الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي أَحْكَامِ الْإِجْمَاعِ]
ِ [حُكْمُ مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ] وَفِيهِ بَحْثَانِ: الْأَوَّلُ فِي تَحْرِيمِ مُخَالَفَتِهِ وَفِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ، هَلْ يُكَفَّرُ؟ وَهُوَ قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: إنْكَارُ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً فَيُنْظَرُ إنْ أَنْكَرَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ، أَوْ الْإِجْمَاعِ الَّذِي لَمْ يَنْقَرِضْ أَهْلُ عَصْرِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْإِجْمَاعَاتِ الَّتِي اعْتَبَرَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبَرُونَ فِي انْتِهَاضِهَا حُجَّةً، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، وَلَا يُبَدَّعُ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ، وَأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَالْقَوْلُ فِي تَكْفِيرِهِ، كَالْقَوْلِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُنْكِرَ حُكْمَ الْإِجْمَاعِ، فَيَقُولُ مَثَلًا: لَيْسَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً، وَلَيْسَ لِبِنْتِ الِابْنِ مَعَ الْأُمِّ السُّدُسُ فَلَهُ أَحْوَالٌ. أَحَدُهَا: بِأَنْ يَكُونَ قَدْ بَلَغَهُ الْإِجْمَاعُ فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ، وَلَجَّ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ ظَاهِرَةً كَالصَّلَاةِ كَفَرَ، أَوْ خَفِيَّةً كَمَسْأَلَةِ الْبِنْتِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ.
ثَانِيهَا: أَنْ يُنْكِرَ وُقُوعَ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَهُ، فَيَقُولُ: لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ وَقَعَ لَقُلْتُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَنْ وُقُوعِهِ الْخَاصَّةَ دُونَ الْعَامَّةِ، كَمَسْأَلَةِ
الْبِنْتِ، فَلَا يَكْفُرُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ كَالصَّلَاةِ كَفَرَ. وَثَالِثُهَا: أَنْ لَا يَبْلُغَهُ فَيُعْذَرُ فِي الْخَفِيِّ دُونَ الْجَلِيِّ، إنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ فِي أَوَائِلِ التَّهْذِيبِ "، وَإِلْكِيَا، وَابْنُ بَرْهَانٍ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَغَيْرُهُمْ تَقْسِيمَ الْإِجْمَاعِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: مَا يَشْتَرِكُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ فِيهِ كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَرَكَعَاتِهَا، وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، وَزَمَانِهِمَا وَتَحْرِيمِ الزِّنَى، وَالْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ، فَمَنْ اعْتَقَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خِلَافَ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِخِلَافِهِ جَاحِدًا لِمَا قَطَعَ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَصَارَ كَالْجَاحِدِ لِصِدْقِهِ. قَالَ إلْكِيَا وَيَكْفُرُ مَخَالِفُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ الشَّرْعِ قَطْعًا، فَإِنْكَارُهُ كَإِنْكَارِ أُصُولِ الدِّينِ. وَالثَّانِي: إجْمَاعُ الْخَاصَّةِ فَقَطْ، وَهُوَ مَا يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ الْعُلَمَاءُ كَتَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَإِفْسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَتَوْرِيثِ الْجَدَّةِ السُّدُسَ، وَمَنْعِ تَوْرِيثِ الْقَاتِلِ، وَمَنْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ. فَإِذَا اعْتَقَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خِلَافَ مَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ يُحْكَمُ بِضَلَالِهِ وَخَطَئِهِ، وَمَعْصِيَتِهِ بِإِنْكَارِ مَا خَالَفَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَمِنْهُ أَنَّهُ يُجْمِعُ عُلَمَاءُ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى حُكْمِ حَادِثَةٍ إمَّا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا، فَهُوَ حُجَّةٌ لَكِنْ لَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ، بَلْ يُخَطَّأُ وَيُدْعَى إلَى الْحَقِّ، وَلَا مَسَاغَ لَهُ فِيهِ لِاجْتِهَادٍ. اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ، لَا قَطْعِيٌّ. لَكِنْ حَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ خِلَافًا فِيمَنْ جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ بِالضَّرُورَةِ، هَلْ يَكْفُرُ؟ فَقَالَ: فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ
الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، هَلْ الْعَامَّةُ مَقْصُودَةٌ؟ وَجْهَانِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ جَمِيعَ الْمَعْصُومِينَ فِي الْإِجْمَاعِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكْفُرُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ بِجُحُودِ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ، وَفَصَّلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ، وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهَا الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ فَكَافِرٌ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ فَلَا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لَا نَصَّ فِيهِ، فَفِي الْحُكْمِ بِتَكْفِيرِهِ خِلَافٌ، وَصَحَّحَ فِي بَابِ الرِّدَّةِ فِيهِ الْقَوْلَ بِالتَّكْفِيرِ. وَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ مِنْ التَّكْفِيرِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ خِلَافٌ، أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ، فَقَالَ: مَنْ اسْتَحَلَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَفَرَ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْمُسْتَحِلِّ فَقَالَ: كَيْفَ يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ رَدَّ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَنُضَلِّلُهُ. وَأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ ثَابِتٌ فِي الشَّرْعِ، ثُمَّ حَلَّلَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ رَادًّا لِلشَّرْعِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَوْضَحُ فَلْيُحَرَّرْ. مِثْلُهُ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ، أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ. اهـ.
وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ ": أَنَّ مِنْ اعْتَرَفَ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَقَرَّ بِصِدْقِ الْمُجْمِعِينَ فِي النَّقْلِ ثُمَّ أَنْكَرَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، كَانَ هَذَا التَّكْذِيبُ آيِلًا إلَى تَكْذِيبِ الشَّارِعِ وَمَنْ كَذَّبَ الشَّارِعَ كَفَرَ. وَالْقَوْلُ الضَّابِطُ فِيهِ: أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ طَرِيقًا فِي ثُبُوتِ الشَّرْعِ لَمْ يَكْفُرْ، وَمَنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مِنْ الشَّرْعِ ثُمَّ جَحَدَهُ، كَانَ مُنْكِرًا لِلشَّرْعِ. وَإِنْكَارُ بَعْضِهِ كَإِنْكَارِ كُلِّهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي دِيبَاجَةِ كِتَابِهِ الْمُحِيطِ " فِي إنْكَارِ إجْمَاعِ الْخَاصَّةِ: إنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ فَفِي الْحُكْمِ بِرِدَّتِهِ وَجْهَانِ، وَعَلَيْهِمَا نَقْتُلُهُ. لَكِنْ عَلَى الثَّانِي نَقْتُلُهُ حَدًّا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلرِّدَّةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ الْفَزَارِيّ فَقِيهُ الْحَرَمِ: مَنْ جَحَدَ أَصْلًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَفَرَ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يُكَفَّرُ إلَّا بِمَا اشْتَرَطْنَا فِي الْإِسْلَامِ إذَا أَنْكَرَهُ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ السُّهَيْلِيُّ فِي أَدَبِ الْجَدَلِ ": الْأَقْرَبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ كَوْنَهُ حُجَّةً فَإِنَّهُ يُخَطَّأُ، وَيُفَسَّقُ، وَلَا يُكَفَّرُ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حُجَّةٌ، فَإِنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِالتَّوَاتُرِ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَانَدَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْآحَادِ فَإِنَّهُ مُخْطِئٌ أَوْ فَاسِقٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْآمِدِيَّ، وَابْنِ الْحَاجِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي غَايَةِ الْقَلِقِ، فَإِنَّهُمَا حَكَيَا مَذَاهِبَ فِي مُنْكِرِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ، ثَالِثُهَا: الْمُخْتَارُ أَنَّ نَحْوَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ يَكْفُرُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ قَوْلًا بِالتَّكْفِيرِ فِي الْأَمْرِ الْخَفِيِّ، وَقَوْلًا بِعَدَمِهِ فِي نَحْوِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الْهِنْدِيِّ فِي النِّهَايَةِ " هُنَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: جَاحِدُ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا: " مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ " لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوَهَا يَكْفُرُ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، بَلْ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ، لِأَنَّ جَاحِدَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ لَا يُكَفَّرُ وِفَاقًا. انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله: الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ أَدِلَّةَ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيَّةٌ، فَلَا شَكَّ فِي نَفْيِ التَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الظَّنِّيَّةَ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَلَا نُكَفِّرُ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ قُلْنَا قَطْعِيَّةٌ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُخْتَلِفُونَ فِي تَكْفِيرِهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَكْفُرَ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ قَطْعِيَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا تَعُمُّ مَعْرِفَتُهُ كُلَّ أَحَدٍ بِخِلَافِ مَنْ جَحَدَ سَائِرَ الْمُتَوَاتِرَاتِ، وَالتَّوَقُّفُ عَنْ التَّكْفِيرِ أَوْلَى مِنْ الْهُجُومِ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ عليه السلام:«مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا جَاءَتْ عَلَيْهِ» . اهـ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيٌّ، فَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْفِيرِ مُخَالِفِهِ كَسَائِرِ الظَّنِّيَّاتِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ دَلِيلَهُ قَطْعِيٌّ، فَالْحُكْمُ الْمُخَالِفُ فِيهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ إثْبَاتِهِ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا. فَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا، فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّكْفِيرِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا، فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا يُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِيمَا تَوَاتَرَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِالنَّقْلِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا مُوجِبًا لِلْكُفْرِ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنَّمَا يُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِيمَا حَصَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ بِطَرِيقٍ قَطْعِيٍّ، أَعْنِي أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ بِهِ إذَا لَمْ يَنْقُلْ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ الْحُكْمَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ تَارَةً يَصْحَبُهُ التَّوَاتُرُ بِالنَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَتَارَةً لَا. فَالْأَوَّلُ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَكْفِيرِهِ، وَالثَّانِي قَدْ يُخْتَلَفُ فِيهِ. فَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَفْظٌ مُعَيَّنٌ، بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مَعْلُومًا بِالْقَطْعِ بِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْحَصْرِ، كَوُجُوبِ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ. فَتَنَبَّهْ لِهَذَا، فَقَدْ غَلَطَ فِيهِ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ، وَيَعْتَقِدُ مِنْ الْمَائِلِينَ إلَى الْفَلْسَفَةِ، حَيْثُ حَكَمَ