الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْبِيهٌ [وَجْهُ وَضْعِ الْإِجْمَاعِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ] قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ صِنَاعَةِ الْأُصُولِيِّ، كَمَا لَا يَلْزَمُ تَثْبِيتُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ تَثْبِيتُ الْإِجْمَاعِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمَّا كَانَ أَمْرًا رَاجِعًا إلَى السُّنَّةِ مَوْجُودًا فِيهَا بِالِاسْتِرْوَاحِ لَا بِالنَّصِّ، وَبِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، احْتَاجَ إلَى تَثَبُّتِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْ تِلْكَ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ حَتَّى يَصِيرَ أَصْلًا ثَالِثًا مِنْ الْأُصُولِ الْأُوَلِ، يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي التِّبْيَانِ وَالظُّهُورِ.
[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ فِي أَنَّ الْإِجْمَاع حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ]
[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ] فِي أَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: إذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِ أَدِلَّتِهِ، فَهَلْ يُقْطَعُ عَلَى صِحَّتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِيَصِحَّ قِيَامُ الْحُجَّةِ. الثَّانِي: الْمَنْعُ اعْتِبَارًا بِأَهْلِهِ فِي انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ عَنْ آحَادِهِمْ، فَكَذَا عَنْ جَمِيعِهِمْ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ. مِنْهُمْ الصَّيْرَفِيُّ، وَابْنُ بَرْهَانٍ، وَجَزَمَ بِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الدَّبُوسِيُّ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَا: كَرَامَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا، وَلَا يُعَارِضُهُ دَلِيلٌ أَصْلًا، وَنَسَبَهُ إلَى الْأَكْثَرِينَ. قَالَ: بِحَيْثُ يُكَفَّرُ أَوْ يُضَلَّلُ
وَيُبَدَّعُ مُخَالِفُهُ. وَخَالَفَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ، فَقَالَا: إنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ، وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُعْتَبَرُونَ فَحُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ، وَبَيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَالسُّكُوتِيِّ، وَمَا نَدْرِي مَخَالِفَهُ، فَحُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ.
وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: الْإِجْمَاعُ مَرَاتِبُ: فَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مِثْلُ الْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَحَادِيثِ. وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي سَبَقَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْعَصْرِ السَّالِفِ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ لَا الْعِلْمَ، فَصَارَتْ الْمَذَاهِبُ أَرْبَعَةً: يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ. لَا يُوجِبُهُمَا. يُوجِبُ الْعِلْمَ حَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَطْعًا. يُوجِبُ الْعِلْمَ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ التَّقْوِيمِ " أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ يَقَعُ عَنْ أَمَارَةٍ، فَكَيْفَ يُوجِبُ الْعِلْمَ إجْمَاعٌ تَفَرَّعَ عَنْ الظَّنِّ؟ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِذَلِكَ اتِّصَالُهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ ثَبَتَ عِصْمَتُهُمْ مِنْ الْخَطَأِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الِاتِّصَالِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقْرِيرِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ مِنْ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا عَلَى الْقَوَاطِعِ الَّتِي هِيَ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَاطِعًا؛ لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْقَاطِعِ بِمَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي تَعْلِيقِهِ، وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِي الذَّخِيرَةِ " قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ لَفْظَ الْإِجْمَاعِ هَلْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ، أَوْ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْقَطْعِيِّ؟ وَصَرَّحَا بِأَنَّهُ خِلَافٌ فِي الْعِبَارَةِ.