الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أشراط الساعة الكبرى]
وقوله: (ونؤمن بأشراط الساعة: من خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها).
أشراط الساعة: علاماتها، قال سبحانه وتعالى:((فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا)) [محمد: 18] أي: جاءت علاماتها، ومجيء أشراطها مؤذن باقترابها، والله تعالى قد نبه إلى قرب الساعة في مواضع من القرآن:((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)) [القمر: 1]((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا)) [الأحزاب: 63]((اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)) [الأنبياء: 1].
وأشراط الساعة كثيرة، أولها: مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه خاتم النبيين، وخَتْمُ النبوة مؤذن باقتراب نهاية الدنيا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة مما يكون بعده، وأهل العلم يعدون كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم مما يكون بعده من أشراط الساعة.
ومن ذلك ما جاء في حديث جبريل عليه السلام حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل! قال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: أنْ تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رِعاءَ الشاءِ يتطاولون في البنيان» (1).
فهذه بعض العلامات، وعلامات الساعة وأشراطها كثيرة، جاءت
(1) تقدم تخريجه في ص 201.
في عدد من الأحاديث من ذلك، حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال:«أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مَوْتان يأخذ فيكم كَقُعَاصِ الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا» (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (كقعاص الغنم) هو مرض يهلك الدواب، والمراد: موت عام يهلك به خلق كثير، و (بني الأصفر) أي: الروم.
وهذه العلامات منها ما وقع؛ كموته صلى الله عليه وسلم، وفتح بيت المقدس، واستفاضة المال، ومنها ما لم يقع.
وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على إثرها قريبا» (2).
وفي حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: «اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات؛ فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك: نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (3).
وهذه يسميها العلماء علامات الساعة الكبرى؛ لأن هذه الأحداث تكون قرب قيام الساعة، وقرب الساعة الذي ذكره الله ليس مقدرا بزمن،
(1) رواه البخاري (3176).
(2)
رواه مسلم (2941).
(3)
رواه مسلم (2901).
ولا يمكن لأحد أن يتخيل قدره، فقد يخطر ببال الناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده: إن الساعة بعد مائة أو مائتين أو ثلاثمائة سنة، ولكن مضى الآن أربعة عشر قرنا من الزمن، ولا ندري ماذا بقي؛ فإن موعد قيام الساعة من الخمس التي استأثر الله بعلمها، فلا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل:((ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً)) [الأعراف: 187].
ونص الإمام الطحاوي على أربع من هذه العلامات العشر: الدجال، ونزول المسيح، طلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض، وهذه العلامات منها ما ذكر في القرآن نصا أو إشارة، فأما خروج الدابة، فقد قال تعالى:((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)) [النمل: 82].
وأما طلوع الشمس من مغربها فقد أشير إليها في قوله سبحانه: ((يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)) [الأنعام: 158].
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» (1).
فهذا الحديث تفسير للبعض الذي في الآية وهو: طلوع الشمس من مغربها.
وهكذا نزول المسيح فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي بيده ليوشكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا؛ فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» (2).
(1) رواه البخاري (4635)، ومسلم (157) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (2222)، ومسلم (155) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ونزوله عيسى عليه السلام أشير إليه في القرآن، كما جاء في تفسير قوله تعالى:((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا)) [الزخرف: 61]
…
(1) وقرئ: (وإنه لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا)(2).
أما الدجال فلم يأت له ذكر في القرآن، وإنما تواترت بالإخبار عنه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم (3).
منها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنذر أمته المسيح الدجال فقال صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبيٍّ إلا أنذر قومه الأعور الكذاب، إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر» (4).
ومنها الدعاء الذي أرشدنا صلى الله عليه وسلم لقوله في كل صلاة فقال: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر؛ فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال» (5).
والإمام الطحاوي نص على هذه الأربعة؛ لأنها أمور عظيمة ومشتملة على خرق العادة.
وبين نزول المسيح وخروج الدجال تناسب؛ لأنهما حدثان في زمن متقارب، والمسيحُ ابن مريم مسيحُ الهدى يقتلُ المسيحَ الدجال مسيحَ الضلالة.
المقصود: أن أهل السنة يؤمنون بهذه الأمور الخارقة للعادة، فطلوع الشمس من مغربها أمر خارق للعادة، فمنذ خلق الله الشمس
(1) تفسير الطبري 20/ 631، والجامع لأحكام القرآن 19/ 69، وابن كثير 7/ 236، وأضواء البيان 7/ 280.
(2)
هذه قراءة شاذة، رويت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وعن غيرهم كالأعمش. انظر: الجامع لأحكام القران 19/ 70، والبحر المحيط 8/ 26، وإتحاف فضلاء البشر ص 496.
(3)
نظم المتناثر ص 240.
(4)
رواه البخاري (7408)، ومسلم (2933) من حديث أنس رضي الله عنه.
(5)
تقدم تخريجه في ص 296.
وأجراها وهي تأتي من المشرق وتذهب للمغرب، وفي طلوعها من المغرب خرق لهذه العادة، وهكذا خروج دابة الأرض التي تكلم الناس حدث عظيم وهو خارق للعادة، وخروج الدجال بما معه من خوارق حقيقية يجريها الله على يده فتنة وابتلاءً، ولهذا كانت فتنته أعظم فتنة، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الدجال إنه:«يأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت» وأنه «يمر بالخَرِبة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها» وأنه «يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَض، ثم يدعوه فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك» (1).
هذه كلها أحداث عظيمة، وأهل السنة يؤمنون بذلك كله تصديقا لخبر الصادق المَصْدُوق صلى الله عليه وسلم، أما الذين يحكمون عقولهم؛ فإنهم يستبعدون ذلك كله؛ فإما أن يكذبوا به، أو يتأولوه بأنواع التأويل، وليس هذا من أهل الضلال بغريب.
والعلم بأن هذا من أشراط الساعة ينبني على العلم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعلم بالواقع، فقد يكون الإنسان قد عرف أن من أشراط الساعة كذا وكذا، ولكنه لم يعلم بوقوعه، فكم من أشراط الساعة وعلاماتها وأحداث الزمان مما حدث وكثير من الناس غافل عنه؟!
فأشراط الساعة منها ما حدث وانقضى، ومنها ما سيحدث، ومنها ما حدث ويتكرر، ومنها العلامات الكبرى المذكورة في حديث حذيفة بن أسيد الذي تقدم (2).
(1) رواه مسلم (2137) من حديث النواس بن سَمعان رضي الله عنهما.
(2)
ص 400.