المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الإيمان بالأصول الخمسة، وتفصيل الإيمان باليوم الآخر] - شرح العقيدة الطحاوية - البراك

[عبد الرحمن بن ناصر البراك]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌[ترجمة الإمام الطحاوي]

- ‌[ترجمة الشيخ عبد الرحمن البراك]

- ‌[المقدمة]

- ‌[قول أهل السنة في التوحيد]

- ‌[أقسام التوحيد]

- ‌[نفي المثل عن الله تعالى]

- ‌[نفي العجر عن الله تعالى]

- ‌[كلمة التوحيد وما تتضمنه]

- ‌[دوام الرب تعالى أزلا وأبدا]

- ‌[إثبات الإرادة لله تعالى]

- ‌[تنزيه الله تعالى عن الإحاطة به]

- ‌[تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه]

- ‌[إثبات الحياة والقيومية لله تعالى]

- ‌[تنزيه الله تعالى عن الحاجة والخوف والمشقة]

- ‌[إثبات الكمال المطلق لله تعالى أزلا وأبدا]

- ‌[صفات الله نوعان: ذاتية وفعلية]

- ‌[وصف الله تعالى بالخالق والبارئ قبل خلقه للخلق]

- ‌[إثبات كمال قدرته وغناه تعالى، وفقر خلقه إليه]

- ‌[إثبات صفاته تعالى، ونفي مماثلته للمخلوقات]

- ‌[إثبات علم الله تعالى، وتقديره الأقدار، وضربه الآجال]

- ‌[وجوب الإيمان بالشرع والقدر]

- ‌[إثبات عموم مشيئة الله تعالى]

- ‌[إثبات الحكمة لله تعالى في أفعاله]

- ‌[تنزيه الله تعالى أن يكون ضد أو ند]

- ‌[نفاذ قضائه وحكمه تعالى]

- ‌[وجوب اعتقاد أن محمدا عبد الله ورسوله، وذكر ما تثبت به النبوة]

- ‌[من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء، وسيد المرسلين]

- ‌[إثبات الخلة له صلى الله عليه وسلم كإبراهيم عليه السلام]

- ‌[حكم دعوى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌[عموم بعثته صلى الله عليه وسلم للجن والأنس]

- ‌[فضل رسالته، وكمال شريعته صلى الله عليه وسلم

- ‌[عقيدة أهل السنة في القرآن، والرد على المخالفين]

- ‌[إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة]

- ‌[وجوب التصديق بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على مراده]

- ‌[وجوب التسليم لحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتقديمه على الآراء]

- ‌[سوء عاقبة من لم يسلم لخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌[مذهب أهل السنة في إثبات الصفات وسط بين المعطلة والمشبهة]

- ‌[الواجب في الألفاظ المحدثة في صفاته تعالى]

- ‌[مذهب أهل السنة والجماعة في الإسراء والمعراج]

- ‌[إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌[إثبات شفاعته صلى الله عليه وسلم لأمته، وذكر الشفاعة الخاصة به]

- ‌[إثبات الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم]

- ‌[وجوب الإيمان بالقدر بمراتبه الأربع]

- ‌[عجز الخلق عن معرفة حِكَمِ وأسرار القدر]

- ‌[البحث في أسرار القدر سبب للضلال]

- ‌[وجوب التمسك بالكتاب والسنة، وترك الخوض فيما طوي عنا علمه]

- ‌[الإيمان باللوح والقلم]

- ‌[إثبات العرش والكرسي، وغناه تعالى عن كل شيء]

- ‌[إثبات صفة الإحاطة والفوقية لله تعالى]

- ‌[عجز الخلق عن الإحاطة بالله تعالى]

- ‌[إثبات صفة الخلة والتكليم لله تعالى]

- ‌[وجوب الإيمان بالملائكة والأنبياء والكتب]

- ‌[تسمية أهل القبلة بالمسلمين]

