الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ سَمَاعَهُ، بَلْ وَجَدَهُ بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ شَيْخِهِ، أَوْ خَطِّ مَوْثُوقٍ بِهِ، فَهَلْ تَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِهِ؟ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمَنْعَ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُحَدِّثِينَ جَوَازُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ قَرِينَةُ التَّغْيِيرِ، لَكِنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ انْتِشَارِ الْأَحَادِيثِ وَالرِّوَايَةِ انْتِشَارًا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْحِفْظُ لِكُلِّهِ عَادَةً، وَاللَّازِمُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الظَّنِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِمَّا أَنْ يَبْطُلَ حَمْلُهُ مِنْ السُّنَّةِ، أَوْ أَكْثَرِهَا، وَالثَّانِي: بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَفْسَدَةً مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الظَّنِّ، فَوَجَبَ دَفْعُهُ دَرْءًا لِأَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَتَحَرَّى بِزِيَادَةِ شَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَخْرُجَ الْكِتَابُ عَنْ يَدِهِ بِعَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَهُوَ احْتِيَاطٌ حَسَنٌ، وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ إذَا كَتَبُوا أَحَادِيثَ الْإِجَازَةِ إلَى غَائِبٍ عَنْهُمْ يَخْتِمُونَهُ بِالْخَاتَمِ، إمَّا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ. اهـ.
[أَحْوَالُ الشَّيْخِ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ]
[أَحْوَالُ الشَّيْخِ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ] وَاعْلَمْ أَنَّ لِلشَّيْخِ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ. أَعْلَاهَا: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي رِوَايَةِ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ نُطْقًا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ لَهُ: هَلْ سَمِعْت؟ فَيُشِيرُ الشَّيْخُ بِأُصْبُعِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ، فَهِيَ كَالْعِبَارَةِ فِيمَا سَبَقَ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إنْ قَالَ الْقَارِئُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ: ائْذَنْ لِي أَنْ أَرْوِيَ عَنْك مَا قَرَأْته عَلَيْك. فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، أَوْ أَشَارَ بِرَأْسِهِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَقْبُولٌ، وَقِيلَ: لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ؛ لِأَنَّ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ تُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَسْكُتَ الشَّيْخُ وَيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْقَارِئِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ إجَابَتُهُ لَهُ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا، وَكَذَا جَوَازُ الرِّوَايَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَشَرَطَ قَوْمٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ إقْرَارَ الشَّيْخِ بِهِ نُطْقًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَوْعُ احْتِيَاطٍ، وَسُكُوتُهُ مَعَ سَلَامَةِ الْأَحْوَالِ مِنْ إكْرَاهٍ وَغَفْلَةٍ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ تَصْرِيحِهِ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ "، وَنَقَلَهُ عَنْ مُعْظَمِ الْمُحَدِّثِينَ، وَإِذَا نَصَبَ الشَّيْخُ نَفْسَهُ لِلْقِرَاءَةِ، وَانْتَصَبَ لَهَا مُخْتَارًا، وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ فَهُوَ بِمَثَابَةِ إقْرَارِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِي صُورَةِ إشَارَةِ الشَّيْخِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي عَنْهُ: حَدَّثَنِي، وَأَخْبَرَنِي، وَسَمِعْته؛ لِأَنَّهُ مَا حَدَّثَهُ، وَلَا أَخْبَرَهُ وَلَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا، فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ كَذِبًا، وَهَذَا مِنْهُ عَجِيبٌ، كَمَا قَالَهُ الْهِنْدِيُّ يُنَاقِضُهُ مَا عَلَّلَهُ بِهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فِي صُورَةِ السُّكُوتِ.
