في تهذيب اللغة10/ 33: الصحيح عن ابن عباس في الكرسي: ما رواه الثوري وغيره عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: «الكرسي موضع القدمين، وأما العرش فلا يُقدر قدره» . وهذه الرواية اتفق أهل العلم على صحتها، والذي عن ابن عباس في الكرسي أنه العلم فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار. وانظر: فتح الباري 8/ 199.
(4)
انظر: أصول السنة ص 96، والفتوى الحموية ص 351.
العلي بكل معاني العلو، فله العلو ذاتا وقدرا وقهرا، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، فالمخلوقات كلها صغيرة في جنب عظمته، قال تعالى:((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعَاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [الزمر: 67].
وقوله: (وهو مستغن عن العرش وما دونه).
خلق الله السماوات والأرض ثم استوى على العرشِ، واستواؤه تعالى على العرش لا يلزم منه حاجته إلى العرش؛ بل هو تعالى مستوٍ على العرش مع غناه عن العرش، وما دون العرش، هو تعالى الممسك للعرش، والسماوات والأرض، ((إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا)) [فاطر: 41]، ((وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) [الحج: 65] وليس استواؤه سبحانه على العرش كاستواء المخلوق على ظهر الفلك والأنعام ونحوها من المراكب، فالمخلوق مفتقر إلى ما هو مستو عليه مستقر عليه بحيث لو عثرت الدابة أو غرقت السفينة لسقط أو غرق المستوي عليها، فهو مفتقر إلى ما هو مستوٍ عليه، محتاج ومعتمد عليه، والله بخلاف ذلك، فاستواؤه على العرش لا يستلزم افتقاره ولا حاجته إلى العرش، بل هو مستغنٍ عن العرش وعن كل شيء، هو الغني سبحانه وتعالى عن كل ما سواه، والذين نفوا حقيقة الاستواء زعموا وتوهموا أنه إذا كان تعالى مستوٍ على العرش لزم أن يكون استواؤه كاستواء المخلوق على ظهر الفلك والأنعام، وهذا فهم باطل وقياس للخالق على المخلوق، ولا يظن ذلك إلا جاهل ضال، فاستواؤه على العرش صفة فعلية من جملة أفعاله، وليس هو كاستواء المخلوق، كما يقال مثل ذلك في سائر الصفات، فكما أن علمه تعالى ليس كعلمنا، ولا قدرته كقدرتنا، ولا سمعه وبصره ورؤيته مثلنا، كذلك استواؤه على العرش ليس كاستوائنا، بل صفاته مختصة به مناسبة له لا تماثل صفات المخلوقين.