الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْمَذَاهِبُ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الرَّاوِي إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ]
ُ] الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ، وَيَنْقُلَ بَعْضُهُمْ الزِّيَادَةَ، وَيَسْكُتَ بَعْضُهُمْ عَنْهَا، وَلَا يُصَرِّحُ بِنَفْيِهَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ. أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ غَيَّرَتْ الْحُكْمَ الثَّابِتَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَوْجَبَ نَقْصًا ثَبَتَ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِأَنْ رَوَاهُ مَرَّةً نَاقِصًا، وَمَرَّةً بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ، أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ مَنْ رَوَاهُ نَاقِصًا، وَهِيَ كَالْحَدِيثِ التَّامِّ، يَنْفَرِدُ بِهِ الثِّقَةُ، فَالزِّيَادَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ، بَلْ تَابِعَةٌ، وَقَدْ قَبِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، مَعَ انْفِرَادِهِ بِرُؤْيَتِهِ، وَقَبِلَ خَبَرَ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنْ انْفَرَدُوا عَنْ جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسْنِدَ الرَّاوِي لِلزِّيَادَةِ وَالتَّارِكِ لَهَا مَا رَوَيَاهُ إلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ إلَى مَجْلِسَيْنِ، أَوْ يُطْلِقَا إطْلَاقًا. فَتُقْبَلُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ التَّارِكَ لِلزِّيَادَةِ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْغَفْلَةُ عَنْهَا، وَكَانَ الْمَجْلِسُ وَاحِدًا أَنْ لَا يَقْبَلَ رِوَايَةَ رَاوِي الزِّيَادَةِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ ": إنَّمَا يُقْبَلُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْ نَقَلَ الزِّيَادَةَ وَاحِدٌ، وَمَنْ رَوَاهُ نَاقِصًا جَمَاعَةٌ، لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْوَهْمُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَتْ، هَذَا إذَا رَوَيَاهُ عَنْ مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. قَالَ: فَإِنْ رَوَيَاهُ عَنْ مَجْلِسَيْنِ فَإِنْ كَانَا خَبَرَيْنِ عُمِلَ بِهِمَا، قَالَ: فَإِنْ كَانَ النَّاقِلُ لَهَا عَدَدًا
كَثِيرًا فَهِيَ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدًا فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ الضَّابِطِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَا ضَابِطَيْنِ ثِقَتَيْنِ كَانَ الْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى، وَكَلَامُ الْإِمَامِ فِي " الْمَحْصُولِ " قَرِيبٌ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْآمِدِيَّ: إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، فَإِنْ كَانَ مَنْ لَمْ يَرْوِ الزِّيَادَةَ قَدْ انْتَهَى إلَى حَدٍّ لَا يَقْضِي فِي الْعَادَةِ بِغَفْلَةِ مِثْلِهِ عَنْ سَمَاعِهَا، وَاَلَّذِي رَوَاهَا وَاحِدٌ، فَهِيَ مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا إلَى هَذَا الْحَدِّ فَاتَّفَقَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى قَبُولِ الزِّيَادَةِ، خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. اهـ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ، فَأَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِقَبُولِ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ الْإِطْلَاقَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ "، وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى "، وَقَالَ: سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَوْ الْمَعْنَى، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ " وَابْنُ بَرْهَانٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ: وَالِاخْتِيَارُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ مِنْ الثِّقَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرَهُ أَطْلَقُوا النَّقْلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. بِقَبُولِ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِشَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ. وَسَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْمُرْسَلِ مِنْ كَلَامِ
الشَّافِعِيِّ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الثِّقَةِ لَيْسَتْ مَقْبُولَةً مُطْلَقًا، وَهُوَ أَثْبَتُ نَقْلٍ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَسَنَذْكُرُ قَرِيبًا عَنْ نَصِّهِ فِي " الْأُمِّ " أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إذَا خَالَفَ الْأَحْفَظَ وَالْأَكْثَرَ. الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَعَزَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَنُقِلَ عَنْ مُعْظَمِ الْحَنَفِيَّةِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ تَنَاقُضِ الْقَوْلِ الْجَمْعُ بَيْنَ قَبُولِ رِوَايَةِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فِي الْقُرْآنِ، وَرَدِّ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ، وَحَقُّ الْقُرْآنِ أَنْ يُنْقَلَ تَوَاتُرًا بِخِلَافِ الْأَخْبَارِ. وَمَا كَانَ أَصْلُهُ التَّوَاتُرُ، وَقُبِلَ فِيهِ زِيَادَةُ الْوَاحِدِ، فَلَأَنْ يُقْبَلَ فِيمَا سِوَاهُ الْآحَادُ أَوْلَى، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا بَنَوْا الْكَلَامَ فِي الزِّيَادَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ» .
