الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كلمة التوحيد وما تتضمنه]
قال المؤلف: (ولا إله غيره) هذه كلمة التوحيد، ولما سبق ذكر الاسم الشريف الذي هو لفظ الجلالة «الله» رد المؤلف الضمائر إلى ذلك الاسم الظاهر، وهذه الكلمة يأتي فيها ذكر الله بالاسم الظاهر، وبضمير المتكلم والخاطب والغائب، قال تعالى لموسى:((لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني)) [طه: 14]، وقال يونس عليه السلام:((لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) [الأنبياء: 87] وقال تعالى {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} [آل عمران: 18] فإذا خاطب الإنسان ربه قال: لا إله إلا أنت، وإذا كان يخبر يقول: لا إله إلا الله، أو يقول: لا إله إلا هو، أو يقول: لا إله غيره.
أما إذا أراد أن يذكر ربه فيقول: لا إله إلا الله، سبحان الله، والحمد لله فيأتي بالاسم الظاهر ((إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)) [الصافات: 35].
وأما الذكر باللفظ المفرد أو بالضمير فهو ذكر مبتدع كما يفعل الصوفية (1) يذكرون الله بالاسم المفرد (الله) ويكررونها، أو (هو) ويكررونها، ويعتبرون هذا ذكرا!
وهذا ذكر مبتدع باطل لغة وعقلا وشرعا، فقول:(هو هو) أو (الله الله) ليس فيه ذكر، ولا إيمان، ولا كفر، فكلمة (الله) وحدها لا تفيد حكما بالنسبة للعبد، فمن سمعناه يقول (الله) لا نقول: إنه يذكر ربه، ولا نقول: إنه يسبح.
(1) العبودية 10/ 226، وطريق الهجرتين ص 339.
فكلمة (الله) يقولها الموحد إذا جعلها في كلام مركب فيقول (سبحان الله) أو (لا إله إلا الله) أو (الله أكبر)، ويقولها الكافر إذا قال: الله لا وجود له، فيكون بهذا كافرا ملحدا.
إذًا؛ يجب أن يكون الذكر بالجملة التامة: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر.
(لا إله غيره) إله على وزن فِعال بمعنى مَفعول، مثل كتاب بمعنى مكتوب، فإله بمعنى مألوه، من أَله يَأله بمعنى عَبَد، فمعنى (لا إله إلا الله) أي: لا معبودَ إلا الله، أو لا معبودَ غيرُ الله، لكن يرد على هذا بأن في الكون معبودات كثيرة مثل آلهة المشركين، قال تعالى:((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)) [الكافرون: 1 - 2]، وقال تعالى:((أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا)) [ص: 5] فلهم معبودات، إذًا؛ هذا التقدير لا يستقيم، والصواب أن يُقدَّر: لا إله حق، أو: لا معبود بحق، أما المعبودات بباطل؛ فهي منتشرة في الأرض، كل طائفة لهم معبود، ويقول الله تعالى لهم يوم القيامة:«لتتبع كل أمة ما كانت تعبد» (1).، فمنهم من يعبد الشمس، ومنهم من يعبد القمر، ومنهم من يعبد البقر، ومنهم من يعبد الأصنام المختلفة، ومنهم من يعبد الصليب، لكن لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.
إذًا؛ هذه الجملة مركبة من النفي والإثبات، نفي الإلهية بحق عن كل أحد إلا الله، فالله تعالى هو الإله الحق، وكل معبود سواه باطل، قال تعالى:((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)) [الحج: 62] فالنفي هو الكفر بالطاغوت، والإثبات هو الإيمان بالله قال تعالى:((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)) [البقرة: 256].
(1) رواه البخاري (4581)، ومسلم (183) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(لا إله إلا الله) بما تتضمنه من إيمان وكفر، تتضمن الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، وتتضمن التولي لله ومحبته وإجلاله، والبراءة من كل معبود سواه كما قال الخليل لأبيه وقومه:((إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)) [الزخرف: 26 - 27] وفي آية أخرى يقول: ((أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء: 75 - 77]، وقال تعالى:((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل: 36] فما بعث الله به رسله متضمن لمضمون هذه الكلمات، فقوله تعالى:((اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل: 36] هو معنى (لا إله إلا الله) فـ (اعبدوا الله) مقتضى الإثبات، و (اجتنبوا الطاغوت) مقتضى النفي، فتضمنت هذه الآية (أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) آمنوا بالله وخصوه بالعبادة، واجتنبوا عبادة ما سواه واكفروا به.