الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِذَلِكَ إثْبَاتُ إمَامَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه بِالتَّوَاتُرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ لَنَا لِاعْتِقَادِ مُتَابِعِي النَّصِّ لِأَجْلِ الشُّبَهِ الْمَانِعَةِ لَنَا عَنْهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَقْوَى عَلَى دَفْعِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ عَقِبَ التَّوَاتُرِ بِالْعَادَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ، فَجَازَ إخْلَافُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ السَّامِعِينَ، فَيَحْصُلُ لِلسَّامِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ اعْتَقَدَ نَقِيضَ ذَلِكَ الْحُكْمِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ إذَا اعْتَقَدَ نَقِيضَهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ بَاطِلُ بِآيَةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ، فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَوَى فِي الْعِلْمِ بِتَوَاتُرِهَا مَنْ اعْتَقَدَ ظَاهِرَهَا، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: هَذَا وَإِنْ بَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُجَوَّزَ صِدْقُ مَنْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ الْكِبَارِ، وَالْحَوَادِثَ الْعَظِيمَةَ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ؛ لِأَجْلِ شُبْهَةٍ اعْتَقَدَهَا فِي نَفْيِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ بَاطِلٌ.
[الْأَوَّلُ التَّوَاتُرَ يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ]
ثُمَّ فِيهِ مَسَائِلُ. الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّوَاتُرَ يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَزَعَمَ النَّظَّامُ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا، وَأَنَّ الْحُجَّةَ فِيمَا غَابَ عَنْ الْحَوَاسِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْخَبَرِ الَّذِي يَضْطَرُّ سَامِعُهُ إلَى أَنَّهُ صِدْقٌ، سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِهِ جَمْعٌ أَوْ وَاحِدٌ. وَأَجَازَ إجْمَاعُ أَهْلِ التَّوَاتُرِ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ وَاقِعًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
[الثَّانِيَةُ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ]
الثَّانِيَةُ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ أَمْرٍ مَوْجُودٍ فِي زَمَانِنَا كَالْإِخْبَارِ عَنْ الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ، وَالْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ، كَوُجُودِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَتْ السُّمَنِيَّةُ.
وَالْبَرَاهِمَةُ: لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، بَلْ الظَّنَّ. وَجَوَّزَ الْبُوَيْطِيُّ فِيهِ. وَفَصَّلَ آخَرُونَ، فَقَالُوا: إنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ مَوْجُودٍ أَفَادَ الْعِلْمَ، أَوْ عَنْ مَاضٍ فَلَا يُفِيدُهُ لَنَا أَنَّا بِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ وُجُودَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ كَبَغْدَادَ، وَالْأَشْخَاصَ الْمَاضِيَةَ كَالشَّافِعِيِّ، فَصَارَ وُرُودُهُ كَالْعِيَانِ فِي وُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِ اضْطِرَارًا، وَقَدْ قَالَ الطُّفَيْلُ الْغَنَوِيُّ مَعَ أَعْرَابِيَّتِهِ فِي وُقُوعِ الْعِلْمِ بِاسْتِفَاضَةِ الْخَبَرِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَقَادَ إلَيْهِ الطَّبْعُ، فَقَالَ:
تَأَوَّبَنِي هَمٌّ مِنْ اللَّيْلِ مُنْصِبٌ
…
وَجَاءَ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَا يُكَذَّبُ
تَظَاهَرْنَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِي رِيبَةٌ
…
وَلَمْ يَكُ عَمَّا أَخْبَرُوا مُتَعَقَّبُ
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَمَا نُقِلَ عَنْ السُّمَنِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ، وَإِنْ كَثُرَ، فَلَا اكْتِفَاءَ بِهِ، حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْقَرِينَةِ مِنْ انْتِفَاءِ الْحَالَاتِ الْمَانِعَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَأَنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ وُقُوعَ الْعِلْمِ عَلَى الْجُمْلَةِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُضِيفُوا وُقُوعَهُ إلَى مُجَرَّدِ الْخَبَرِ، بَلْ إلَى قَرِينَةٍ، وَوُقُوعُ الْعِلْمِ عَنْ الْقَرَائِنِ لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْتَصْفَى ": لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي أَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْيَقِينَ، إلَّا مِمَّنْ لَا يُؤْبَهُ بِهِ، وَهُمْ السُّوفِسْطَائِيَّة، وَجَاحِدُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى عُقُوبَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ بِلِسَانِهِ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