الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مذهب أهل السنة في الصلاة خلف المسلمين، وعلى موتاهم]
وقوله: (ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم).
(ونرى) نحن أهل السنة؛ لأن العقيدة بها تقرير منهج أهل السنة (الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة) أي: من المسلمين، والبر: الصالح التقي. والفاجر: الفاسق الذي ظهر فسقه وفجوره بما ارتكب من ذنوب.
أي: أننا لا نعطل الجمع والجماعات، وصلاة العيدين من أجل فجور أو فسق الإمام؛ فإن هذه شرائع وشعائر ظاهرة، والأصل أن صلاة الفاجر والفاسق صحيحة، ومن الأدلة العامة على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأئمة:(يصلون لكم؛ فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم)(1)؛ لأن فسوق الفاسق وفجور الفاجر عليه ولا يضرك.
ومن الدليل على هذا الأصل ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، فقد كانوا يصلون خلف الولاة مع جورهم وظلمهم كما صلى ابن عمر رضي الله عنهما خلف الحجاج بن يوسف المعروف بظلمه، (2) وفي الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا كانت
(1) رقم (694).
(2)
رواه البخاري (1660)، وانظر: فتح الباري لابن رجب 6/ 186 - 195.
عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صَلِّ الصلاة لوقتها؛ فإن أدركتها معهم فَصَلِّ؛ فإنها لك نافلة) (1) فهذا يدل على صحة الصلاة خلفهم؛ لأنها تصح نافلة.
وترك إقامة الجمع والأعياد خلف الإمام لفجوره من منهج المبتدعة، ولهذا نص أهل العلم على هذه المسألة في هذا الباب، وإلا فالأصل أن هذه المسألة عملية من الأحكام الفقهية؛ لكن لما لم يكن الخلاف في هذا بين أهل السنة؛ بل أجمعوا على الصلاة خلف الأئمة أبرارا كانوا أم فجارا، نصوا عليه في بيان أصول ومنهج أهل السنة؛ لكن إذا كان هناك إمام عدل وفاسق، فالذي ينبغي الصلاة خلف العدل، وأما الصلاة خلف الفاسق؛ فإنها صحيحة كما قلنا؛ لكن ينبغي هجر وترك الصلاة خلفه إذا أمكن أن يُصلى خلف غيره؛ بل ينبغي السعي في عزله إذا أمكن ذلك بدون مفسدة؛ لأنه لا يجوز تولية الفاجر والفاسق في الإمامة، فمن له قدرة على عزله وإبداله بالعدل وجب عليه، وهذا من إنكار المنكر، لكن محل قولنا:(يُصلى خلفه) إذا لمن تمكن الصلاة خلف غيره، أما إذا أمكنت الصلاة خلف غيره فهي الأولى، وأولى من الصلاة خلف الفاجر الصلاة خلف المخالف في المذهب، فيجوز أن تصلي خلف من يخالفك في بعض أحكام الصلاة، فيجوز أن تصلي خلف من يرى أن أكل لحم الجزور غير ناقض، وأنت تعتقد أن أكل لحم الإبل ناقض، فأنت لو أكلت لحم الجزور لرأيت أن صلاتك لا تصح بدون وضوء، لكن هذا صاحب المذهب الآخر صلاته صحيحة؛ لأن هذا الذي أداه إليه علمه واجتهاده، فلا تُترك الصلاة للخلاف المذهبي في بعض شروط الصلاة؛ لأن في ترك الصلاة لذلك تفريق بين المسلمين، وهذه مفسدة كبرى، وفساد عريض، فلا تترك الصلاة خلف مخالفك في المذهب فيجوز للحنبلي أن يصلي خلف الحنفي أو المالكي أو الشافعي، وكذا العكس.
(1) رواه مسلم (648).
وقوله: (من أهل القبلة) أي: من المسلمين.
أما من ظهر ـ والعياذ بالله ـ منه ما يوجب ردته فلا يصلى خلفه، وإن كان ينتسب للإسلام، ومن هذا النوع: القبوريون الذين يدعون الأموات، كالرافضة فهم قبورية مشركون، يدعون عليًا والحسين رضي الله عنهما وغيرَهما، ويستغيثون بهم في الشدائد.
وقوله: (وعلى من مات منهم).
أي: ونرى صلاة الجنازة على من مات من المسلمين، فإن الصلاة على الميت فرض كفاية، وهي مستحبة لغير من تحصل بهم الكفاية، وقد رُوي حديثٌ ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم:(صلوا على من قال: لا إله إلا الله، وصلوا خلف من قال: لا إله إلا الله)(1) لكن معناه صحيح دلت عليه نصوص أخرى.
ويخص من هذا شهيد في المعركة على خلاف في ذلك؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصلِّ عليهم» (2)، كما أنه ينبغي للإمام والعالم والرجل الصالح المشهور أن يترك الصلاة على الفجار والفساق زجرا عن حالهم وأعمالهم، ودليل هذا حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:«أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه فلم يصلِّ عليه» (3)، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك الصلاة على من مات وعليه دين لم يترك له وفاء (4)، زجرا عن تحمل الديون من غير أن يكون لها وفاء.
(1) رواه الدارقطني في سننه (1761 - 1763) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقال: ليس يثبت منها شيء، وضعفها البيهقي السنن الكبرى 4/ 19، وانظر: نصب الراية 2/ 27، والتلخيص الحبير 2/ 934.
(2)
رواه البخاري (1343) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(3)
رواه مسلم (978).
(4)
رواه البخاري (6731)، ومسلم (1619) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.