الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
-]
وقوله: (ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا: لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهتدون)
من فروع ما يجب اعتقاده في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المسائل التي أردفها المؤلف لما قبلها، فذكر أولا: ما يجب لعموم الصحابة رضي الله عنهم من المحبة والاحترام وذكر المحاسن والكف عن المساوي إلخ، ثم قال:(ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا: لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه) هذا أيضا مما يقرروه، ويدين لله به أهل السنة: أنَّ الأحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، فيثبتونها له تفضيلا له وتقديما له على سائر الصحابة؛ فولايته للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عن أهلية واستحقاق، وليس أثباتهم لها واقعا فقط، كما تقول الرافضة؛ فالرافضة يقولون: الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر واقعا، لكن عندهم أن خلافته بغير حق.
فقول الطحاوي: (تفضيلا له) أي: هو الأحق بتولي الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أفضل الأمة، كما دلت على ذلك الأحاديث في فضل أبي بكر رضي الله عنه.
ثم اختلف الناس في خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، هل ثبتت بالنص أو بالاختيار؟
فمن أهل السنة من قال: إنها ثبتت بالنص الجلي.
ومنهم من قال: إنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة.
ومنهم من قال: إنها ثبتت بالاختيارـ أي ـ: باتفاق الصحابة رضي الله عنه (1).
وقد جاءت أدلة تدل على أن أبا بكر هو الأحق بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال وهو في مرض موته صلى الله عليه وسلم:«مُروا أبا بكر فليصلِ بالناس» (2) وكرره وأكده، وفعلا كان هو الإمام، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يصلي بهم، فتقديمه في إمامة الصلاة فيه التنبيه على أحقيته بالأمر من بعده؛ لأن هذا هو الأصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان هو إمام المسلمين عموما وخصوصا؛ فهو إمامهم في الصلاة، وهو إمامهم في تدبير أمورهم وولاية شؤونهم.
ومن ذلك أنه أراد في مرض موته أن يكتب لأبي بكر كتابا، فقال لعائشة رضي الله عنه:(لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون)(3).
وفي الحديث الصحيح: «أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ ـ كأنها تريد الموت ـ قال: إنْ لم تجديني فأتي أبا بكر» (4).
وما ثبت في الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلوٌ فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذَنُوبا أو ذَنُوبين وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غَرْبا
(1) منهاج السنة 1/ 486 - 526.
(2)
رواه البخاري (664)، ومسلم (418) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
رواه البخاري (5666)، ـ واللفظ له ـ ومسلم (2387) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
رواه البخاري (7220)، ومسلم (2386) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس يَنْزِع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعَطَنٍ) (1). أي: سقى للناس، وهذا ما وقع في خلافته من استقرار الأمر، وانتشار الإسلام، وكثرة الفتوح.
فتأولها أهل العلم (2) على أمر الولاية والخلافة من بعده صلى الله عليه وسلم، فأبو بكر ولي الأمر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم مدة قصيرة سنتين وأشهر، وحصل في ولايته خير كثير ومن أعظم ذلك تثبيت أمر الإسلام ودولته، وقتال المرتدين، ورد كثيرا منهم إلى الإسلام.
وأظهر الأقوال عندي فيما ثبت به أمر الخلافة هو أنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة؛ إذ ليس هناك نص جلي يقول: الخليفة من بعدي هو أبو بكر، لكن هذه النصوص بمجموعها تدل دلالة بينة على أن أبا بكر هو الأحق بالأمر، وأنه الخليفة من بعده صلى الله عليه وسلم، ثم وفق الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاختياره عندما اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وقال قائل منهم للمهاجرين:«منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر رضي الله عنه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فبايِعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال: عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس» (3).
ولم يخالف في ذلك من يعتد بخلافه، فلا نزاع بين الصحابة في أن أبا بكر رضي الله عنه أفضلهم، كما في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، قلت يا رسول الله:(أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم مَن؟ قال: عمر فَعَدَّ رجالا)(4).
فهو أحب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأَمَنِّهم عليه في صحبته وماله،
(1) رواه البخاري (3664)، ومسلم (2392) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
المنهاج 15/ 157، وفتح الباري 7/ 38.
(3)
رواه البخاري (3668) من حديث عائشة رضي الله عنها، وهذا اللفظ مختصر.
(4)
رواه البخاري (3662)، ومسلم (2384).
فهو أحق بالأمر من بعده؛ فلذلك كان من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الأحق بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر.
ولشيخ الإسلام رحمه الله في هذا الموضع جمع حسن، قال:«خلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم له بها، وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه، اختيارًا استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله، وأنه أحقهم بهذا الأمر عند الله ورسوله فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعا» (1).
وأما قول عمر رضي الله عنه: «إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2).
فقد حمل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستخلف بعهد مكتوب، ونص صريح كما تقدم.
