الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إثبات الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم]
وقوله: (والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق).
الميثاق عهد مؤكد، قال الله تعالى:((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)) [آل عمران: 187]، ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ)) [آل عمران: 81]، ((وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)) [المائدة: 12].
الميثاق: العهد الذي أخذه الله على آدم وذريته يوم استخرجهم من ظهره مثل الذر، ثم استنطقهم فقال:((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)) [الأعراف: 172]، وهذا الميثاق استُدِل له بقوله تعالى:((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)) [الأعراف: 172] الآيات، واستُدِل له بأحاديث عديدة جاءت في المسند والسنن (1) وفيها: أن الله تعالى مسح ظهر آدم واستخرج ذريته أمثال الذر، وفي بعضها: أن الله استنطقهم ((وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)) فقال: ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)).
والأحاديث التي فيها استخراج ذرية آدم من ظهره كثيرة (2)، وبعضها
(1) أحمد 1/ 44، وأبو داود (4703)، والترمذي (3075)، والنسائي في الكبرى (11190) وابن حبان (6166) والحاكم 1/ 27 من حديث عمر رضي الله عنه، ورواه أحمد 1/ 272، والنسائي في الكبرى (11191) والحاكم 1/ 27من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
انظرها وبعض الكلام عليها في: الروح ص 245 وتفسير ابن كثير 3/ 501، والدر المنثور 3/ 598، وانظر: السلسلة الصحيحة (1623).
يشهد لبعض؛ لكن الرواية التي فيها أنه استنطقهم وأشهدهم على أنفسهم فيها مقال لأهل الحديث؛ فمنهم من لا يثبت هذه الرواية كما ذكر الشارح ابن أبي العز (1)، وأصح ما ورد في شأن الميثاق الحديث الذي في الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك). (2)
الشاهد: (قد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك)، هذا أصح ما استدل به على الميثاق الأول.
ومن الناس من لا يثبت هذا الميثاق ويقول: هذا الميثاق لا يذكره أحد من الناس، وليس فيه حجة على أحد.
والجواب عن هذا: نعم ليس حجة وحده، ولا يستوجب من خالفه بمجرده العذاب، إنما يستوجب العذاب من جاءته الرسل، وبلَغَتْه دعوة الحق.
وأما الآية ففيها نزاع، هل هي في الميثاق الأول الذي أخذه الله على آدم وذريته يوم استخرجهم من ظهره؟
في ذلك رأيان:
أكثر المفسرين على أنها في هذا الشأن.
ومنهم من يرى أنها في معنى آخر، وأن المراد منها ميثاق الفطرة التي فطر الله عليها عباده.
ورجح ذلك ابن القيم بوجوه (3)، منها:
(1) ص 310.
(2)
البخاري (3334)، ومسلم (2805).
(3)
الروح ص 260.
أن الله تعالى قال: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ)) ولم يقل: من آدم.
وقال تعالى: ((مِنْ ظُهُورِهِمْ)) ولم يقل: من ظهره.
وقال تعالى: ((ذُرِّيَّتَهُمْ)) ولم يقل: ذريته.
والمراد استخراجهم جيلا بعد جيل، من ظهور آبائهم ((وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ)) بما نصبه من الأدلة على ربوبيته سبحانه وإلهيته، وفطر عباده على وحدانيته، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من مولود إلا يولد على الفطرة)(1).
فالآية في ميثاق الفطرة، ومع ذلك هذا الميثاق لم يجعله الله بمجرده هو الحجة على العباد، نعم هو من جملة الحجج؛ لكن الحجة الكبرى هي: إرسال الرسل، قال تعالى:((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَاً)) [الإسراء: 15] وقال سبحانه: ((رُسُلَاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) [النساء: 165]، فبالرسل قطع الله المعذرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين)(2)، فالحجةُ القاطعةُ لحجةِ العباد على ربهم هي: إرسال الرسل، وما هذه المواثيق، وهذه الآيات إلا من حجج الرسل عليهم، ولهذا يحتج الرسل على أممهم فيما أنكروه بما أقروا به، فيحتجون عليهم بإقرارهم بربوبيته تعالى، وأنه خالقهم وخالق السماوات والأرض يحتجون عليهم بهذا الإقرار على وجوب عبادته تعالى وحده دون ما سواه ((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) [الأعراف: 59].
ومما تقدم يتبين أن ما ذكر الله هو موجب الدليل، كما في حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين (3)، وكما دلت عليه الشواهد من الأحاديث
(1) رواه البخاري (1358)، ومسلم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (7416)، ومسلم (1499) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه ص 159.
الأخرى، فالميثاق الأول حق، ولكن ليس هو الحجة القاطعة للمعذرة على المكلفين، وإنما هو مما يَحْتَجُ به الرسل على أممهم، وذلك بتذكيرهم إياه وإخبارهم به.