الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ بِمَذْهَبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مُقَلِّدًا لَهُ، فَمَا ظَنُّك بِأَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ أَنَّهُ أَفْقَهُ مِنْ أَنَسٍ. قَالَ: وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ اشْتِرَاطُ الْفِقْهِ فِي الرَّاوِي، فَثَبَتَ أَنَّهُ قَوْلٌ مُحْدَثٌ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: وَلِهَذَا قُلْنَا بِحَدِيثِ الْقَهْقَهَةِ، وَأَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ فِيهَا، وَلَيْسَتْ بِحَدَثٍ فِي الْقِيَاسِ، وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبُوا الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَهْقَهَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ. قُلْت: وَالصَّوَابُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَفْرَدَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ السُّبْكِيُّ جُزْءًا فِي فَتَاوِيهِ، وَقَالَ شَارِحُ الْبَزْدَوِيِّ: بَلْ كَانَ فَقِيهًا، وَلَمْ يَعْدَمْ شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الِاجْتِهَادِ، وَكَانَ يُفْتِي فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَمَا كَانَ يُفْتِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إلَّا فَقِيهٌ مُجْتَهِدٌ، وَقَدْ انْتَشَرَ عَنْهُ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ، فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ حَدِيثِهِ بِالْقِيَاسِ. اهـ.
[أُمُورٌ أُخْرَى لَا تُشْتَرَطُ فِي الرُّوَاةِ]
[أُمُورٌ أُخْرَى لَا تُشْتَرَطُ فِي الرُّوَاةِ] وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا عِلْمُهُ بِمَا رَوَاهُ، وَلَا بِكَوْنِهِ لَا يَدْرِي الْمُرَادَ بِهِ كَالْأَعْجَمِيِّ؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ضَبْطِهِ لِلْحَدِيثِ، وَلِهَذَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْقُرْآنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ. كَمَا لَا يُرَدُّ بِكَوْنِهِ لَمْ يَرْوِ غَيْرَ الْقَلِيلِ، كَالْحَدِيثِ وَالْحَدِيثَيْنِ، وَلَا بِكَوْنِهِ لَا يَعْرِفُ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا بِطَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي صِدْقِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ الرَّاوِي مُخْتَلَفًا فِي اسْمِهِ إلَّا أَنَّ لَهُ كُنْيَةً أَوْ لَقَبًا يُعْرَفُ بِهِ فَلَا يُرَدُّ بِذَلِكَ خَبَرُهُ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يُعْرَفُ وَيَخْرُجُ عَنْ الْجَهَالَةِ، وَنُقِلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَتُهُ بِهَذَا الشَّأْنِ. قَالَ: وَعَنِيَ بِهِ مَعْرِفَةَ الرِّجَالِ
وَالرُّوَاةِ، وَأَنْ يَعْرِفَ، هَلْ زِيدَ فِي الْحَدِيثِ بِنَفْيٍ، أَوْ نَقْصٍ مِنْهُ؟ وَالصَّحِيحُ، قَبُولُ رِوَايَةِ مَنْ صَحَّتْ رِوَايَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْنِ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَبِهِ جَزَمَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَغَيْرُهُ. قَالَ: وَلَكِنْ يُرَجَّحُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَنْ اعْتَنَى بِالرِّوَايَاتِ. وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَجْنَبِيًّا، فَلَوْ رَوَى خَبَرًا يَنْفَعُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَلَدَهُ قُبِلَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِيرُ شَرْعًا، وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ. قَالَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: سَمِعْت، وَلَا أَخْبَرَنَا خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، أَوْ مَنْ ذَهَبَ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْحَدِيثُ إلَّا إذَا قَالَ رَاوِيَةً: سَمِعْت أَوْ أَخْبَرَنَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ " الْإِعْذَارِ الرَّادِّ كِتَابَ الْإِنْذَارِ " ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي رَدَّ أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ إذْ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ، وَخَافَ إنْ قِيلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ قَبُولَ الْمُرْسَلِ، وَذَهَبَ عَنْ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَثْقَلُوا: أَخْبَرَنَا، وَسَمِعْت، فَأَقَامُوا " عَنْ " مَقَامِهِمَا لِأَنَّهَا أَلْحَقَتْ الْخَبَرَ بِالْمُخْبِرِ. اهـ.
وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ كَانَ يُرَهِّبُ الرَّاوِي الثِّقَةَ، حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى خَبَرِهِ. وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ. وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ بِالرَّاوِي فِي كُلِّ رِوَايَةٍ، بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاجْتِمَاعِ
وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَاشْتَرَطَ الْبُخَارِيُّ الْأَوَّلَ، وَنَقَلَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ فِي أَفْعَالِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ، وَنَقَلُوا عَنْ الْجُبَّائِيُّ أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ رِوَايَةَ اثْنَيْنِ، وَشَرَطَ عَلَى الِاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إلَى السَّامِعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما، لِطَلَبِهِمَا الزِّيَادَةَ فِي الرُّوَاةِ، وَنَقَلَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ عَنْهُ تَعْلِيلَ ذَلِكَ فَإِنَّا لَوْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ تَضَاعَفَتْ الْأَعْدَادُ، حَتَّى يَخْرُجَ عَنْ الْحَصْرِ. كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي تَضْعِيفِ أَعْدَادِ بُيُوتِ الشِّطْرَنْجِ، قَالَ: وَلَا يُتَّجَهُ لَهُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ، لِقِيَامِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، فَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَخْبَارٍ صَحَّتْ عَنْ الصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ فِي الْتِمَاسِ شَاهِدٍ آخَرَ مَعَ الرَّاوِي الْوَاحِدِ، كَقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِلْمُغِيرَةِ: مَنْ شَهِدَ مَعَهُ؟ وَقَوْلِ عُمَرَ الْفَارُوقِ لِأَبِي مُوسَى
مِثْلَهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي قَبُولِ الصَّحَابِيِّ رِوَايَةَ الصِّدِّيقِ وَحْدَهُ، وَرِوَايَةِ جُلَّةِ الصَّحَابَةِ، إلَّا أَنَّهُ طَلَبَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مَزِيدَ اسْتِقْصَائِهِمْ لِرَيْبٍ اعْتَرَاهُمْ فِي خُصُوصِ أَحْوَالِهِ، كَإِحْلَافِ عَلِيٍّ بَعْضَ الرُّوَاةِ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَثْبَتَ مَنْقُولٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ فِي ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ فِي " الْمُعْتَمَدِ " فَقَالَ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: إذَا رَوَى اثْنَانِ خَبَرًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ رَوَاهُ وَاحِدٌ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُعَضِّدَهُ ظَاهِرٌ، أَوْ عَمَلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِهِ أَوْ اجْتِهَادٌ، أَوْ يَكُونَ مُنْتَشِرًا. وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ فِي الزِّنَا إلَّا خَبَرَ أَرْبَعَةٍ، كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ الْوَاحِدَةِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ رِوَايَةُ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا، بَلْ يَعْتَبِرُ مَعَ ذَلِكَ عَاضِدًا لَهُ، وَيَقُومُ الْعَاضِدُ مَقَامَ الرَّاوِي الْآخَرِ. وَهَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ " عَنْهُ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ. قُلْت: وَلَا نَظُنُّ أَنَّ مَا نُقِلَ أَوَّلًا عَنْ الْجُبَّائِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ ذَكَرَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ فِي صَحِيحِهِ اشْتَرَطَ رِوَايَةَ عَدْلَيْنِ عَنْ عَدْلَيْنِ مُتَّصِلَةً، أُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْهُ، وَقَدْ ظَنَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُصِبْ. وَأَيْضًا فَذَلِكَ احْتِيَاطٌ مِنْهُ لَا اشْتِرَاطٌ فِي الْعَمَلِ بِهِ.