وأهل السنة يثبتون الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه، وهذا موضع اتفاق، وكانت خلافته بعهد من أبي بكر، فانتقل أمر ولاية المسلمين إلى عمر رضي الله عنه، ولم يكن هناك أي اختلاف، ولا ريب أن عمر رضي الله عنه هو الأحق بالأمر من بعده، فهو قرينُه في النصوص الدالة على فضل أبي بكر رضي الله عنه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» (3) وكذلك في حديث الرؤيا المتقدم (4).
فأهل السنة يثبتون الخلافة لأبي بكر ثم عمر ولا ينازع في هذا إلا الرافضة، فالرافضة ينازعون في خلافة الخلفاء الثلاثة كلهم، وعندهم أن خلافتهم باطلة وظلم، واغتصاب للحق؛ لأنهم يزعمون أن الوصي
(1) منهاج السنة 1/ 524.
(2)
رواه البخاري (7218)، ومسلم (1823) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
رواه البخاري (3677)، ومسلم (2389) من حديث ابن عباس عن علي رضي الله عنهم.
(4)
ص 365.
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي رضي الله عنه، وأن الصحابة رضي الله عنهم ظلموه واغتصبوا حقه وجحدوا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم!
ولا نزاع بين أهل السنة في أن الأحق بالأمر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة على مراتبهم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم، ثم علي رضي الله عنه هو الأحق بالأمر بعد عثمان، فإن عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى بين الستة الذين قال:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنهم راض» (1)، فبعدما تشاورا وشاور عبدُ الرحمن الناسَ قال:«لم أرهم يعدلون بعثمان، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس: المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون» (2)، فتم الأمر واستقرت الخلافة لعثمان من بعد عمر رضي الله عنهما، وبعد الفتنة ومقتل عثمان لا أحد ينافس عليا رضي الله عنه في الفضل، ولا أحد يدعي أنه أحق بالأمر منه.
وأهل السنة والجماعة يرتبون الخلفاء في الفضل على ترتيبهم في الخلافة، فيقولون: أفضل هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وقد ثبت عن ابن عمر أنه قال:«كنا نُخَيِّرُ بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم» (3).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي، بعد اتفاقهم على أبي بكر وعمر أيهما أفضل، فقدَّم قومٌ عثمانَ، وسكتوا، أو ربَّعُوا بعلي، وقدَّم قومٌ عليا، وقوم توقفوا. لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، وإن كانت هذه المسألة ـ مسألة عثمان وعلي ـ ليست من الأصول التي يُضَلَّل المخالِف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يُضَلَّل المخالف فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ومن
(1) رواه البخاري (3700)، ومسلم (567).
(2)
رواه البخاري (7207) من حديث المِسْوَرِ بن مخرمة رضي الله عنهما.
(3)
رواه البخاري (3655) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة؛ فهو أضل من حمار أهله» (1).
وجاء عن بعض السلف أنه قال: «من قدَّم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار» (2).
أي: تنقصهم واستخف بعقولهم وسفه رأيهم؛ لأنهم أطبقوا على تولية عثمان، من طعن في خلافة عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، فهؤلاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون، وإذا أطلق الخلفاء الراشدون؛ فإنه ينصرف إليهم، فخلافتهم خلافة نبوة، وهذا لا ينفي أن يقال في بعض من ولي أمر المسلمين إنه خليفة راشد، كما قيل ذلك في عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
وعلي رضي الله عنه وإن لم يتم له الأمر على جميع المسلمين فهذا لا ينفي اعتباره من الخلفاء الراشدين، ولا ينفي أن تكون خلافته خلافة نبوة، لكن لا ريب أن خلافته ليست كخلافة مَن قبله في أثرها على الإسلام والمسلمين، كما أن عثمان رضي الله عنه دون عمر رضي الله عنه.
ولكن على كل حال هم الخلفاء الراشدون المهديون كما في الحديث المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعَضَّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة)(3).
واعتمد أهل العلم في اعتبار ما سنه الخلفاء على هذا الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم في أبي بكر وعمر: (اقتدوا بالذَيْنِ من بعدي أبي بكر وعمر)(4).
(1) الواسطية ص 260.
(2)
روي هذا عن أيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني رحمهم الله. السنة للخلال 2/ 392، ومجموع الفتاوى 4/ 426 و 435 ومنهاج السنة 2/ 73.
(3)
تقدم تخريجه في ص 273.
(4)
رواه أحمد 5/ 382، والترمذي (3662) ـ وقال: حسن ـ، وابن حبان (6902) والحاكم 3/ 75 من حديث حذيفة رضي الله عنه.
فأمر صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهما، واتباع سنة الخلفاء الراشدين، فكل ما سنُّوه مما لا يخالف ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن على الأمة أن يتبعوهم في سنتهم، فهم أحرى بالصواب من غيرهم، حتى قال بعض أهل العلم:«إن إجماع الخلفاء الأربعة حجة» (1)؛ لأنهم لا يكادون يجمعون على خطأ، ولا أذكر أنهم أجمعوا في مسألة وكان الصواب في خلافها.
(1) روضة الناظر 2/ 474، وأصول الفقه 2/ 412.