الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي شَرْطِ الْفِعْلِ بِخَبَرِ الْآحَادِ]
ِ مِنْهَا: مَا هُوَ فِي الْمُخْبِرِ، وَهُوَ الرَّاوِي، وَمِنْهَا: مَا هُوَ فِي الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهُوَ مَدْلُولُ الْخَبَرِ. وَمِنْهَا: مَا هُوَ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ وَهُوَ اللَّفْظُ. [الشُّرُوطُ الَّتِي يَجِبُ تَوَفُّرُهَا فِي الْمُخْبِرِ] أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَهُ شُرُوطٌ. الْأَوَّلُ: التَّكْلِيفُ، فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ لَا؛ لِعَدَمِ الْوَازِعِ عَنْ الْكَذِبِ، وَاعْتَمَدَ الْقَاضِي فِي رَدِّ رِوَايَةِ الصَّبِيِّ الْإِجْمَاعَ، وَقَالَ الْمُعَلِّقُ عَنْهُ: وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ يَحْكِي وَجْهًا فِي صِحَّةِ رِوَايَةِ الصَّبِيِّ، فَلَعَلَّهُ أَسْقَطَهُ. اهـ. وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ مَشْهُورٌ، حَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى الْقَاضِي، بَلْ هُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ فِي إخْبَارِهِ عَنْ الْقُبْلَةِ، كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ.
وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، بَلْ قَالَ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ " فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: الْأَصَحُّ قَبُولُ رِوَايَتِهِ، وَحَكَى إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ خَبَرًا فِي مُسْتَنَدِ رَدِّ أَحَادِيثِ الصَّبِيِّ، فَقِيلَ هُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ رِوَايَةِ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ مُلَابَسَةَ الْفِسْقِ تُهَوِّنُ عَلَيْهِ تَوَقِّي الْكَذِبِ،
وَالصَّبِيُّ أَوْلَى بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْفَاسِقَ لَا يَخْلُو عَنْ خِيفَةٍ يَسْتَوْحِشُهَا، وَالصَّبِيُّ يُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ مُتَلَقًّى مِنْ الْإِجْمَاعِ. قَالَ: وَهَذَا أَسَدُّ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُرَاجِعُوا صَبِيًّا قَطُّ، وَلَمْ يَسْتَخْبِرُوهُ، وَقَدْ رَاجَعُوا النِّسَاءَ وَرَاءَ الْخُدُورِ، وَكَانَ فِي الصِّبْيَانِ مَنْ يَلِجُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَطَّلِعُ عَلَى أَحْوَالٍ لَهُ بِحَيْثُ لَوْ نَقَلَهَا لَمْ يَخْلُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ مِنْ فَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يُرَاجَعُوا قَطُّ. اهـ.
وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ " مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْمُرَاهِقِ الْمُتَثَبِّتِ فِي كَلَامِهِ، قَالَ: أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا، كَالْبَالِغِ الْفَاسِقِ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْوَاضِحِ " قَوْلًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُرَاهِقِ وَمَنْ دُونَهُ وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْقَبُولِ اخْتَلَفُوا، هَلْ ذَلِكَ مَظْنُونٌ أَوْ مَقْطُوعٌ بِهِ؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَظْنُونٌ. هَذَا كُلُّهُ إذَا أَدَّى فِي حَالِ صِبَاهُ، فَإِنْ تَحَمَّلَ فِي صِبَاهُ، ثُمَّ أَدَّاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَقَوْلَانِ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ " وَمُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ "، وَأَصَحُّهُمَا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاذِ بْنِ بَشِيرٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا تَحَمَّلُوهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ، وَقَدْ رَوَى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدِيثَ الْمَجَّةِ الَّتِي مَجَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، وَاعْتَمَدَ الْعُلَمَاءُ رِوَايَتَهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَجَعَلُوهُ أَصْلًا فِي سَمَاعِ الصَّغِيرِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إحْضَارِ الصِّبْيَانِ مَجَالِسَ الرِّوَايَاتِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَوْ قِيلَ: هَذَا لِقَبُولِ الْأُمَّةِ رِوَايَاتِ مَنْ سَبَقَ كَانَ عِنْدِي أَوْلَى؛ لِتَوَقُّفِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأَصَاغِرَ رَوَوْا لِلْأَكَابِرِ مَا لَمْ
يَعْلَمُوهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، فَقَبِلُوهُ، وَثُبُوتُ مِثْلِ هَذَا عَنْ كُلِّ الصَّحَابَةِ قَدْ يَتَعَذَّرُ، وَلَكِنَّ الْأُمَّةَ بَعْدَهُمْ قَدْ قَبِلُوا رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ.
قَالَ: وَالتَّمْثِيلُ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ، وَفِي مُطَابَقَتِهِ لِحَالِ بَعْضِهِمْ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ تَحَمُّلُ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ مُمَيِّزًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ ثُمَّ بَلَغَ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَوْ سَمِعَ الْمَجْنُونُ، ثُمَّ أَفَاقَ لَمْ تُسْمَعْ رِوَايَتُهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ إلَّا مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ، وَمَا سَمِعَهُ الصَّبِيُّ فِي حَالِ صِبَاهُ لَا تَصِحُّ رِوَايَتُهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، وَكَذَا لَوْ تَحَمَّلَ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ، ثُمَّ رَوَى وَهُوَ عَدْلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَحَكَاهُ فِي الْقَوَاطِعِ " عَنْ الْأُصُولِيِّينَ: الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ الْمُعْتَبَرُ هُنَا التَّيَقُّظُ، وَكَثْرَةُ التَّحَفُّظِ، وَلَا يَكْفِي الْعَقْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ يَوْمًا، وَيُجَنُّ يَوْمًا، فَإِنْ أَثَّرَ جُنُونُهُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَإِلَّا قُبِلَ.
الثَّانِي: كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْكَافِرِ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إجْمَاعًا، سَوَاءٌ عُلِمَ مِنْ دِينِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْكَذِبِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ عُلِمَ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي دِينِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الرِّوَايَةِ مَنْصِبٌ شَرِيفٌ، وَمَكْرُمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ، سَمِعْت أَبَا طَالِبٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَخِي الْأَمِينَ يَقُولُ: «اُشْكُرْ تُرْزَقْ، وَلَا تَكْفُرْ فَتُعَذَّبَ» ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الصُّرَيْفِينِيُّ وَقَالَ