وَالثَّالِثُ: الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ بُعْدًا، وَالْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الصُّدُورِ، لَكِنَّ الْأَصْلَ أَيْضًا صِدْقُ الرَّاوِي. وَإِذَا تَعَارَضَا وَجَبَ التَّوَقُّفُ. حَكَاهُ الْهِنْدِيُّ. وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً لَمْ تُقْبَلْ، وَإِلَّا قُبِلَتْ، وَهُوَ قَوْلُ الْآمِدِيَّ وَابْنِ الْحَاجِبِ. وَالْخَامِسُ: إنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يَغْفُلُ، أَوْ كَانَتْ الدَّوَاعِي لَا تَتَوَفَّرُ عَلَى
نَقْلِهَا، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ كَمَا سَبَقَ. وَالسَّادِسُ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِمَّنْ رَوَاهُ نَاقِصًا، ثُمَّ رَوَاهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ أَوْ رَوَاهُ بِالزِّيَادَةِ ثُمَّ رَوَاهُ نَاقِصًا، وَتُقْبَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَالْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " عَنْ فِرْقَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي، الْعُدَّةِ " فِيمَا إذَا رَوَى الْوَاحِدُ خَبَرًا ثُمَّ رَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَبَرَيْنِ فِي مَجْلِسٍ قُبِلَتْ الزِّيَادَةُ، وَإِنْ عَزَى ذَلِكَ إلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ تَكَرَّرَتْ رِوَايَتُهُ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، ثُمَّ رَوَى الزِّيَادَةَ، فَإِنْ قَالَ: كُنْت نَسِيتُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي الزِّيَادَةِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": إنْ أَسْنَدَ الرِّوَايَتَيْنِ إلَى مَجْلِسَيْنِ قُبِلَ، وَهَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ حُمِلَ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهَا إلَى مَجْلِسَيْنِ، وَكَانَ قَدْ رَوَى الْخَبَرَ دُفُعَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَرَوَاهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالزِّيَادَةِ، فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ سَهَا فِي إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ؛ وَلِأَنَّ سَهْوَ الْإِنْسَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَغْلَبُ مِنْ سَهْوِهِ مِرَارًا كَثِيرَةً، فَإِنْ قَالَ: كُنْت قَدْ أُنْسِيت هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَالْآنَ ذَكَرْتهَا، قُبِلَتْ الزِّيَادَةُ، وَحُمِلَ أَمْرُهُ عَلَى الْأَقَلِّ النَّادِرِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَوَاهَا مَرَّةً وَاحِدَةً بِرِوَايَتِهَا مَرَّةً، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ تُغَيِّرُ إعْرَابَ الْكَلَامِ تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تُغَيِّرُ اللَّفْظَ اُحْتُمِلَ أَنْ يَتَعَارَضَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَدْ وَهِمَ.
قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَارِنْهُ اسْتِهَانَةٌ، فَلَوْ رَوَى الْحَدِيثَ تَارَةً بِالزِّيَادَةِ وَتَارَةً بِحَذْفِهَا اسْتِهَانَةً وَقِلَّةَ تَحَفُّظٍ، سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ حَدِيثُهُ. السَّابِعُ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ تُغَيِّرُ إعْرَابَ الْبَاقِي، كَمَا لَوْ رَوَى رَاوٍ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَرَوَى الْآخَرُ نِصْفَ شَاةٍ، لَمْ يُقْبَلْ، وَيَتَعَارَضَانِ، وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعِهِ، وَحَكَاهُ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ:
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْوِي غَيْرَ مَا رَوَاهُ الْآخَرُ، فَيَكُونُ مُنَافِيًا لَهُ مُعَارِضًا، فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بَعْدَ التَّرْجِيحِ. قَالَ: وَخَالَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَالْمِزِّيُّ، وَفِي " الْمُعْتَمَدِ " لِأَبِي الْحُسَيْنِ: قَبِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الزِّيَادَةَ سَوَاءٌ أَثَّرَتْ فِي اللَّفْظِ أَمْ لَا، إذَا أَثَّرَتْ فِي الْمَعْنَى، وَقَبِلَهَا الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ إذَا أَثَّرَتْ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا إذَا أَثَّرَتْ فِي إعْرَابِ اللَّفْظِ.
الثَّامِنُ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا أَفَادَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا، حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ. فَلَوْ لَمْ تُفِدْ حُكْمًا لَمْ تُعْتَبَرْ، كَقَوْلِهِمْ: فِي مُحْرِمٍ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فِي أَخَافِيقَ جُرْذَانَ. قَالَ: فَإِنَّ ذِكْرَ الْمَوْضِعَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، فَقَالَ: وَقِيلَ: إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا اقْتَضَتْ فَائِدَةً جَدِيدَةً. التَّاسِعُ: عَكْسُهُ، أَنَّهَا تُقْبَلُ إذَا رَجَعَتْ إلَى لَفْظٍ لَا يَتَضَمَّنُ حُكْمًا زَائِدًا كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ. الْعَاشِرُ: تُقْبَلُ لَوْ كَانَتْ بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الَّذِي قَبِلَهُ. الْحَادِيَ عَشَرَ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهَا حَافِظًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ، وَالصَّيْرَفِيِّ. قَالَ الصَّيْرَفِيِّ: وَهُوَ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى مَنْ نَقَلَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مُسْتَقِلًّا بِهَا، لَا شَرِيكَ مَعَهُ فِي الرِّوَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ لَوْ انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ يُقْبَلُ فَإِنَّ زِيَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ خَالَفَ الْحُفَّاظَ. الثَّانِيَ عَشَرَ: إنْ تَكَافَأَ الرُّوَاةُ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، وَزَادَ حَافِظٌ عَالِمٌ بِالْأَخْبَارِ زِيَادَةً، قُبِلَتْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْحَقُهُمْ فِي الْحِفْظِ لَمْ تُقْبَلْ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِمَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَةُ. الثَّالِثَ عَشَرَ: إنْ كَانَ ثِقَةً، وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِنَقْلِ الزِّيَادَاتِ فِي الْوَقَائِعِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الشُّذُوذِ قُبِلَتْ. كَرِوَايَةِ مَالِكٍ:(مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَإِنْ اُشْتُهِرَ بِكَثْرَةِ الزِّيَادَاتِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، وَامْتِنَاعِ الِامْتِيَازِ بِسَمَاعٍ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ. فَمَذْهَبُ الْأُصُولِيِّينَ قَبُولُ زِيَادَتِهِ، وَمَذْهَبُ الْمُحَدِّثِينَ رَدُّهَا لِلتُّهْمَةِ. قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْإِبْيَارِيُّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ ".