- ‌[أهل السنة لا يتكلمون في الله ودينه وكتابه بغير علم]

- ‌[أهل السنة لا يكفرون بكل ذنب]

- ‌[تأثير الذنوب على الإيمان]

- ‌[الرجاء للمحسنين، والخوف على المسيئين]

- ‌[مذهب أهل السنة وسط بين الوعيدية والمرجئة]

- ‌[ما يخرج به المسلم من الإيمان]

- ‌[مذاهب الفِرَقِ في مسمى الإيمان]

- ‌[وجوب الإيمان والعمل بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[زيادة الإيمان ونقصانه]

- ‌[ولاية الله وبم تكون

- ‌[الإيمان بالأصول الخمسة، وتفصيل الإيمان باليوم الآخر]

- ‌[الإيمان بالقدر خيره وشره]

- ‌[حكم أهل الكبائر في الآخرة]

- ‌[مذهب أهل السنة في الصلاة خلف المسلمين، وعلى موتاهم]

- ‌[لا يشهد لمعين من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا بحجة]

- ‌[عصمة دماء المسلمين]

- ‌[وجوب السمع والطاعة بالمعروف لولاة الأمر، وتحريم الخروج عليهم]

- ‌[وجوب إتباع الكتاب والسنة وتجنب الشذوذ والفرقة]

- ‌[حب أهل العدل وبغض أهل الجور]

- ‌[تفويض العلم فيما خفي على العبد إلى الله]

- ‌[من مذهب أهل السنة المسح على الخفين]

- ‌[الحج والجهاد مع الأئمة برهم وفاجرهم]

- ‌[الإيمان بالكرام الكاتبين]

- ‌[الإيمان بملك الموت وأعوانه]

- ‌[الكلام على الروح وبعض متعلقاتها]

- ‌[وجوب الإيمان بفتنة القبر وعذابه ونعيمه]

- ‌[الإيمان بالبعث والجزاء]

- ‌[الإيمان بالعرض والحساب، والصراط والميزان]

- ‌[خلق الجنة والنار وبقاؤهما]

- ‌[الرعد: 35]، وقال تعالى: ((إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ)) [ص: 54]، وقال تعالى: ((عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)) [هود: 108]، وقال تعالى: ((يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)) [التوبة: 21 - 22]

- ‌[سبق القدر فيمن يصير إلى الجنة، ومن يصير إلى النار]

- ‌[كل شيء بقدر]

- ‌[أنواع الاستطاعة]

- ‌[خلق الله لأفعل العباد]

- ‌[كل ما يجري في الكون بمشيئة الله]

- ‌[انتفاع الأموات بعمل الأحياء]

- ‌[إجابة الله لدعاء عباده]

- ‌[إثبات الغضب والرضا لله تعالى]

- ‌[منهج أهل السنة في الصحابة]

- ‌[الأحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[العشرة المبشرون بالجنة]

- ‌[منهج أهل السنة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته]

- ‌[احترام علماء الأمة من السلف ومن اقتفى أثرهم]

- ‌[مرتبة الولاية دون النبوة]

- ‌[منهج أهل السنة في كرامات الأولياء]

- ‌[أشراط الساعة الكبرى]

- ‌[وجوب الحذر من تصديق الكهان والعرافين ونحوهم من المخالفين]

- ‌[من منهج أهل السنة لزوم الجماعة والحذر من الفرقة]

- ‌[وسطية دين الإسلام]

- ‌[براءة أهل السنة من المذاهب المبتدعة]

الفصل: ‌[الإيمان بالأصول الخمسة، وتفصيل الإيمان باليوم الآخر]

[الإيمان بالأصول الخمسة، وتفصيل الإيمان باليوم الآخر]

وقوله: (والإيمان: هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر).

