الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[دوام الرب تعالى أزلا وأبدا]
قوله: (قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام)
لما ذكر الإمام الطحاوي بعض ما يجب تنزيه الله تعالى عنه من: الشريك والشبيه والعَجْر، ذكر أنَّ مما يجب إثباته لله القِدم والدوام ـ أي ـ دوام الوجود أزلا وأبدا، فهو تعالى دائم أزلا وأبدا، فلا ابتداء ولا نهاية لوجوده.
والقديم في اللغة ضد الحديث، كما قال تعالى:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39]، وقال عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم:{قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ} [الشعراء: 75 و 76]، وأصل القديم المتقدم على غيره فيشمل التقدم المطلق، والتقدم النسبي؛ فالتقدم النسبي للمخلوقات فبعضها متقدم على بعض، وأما التقدم المطلق فهو لله تعالى، فهو سابق في وجوده لكل شيء، ولا بداية لوجوده، ولهذا احتاج المؤلف أن يقول:(بلا ابتداء). ويقال: أزلي، فالأزل: هو الماضي الذي لا حد له، فالأزل والأبد متقابلان هذا في الماضي، وهذا في المستقبل.
وهذان الوصفان حق؛ فالله تعالى دائم البقاء أزلا وأبدا، لكن ليس هذان الاسمان من أسمائه الحسنى التي يثنى عليه بها، ويدعى بها، فلا يقال: يا قديم، أو سبحان القديم، كما لا يقال: يا موجود، أو سبحان الموجود؛ فإن هذا لا يحصل به التخصيص والتعيين؛ بل يقال: سبحان الله، سبحان ذي الملك والملكوت، والعزة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت.
فإن القديم والدائم لم يردا في الكتاب والسنة، وإنما الوارد: الأول والآخر، كما قال تعالى:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]، وفي السنة ـ في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ـ:«اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء» ، (1) وهذا الحديث يفسر الآية.
فهذان اسمان من أسمائه الحسنى التي سمى الله بها نفسه، وسماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق به.
وغلب على أهل الكلام إطلاق لفظ (القديم) على الله تعالى فيقولون: هذا يجوز على القديم، وهذا لا يجوز على القديم؛ فجعلوه اسما لله تعالى، وهذا من أغلاطهم، والواجب أن يقولوا: هذا يجوز على الله؛ فالله هو اسم رب العالمين.
لكن القديم والدائم يصح الأخبار بهما عن الله مثل أن تقول: الله موجود، والله شيء، والله له ذات، والله قديم، والله دائم، لكن لا تقل: من أسمائه (قديم) بل من أسمائه (الأول) قال تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ففي الدعاء إنما يدعى الله بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم (2).
قوله: (لا يفنى ولا يبيد) هذه تأكيد لقوله (بلا انتهاء) ومن أجل تحصيل السجع مع ما بعده، والفناء والبيد معناهما واحد قال تعالى:((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)) [الرحمن: 26]، وقال الكافر صاحب الجنة:((مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا)) [الكهف: 35]، (لا يفنى ولا يبيد) سبحانه، وإنما الذي يفنى الخلق.
(1) رواه مسلم (2713) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
مجموع الفتاوى 6/ 142.