[شُرُوطُ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ] الرَّابِعَ عَشَرَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي تُقْبَلُ بِشُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ لَا تَكُونَ مُنَافِيَةً لِأَصْلِ الْخَبَرِ. ذَكَرَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ. ثَانِيهَا: أَنْ لَا تَكُونَ عَظِيمَةَ الْوَقْعِ، بِحَيْثُ لَا يَذْهَبُ عَنْ الْحَاضِرِينَ عِلْمُهَا وَنَقْلُهَا. أَمَّا مَا يَجُلُّ خَطَرُهُ، فَبِخِلَافِهِ. قَالَهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ. ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ النَّاقِلُونَ فِي نَقْلِ الزِّيَادَةِ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوا: شَهِدْنَا أَوَّلَ الْمَجْلِسِ وَآخِرَهُ مُصْغِينَ إلَيْهِ، مُجَرِّدِينَ لَهُ أَذْهَانَنَا، فَلَمْ نَسْمَعْ الزِّيَادَةَ، فَذَلِكَ مِنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِاحْتِمَالِ مَجَالٌ لَمْ يُكَذِّبُوهُ عَلَى عَدَالَتِهِ، قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ ". وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: أَمَّا إذَا صَرَّحَ الْآخَرُونَ بِالنَّفْيِ وَاتَّحَدَ الْمَجْلِسُ. فَقِيلَ: هُوَ مُعَارِضٌ، فَيُقَدَّمُ أَقْوَاهَا. وَقِيلَ الْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ، قَالَ: وَهُوَ الرَّاجِحُ.
رَابِعُهَا: أَنْ لَا يُخَالِفَ الْأَحْفَظَ وَالْأَكْثَرَ عَدَدًا، فَإِنْ خَالَفَتْ، فَظَاهِرُ
كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ " فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ إعْتَاقِ الشَّرِيكِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ بُلُوغِهِمْ إلَى حَدٍّ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ الْغَفْلَةُ وَالذُّهُولُ أَمْ لَا، بَلْ اعْتَبَرَ الْمُطْلَقَ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَلَامِهِ عَلَى زِيَادَةِ مَالِكٍ وَأَتْبَاعِهِ فِي حَدِيثٍ:«وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» : إنَّمَا يَغْلَطُ الرَّجُلُ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ، أَوْ يَأْتِي بِشَيْءٍ فَيَتْرُكُهُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْهُ مَا حَفِظَ مِنْهُ، وَهُمْ عَدَدٌ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ. اهـ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ:«وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ» هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَهِيَ ذِكْرُ الِاسْتِسْعَاءِ، تَفَرَّدَ بِهَا سَعِيدٌ، وَخَالَفَ الْجَمَاعَةَ، فَلَا تُقْبَلُ، وَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُهُ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا عَلِمُوهُ مِنْهُ فِي قَبُولِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَحْمِلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، احْتَاجُوا لِتَأْوِيلِهِ، فَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ: لَمْ يَرُدَّ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْجِهَةَ، بَلْ إنَّ رِوَايَةَ الْوَاحِدِ عَارَضَهَا رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ، فَتُرَجَّحُ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ رَوَاهُ مُطْلَقًا، وَغَيْرُهُ رَوَى الْخَبَرَ، وَقَالَ:" قَالَ قَتَادَةُ: وَيُسْتَسْعَى " فَمَيَّزَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ، فَيَكُونُ هَذَا الرَّاوِي قَدْ حَفِظَ مَا خَفِيَ عَلَى الْآخَرِ.
وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: وَنَحْنُ وَإِنْ قَبِلْنَا الزِّيَادَةَ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فَيَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالُ الضَّعْفِ، وَيَخْدِشُ وَجْهَ الثِّقَةِ، فَلَوْ عَارَضَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عَلَى مُنَاقَضَةٍ لَقُدِّمَ عَلَيْهِ، فَلِأَجْلِهِ قَدَّمَ الشَّافِعِيَّةُ خَبَرَ السِّرَايَةِ عَلَى خَبَرِ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِنَقْلِ السِّعَايَةِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَسَّمَ ابْنُ الصَّلَاحِ الزِّيَادَةَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا كَانَ مُخَالِفًا مُنَافِيًا لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ فَمَرْدُودٌ. ثَانِيهَا: مَا لَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْغَيْرِ كَالْحَدِيثِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ جُمْلَتِهِ ثِقَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ، فَيُقْبَلُ تَفَرُّدُهُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ فِيهِ لِمَا رَوَاهُ الْغَيْرُ بِمُخَالَفَتِهِ أَصْلًا، وَادَّعَى الْخَطِيبُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ. ثَالِثُهَا: مَا يَقَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ، كَزِيَادَةٍ فِي لَفْظِ حَدِيثٍ لَمْ يَذْكُرْهَا سَائِرُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ، يَعْنِي وَلَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَلَا نَفَاهَا الْبَاقُونَ صَرِيحًا، وَتَوَقَّفَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي قَبُولِ هَذَا الْقِسْمِ. وَحَكَى الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ عَنْهُ اخْتِيَارَ الْقَبُولِ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا.
[قَوْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ] وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إذَا عُلِمَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ فَالْقَوْلُ لِلْأَكْثَرِ، سَوَاءٌ كَانُوا
رُوَاةَ الزِّيَادَةِ أَوْ غَيْرَهُمْ، تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْكَثْرَةِ، فَإِنَّهَا عَنْ الْخَطَأِ أَبْعَدُ، فَإِنْ اسْتَوَوْا قُدِّمَ الْأَحْفَظُ وَالْأَضْبَطُ، فَإِنْ اسْتَوَوْا قُدِّمَ الْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي، وَقِيلَ: النَّافِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ نَافَتْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ اُحْتِيجَ لِلتَّرْجِيحِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ، كَحَدِيثِ: عِتْقِ بَعْضِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) رَوَى الِاسْتِسْعَاءَ، وَابْنُ عُمَرَ لَمْ يَرْوِهِ، بَلْ قَالَ:«وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ، وَهِيَ تُنَافِي الِاسْتِسْعَاءَ، وَإِنْ لَمْ تُنَافِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّرْجِيحِ، بَلْ يُعْمَلُ بِالزِّيَادَةِ إذَا أُثْبِتَتْ كَمَا فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، كَقَوْلِ أَنَسٍ:«رَضَخَ يَهُودِيٌّ رَأْسَ جَارِيَةٍ فَرَضَخَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» رَوَاهُ بَعْضُهُمْ هَكَذَا مُطْلَقًا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ:«فَأَخَذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَرَضَخَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ» وَهِيَ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ.
[مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ] قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ خُصُوصًا الْمُتَقَدِّمِينَ، كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَمَنْ بَعْدَهُمَا كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَهَذِهِ الطَّبَقَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، كَالْبُخَارِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّيْنِ، وَمُسْلِمٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، كُلِّ هَؤُلَاءِ مُقْتَضَى تَصَرُّفِهِمْ فِي الزِّيَادَةِ قَبُولًا وَرَدًّا التَّرْجِيحُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَقْوَى عِنْدَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَلَا يَحْكُمُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحُكْمٍ كُلِّيٍّ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الصَّوَابُ فِي نَظَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُمْ مِنْ قَبِلَ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ تَعَدَّدَ، كَثُرَ السَّاكِتُونَ أَوْ تَسَاوَوْا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ، فَقَدْ أَخْرَجَا فِي كِتَابَيْهِمَا اللَّذَيْنِ الْتَزَمَا فِيهِمَا الصِّحَّةَ كَثِيرًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا رَاوٍ وَاحِدٌ، وَخَالَفَ فِيهَا الْعَدَدَ وَالْأَحْفَظَ، وَقَدْ اخْتَارَ الْخَطِيبُ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَحَكَاهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ.
وَقَدْ نُوزِعَ فِي نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ. وَعُمْدَتُهُمْ هُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ انْفَرَدَ بِنَقْلِ حَدِيثٍ عَنْ جَمِيعِ الْحُفَّاظِ قُبِلَ، فَكَذَلِكَ إذَا انْفَرَدَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَإِنْ تَفَرَّدَ بِأَصْلِ الْحَدِيثِ لَا يَتَطَرَّقُ الْوَهْمُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ، بِخِلَافِ تَفَرُّدِهِ بِالزِّيَادَةِ إذَا خَالَفَ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ، فَإِنَّ الظَّنَّ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِهِمْ دُونَهُ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ.
تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: لِتَوْجِيهِ إمْكَانِ انْفِرَادِ الرَّاوِي بِالزِّيَادَةِ طُرُقٌ. أَحَدُهَا: أَنْ يَعْرِضَ لِلرَّاوِي النَّاقِصِ التَّشَاغُلُ عَنْ سَمَاعِ الزِّيَادَةِ، مِثْلُ بُلُوغِهِ خَبَرًا مُزْعِجًا أَوْ عَرَضَ لَهُ أَلَمٌ أَوْ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ، كَمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَقَلْت نَاقَتِي بِالْبَابِ، فَأَتَى نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْنَا لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَك عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ؟ . قَالَ:«كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» ، قَالَ عِمْرَانُ: ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ قَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.
الثَّانِي: أَنَّ رَاوِيَ النَّاقِصِ دَخَلَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ فَاتَهُ بَعْضُهُ، فَرَوَاهُ مَنْ سَمِعَهُ دُونَهُ كَمَا رَوَى عُتْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ، فَكَانَتْ نَوْبَتِي أَنْ أَرْعَاهَا فَرَوَّحْتُهَا بَيْتِي، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» . فَقُلْت مَا أَجْوَدَ هَذَا، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، قَالَ:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا يَشَاءُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ وَقَعَ فِي مَجْلِسَيْنِ، وَفِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ كَرَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ أَوَّلًا بِالزِّيَادَةِ، وَسَمِعَهُ الْوَاحِدُ، ثُمَّ يَذْكُرُهُ بِلَا زِيَادَةٍ اقْتِصَارًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ قَبْلُ، كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَيْثُ رَوَى حَدِيثَ الَّذِي يُمَنِّيهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ، فَيَنْتَهِي حَيْثُ تَنْقَطِعُ بِهِ الْأَمَانِيُّ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل:«فَإِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ:«فَإِنَّ لَكَ مَنْ تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ» ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَمْ أَسْمَعْ إلَّا وَمِثْلَهُ مَعَهُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ)، فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ بِوَحْيٍ أَوْ إلْهَامٍ، سَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ:(وَمِثْلَهُ مَعَهُ) ، وَشَغَلَ بِعَارِضٍ عَنْ سَمَاعِ الْآخَرِ الَّذِي سَمِعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَالْآخَرُ أَبُو سَعِيدٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:
حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ، وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي سَعِيدٍ كَرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَعَلَّهُ وَافَقَهُ أَوْ تَذَكَّرَهُ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَا وَاَللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، يَعْنِي حَدِيثَ الْمَزَارِعِ، (إنَّمَا أَتَاهُ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ اقْتَتَلَا، فَقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ) سَمِعَ مِنْهُ (يَعْنِي رَافِعًا) قَوْلُهُ: (لَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ) ، يَعْنِي وَلَمْ يَسْمَعْ الشَّرْطَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي مِنْ الْأَسْبَابِ أَنْ يَسْمَعَ الْجَمْعُ الْحَدِيثَ، فَيَنْسَى بَعْضُهُمْ الزِّيَادَةَ وَيَحْفَظُهَا الْبَاقِي. .
الثَّانِي: قَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْحَدِيثِ رَافِعَةً لِلْإِشْكَالِ مُزِيلَةً لِلِاحْتِمَالِ، وَقَدْ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى إرَادَةِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، لَا عَلَى خُصُوصِيَّةِ الزِّيَادَةِ أَوْ ضِدِّهَا. مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ:«إذَا بَلَغَ الْمَاءُ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِقُوَّتِهِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَحْتَمِلُ الضَّيْمَ، وَهُوَ تَأْوِيلُ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ لَا يُنَجَّسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَاحْتُمِلَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ، أَيْ يَضْعُفُ عَنْ حَمْلِهِ لِضَعْفِهِ، كَمَا يُقَالُ: الْمَرِيضُ لَا يَحْمِلُ الْحَرَكَةَ وَالضَّرْبَ، فَجَاءَ فِي لَفْظِ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَاجَهْ: (لَمْ يُنَجِّسْهُ