وَمِمَّنْ شَرَطَ النُّطْقَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ". قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " شَرْحِ الْعُنْوَانِ ": قَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ لِتَرَدُّدِ السُّكُوتِ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُنْسَبُ إلَى السَّاكِتِ قَوْلٌ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ، وَظَاهِرِ الْحَالِ. قَالَ: وَهَذَا أَلْيَقُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَنُقِلَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ. اهـ. وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: إذَا قُرِئَ عَلَى الشَّيْخِ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ وَيُصْغِي، حَلَّتْ الرِّوَايَةُ إذَا قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا الْكِتَابُ سَمَاعِي، وَلَا يُشْتَرَطُ
لَفْظُ الْإِجَازَةِ، وَلَا الْمُنَاوَلَةِ، وَلَكِنْ اصْطَلَحَ الْمُحَدِّثُونَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمُنَاوَلَةِ وَالْإِجَازَةِ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَقُولُ: هَذَا سَمَاعِي، وَيَعْنِي بِهِ أَكْثَرَهُ، أَوْ رُبَّمَا كَانَ أَحْكَمَ حُرُوفَهُ، فَإِذَا قَالَ: أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَهُ عَنِّي، كَانَ دَالًّا عَلَى الثَّبْتِ، وَلِذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ تَحَمُّلُ الْفَرْعِ شَهَادَتَهُ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مُحْتَمَلٌ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِقْصَاءِ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ إذَا قَالَ: هُوَ سَمَاعِي، صَارَ مُخْبِرًا عَنْ آحَادِ مَا فِي الْكِتَابِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلِلْقَارِئِ أَنْ يَقُولَ: قَرَأْت عَلَى فُلَانٍ، وَلِلسَّامِعِ أَنْ يَقُولَ: قَرَأَ عَلَيَّ فُلَانٌ، وَأَنَا أَسْمَعُ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنَا، أَوْ أَخْبَرَنَا، قِرَاءَةً عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنِي، أَوْ حَدَّثَنِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَوْ قَرَأْت عَلَيْهِ، وَهُوَ سَاكِتٌ مُقَرِّرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ قَرَأَهُ تَصْرِيحًا، وَأَنْ يَكُونَ مُكْتَفِيًا بِالسُّكُوتِ، فَالِاحْتِيَاطُ التَّمْيِيزُ وَأَمَّا إطْلَاقُ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرْنَا فَفِيهِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا: الْمَنْعُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيُّ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْخَ تَوَلَّى الْقِرَاءَةَ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": إنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَلِذَلِكَ لَا يَقُولُ: سَمِعْت وَالثَّانِي: التَّجْوِيزُ، وَأَنَّهُ كَالسَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَبِهِ قَالَ: الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَالْبُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَكَانَ قَوْمٌ يَقُولُونَ: أَخْبَرَنَا فِيمَا سَمِعُوهُ، وَهِيَ
عِبَارَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَهُشَيْمٍ، وَنَقَلَهُ الصَّيْرَفِيُّ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ: الْأَوْلَى فِي عُرْفِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ حَدَّثَنَا فِيمَا سَمِعَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَأَخْبَرَنَا فِيمَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَمِعَ هُوَ قَالَ: حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي، أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ قَالَ: حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا؛ لِتَكُونَ هَذِهِ الْفُرُوقُ مُذَكِّرَةً بِأَحْوَالِ السَّمَاعِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: فَلَا يَقُولُ: سَمِعْت فُلَانًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: كَلَامُ الْإِمَامِ يَعْنِي فَخْرَ الدِّينِ - يَقْتَضِي وُجُودَ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ سَمِعْت، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا. وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ مِنْ إطْلَاقِ حَدَّثَنَا، وَتَجْوِيزُ أَخْبَرَنَا، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، إذَا قَرَأْت عَلَى الْعَالِمِ، فَقُلْ: أَخْبَرَنَا، وَإِذَا قَرَأَ عَلَيْك، فَقُلْ: حَدَّثَنَا، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ فِيمَا إذَا قَرَأَ الشَّيْخُ نُطْقًا؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يَتَضَمَّنُ الْإِعْلَامَ، وَالتَّحْدِيثَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا سَمِعَ مِنْ فِيهِ.
قَالَ: ابْنُ دَقِيقِ فِي " شَرْحِ الْعُنْوَانِ ": وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمُحَدِّثِينَ فِي الْآخِرِ وَالِاحْتِجَاجُ لَهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ لُغَوِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ مِنْهُمْ أَرَادُوا بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ. وَمَنَعَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي صُورَةِ إشَارَةِ الشَّيْخِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي عَنْهُ: حَدَّثَنِي، أَوْ أَخْبَرَنِي، أَوْ سَمِعْته؛ لِأَنَّهُ مَا حَدَّثَهُ، وَلَا أَخْبَرَهُ، وَلَا