فسر الطحاوي الإيمان في هذا الموضع بما فسره به النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث جبريل (1)، فهذه الأصول الستة هي: أركان الإيمان، أو أصوله، أو أصول الاعتقاد: الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر، وهذا هو الإيمان بالمعنى الخاص، فإن الإيمان يُطلق إطلاقين:

إطلاقا عاما يشمل جميع أمور الدين العلمية والعملية، فهو اعتقاد، وقول، وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح.

ويطلق إطلاقا خاصا ويراد به هذا الأصول الستة.

وهذا هو ما يفسر به الإيمان إذا قرن بالإسلام، كما في حديث جبريل حينما سأله عن الإسلام، ثم سأله عن الإيمان، ففسر الإسلام بمبانيه الخمس، وفسر الإيمان بأصوله الست، وقال الطحاوي فيما تقدم:(الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان)(2)، وهنا قال: (الإيمان هو الإيمان بالله

) فيما تقدم أراد أن يبين مسمى الإيمان،

(1) تقدم تخريجه في ص 201.

(2)

ص 227.

ص: 239

وأنه يكون بتصديق بالقلب وبالإقرار، وهنا أراد أن يفسر الإيمان ببيان ما يتعلق به فالتصديق بالجنان والإقرار باللسان، بأي شيء؟ فكأنه يقول: الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان بهذه الأمور الستة، وهذه الأصول الستة هي أصول اعتقاد أهل السنة، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مطلع العقيدة الواسطية:«فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة ـ أهل السنة والجماعة ـ: الإيمان بالله وملائكته ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره» (1)، فالإيمان بهذه الأصول إجمالا فرض عين على كل مكلف، أما الإيمان والعلم بهذه الأصول تفصيلا فهو من فروض الكفاية؛ لكن من علم بشيء من علم التفصيل؛ وجب عليه الإيمان به، وهذا الكلام فيه تكرار؛ لأن الطحاوي رحمه الله ذكر الأصول الثلاثة فيما تقدم بقوله:(ونؤمن بالملائكة، والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين)(2) وسبق الكلام على هذه الأصول الثلاثة: الملائكة والكتب والرسل هناك، وتقدم ما يتعلق بالإيمان بالله عند قوله:(إن الله واحد لا شريك له)(3).

وأما الإيمان باليوم الآخر، فهو الأصل الخامس من أصول الإيمان، وقد ذكره الله في كتابه وفصَّل الخبر عنه تفصيلا عظيما، لم يتقدم مثله في كتاب من كتب الله المنزلة، فذكر الله الإيمان باليوم الآخر على سبيل الإجمال، كما في قوله تعالى {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)) [البقرة: 177]، ((وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيدًا)) [النساء: 136].

أما التفصيل؛ فكثير جدا؛ فسورة الواقعة والحاقة والتكوير

(1) الواسطية ص 21.

(2)

ص 201.

(3)

ص 22.

ص: 240

والانفطار والانشقاق والزلزلة والقارعة كلها في شأن القيامة وما يجري في ذلك اليوم من التغيرات والتحولات، ولهذا اليوم أسماء متعددة: يوم القيامة، والحاقة، والغاشية، والصاخة، والطامة الكبرى، ويوم الحساب، ويوم النشور، والساعة، ويوم الدين.

ويدخل في الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بعد الموت، من فتنة القبر وعذاب القبر، والإيمان بالقيامة الكبرى، والمراد بها: قيام الناس من قبورهم وبعثهم ونشرهم، قال تعالى:((إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعَاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ)) [ق: 43 - 44]، ومن الخبر المفصل عن اليوم الآخر قوله تعالى:((وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ)) [الروم: 14 - 16] وقوله تعالى: ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئَاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) [الأنبياء: 47].

ومن أهم ما يجب الإيمان به من أمر اليوم الآخر هو الإيمان بالبعث، والجنة والنار؛ لأن البعث هو الذي أنكره الكفار من عهد نوح إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم ولا يؤمن به إلا المنتسبون إلى دين الرسل، كاليهود والنصارى؛ لكن اعتقادهم للبعث فيه خلل؛ لكن بعث الناس من قبورهم هذا قدر مشترك، يؤمن به جميع المسلمين، ولا ينكره إلا الخارجون عن أديان الرسل، ولهذا المكذبون للرسل مكذبون باليوم الآخر، قال تعالى:((ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابَاً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)) [ق: 1 - 3]، ثم جاء الرد عليهم في نفس السورة فالسورة من أولها إلى آخرها في شأن القيامة، وهذا المعنى ثُنِّي في القرآن كثيرا، وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع:((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ)) [التغابن: 7]،

ص: 241

((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ)) [سبأ: 3]، ((وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)) [يونس: 53]، فحكى الله إنكار الكفار للبعث والنشور ومعاد الأجساد، وأنكر عليهم ذلك وأبطل دعواهم، وذكر الأدلة العقلية على إمكان البعث ووقوعه في آيات كثيرة.

وأظهر طرق القرآن في تقرير إمكان البعث أربعة:

1 -

الاستدلال بخلق السماوات والأرض.

2 -

الاستدلال بإحياء الأرض بعد موتها.

3 -

الاستدلال بالنشأة الأولى.

4 -

الاستدلال بما وقع من إحياء الموتى فيما سبق.

تجد هذه الأربع تثنى في القرآن في آيات كثيرة، فمثلا في سورة ق، لما ذكر الله عن المكذبين إنكار البعث، ذكر الأدلة الدالة على بطلان قولهم، وبيان صحة وإمكان البعث، فقال تعالى:((قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)) [ق: 4 - 8]. هذا الدليل الأول.

((وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكَاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقَاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتَاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ)) [ق: 9 - 11]. هذا الدليل الثاني. أي: الخروج من القبور كإخراج هذا النبات من الأرض.

الدليل الثالث بعد ذلك: ((أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)) [ق: 15].

فتارة يذكر الله هذه الأدلة في سياق واحد، أوفي سورة واحدة، وتارة يذكر الله منها اثنين، وأحيانا يذكر واحدا، فمثلا في سورة الحج:

ص: 242

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا)) [الحج: 5] الآية، هذا استدلال بالنشأة الأولى، ثم قال تعالى:((وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [الحج: 5 - 7] وهذا استدلال بإحياء الأرض بعد موتها.

وهذا المعنى تجده ـ أيضا ـ في قوله تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [فصلت: 39].

وهذا المعنى هو المذكور في قوله تعالى: ((فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الروم: 50].

وجاءت هذه المعاني في سورة يس: ((وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبَّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ)) [يس: 33]((وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ)) [يس: 37]، ((وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)) [يس: 41] كلها فيها الدلائل على القدرة؛ لكن في آخر السورة ذِكْرٌ خاص لهذه القضية: ((أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلَاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)) [يس: 77 - 78] جاء الرد في نفس الآية قبل التصريح بمقالة الكافر: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلَاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ)) [يس: 78] فذكر الحجة على إبطال الدعوى قبل ذكرها، ((قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)) [يس: 79] وهذا استدلال بذكر النشأة الأولى، إلى قوله:((أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)) [يس: 81]، ومن هذا القبيل قوله تعالى:((لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)) [غافر: 57]

ص: 243

وهو استدلال بخلق السماوات والأرض، وأن من أبدعها أقدر على خلق الناس وإعادتهم.

وأما الاستدلال بما كان من إحياء الموتى فذكر الله في سورة البقرة خمس وقائع:

الأولى: ((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) [البقرة: 55 - 56]

الثانية: قال تعالى: ((وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسَاً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) [البقرة: 72 - 73]،

الثالثة: قوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)) [البقرة: 243].

الرابعة: قوله تعالى: ((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [البقرة: 259].

الخامسة: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260]

فهذا بعض ما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر.

ص: 244