الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَ الْعَامِّيِّ فِي الْإِجْمَاعِ اخْتَلَفُوا فِي الْفَقِيهِ وَالْأُصُولِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ قَوْلَ الْجَمِيعِ؛ لِقِيَامِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَامِّيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهُ بِالْعَامِّيِّ؛ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ فَاعْتَبَرَ قَوْلَ الْفَقِيهِ، وَأَلْغَى قَوْلَ الْأُصُولِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ لِكَوْنِهِ أَعْلَمَ بِمَدَارِكِ الْأَحْكَامِ، وَكَيْفِيَّةِ اقْتِنَاصِهَا مِنْ مَدَارِكِهَا مِنْ الْفَقِيهِ الَّذِي لَيْسَ بِأُصُولِيٍّ. وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْكَلَامِ، وَالْأُصُولِيِّ فِي الْأُصُولِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ.
[هَلْ لِخِلَافِ الْأُصُولِيِّ فِي الْفِقْهِ اعْتِبَارٌ]
[هَلْ لِخِلَافِ الْأُصُولِيِّ فِي الْفِقْهِ اعْتِبَارٌ؟] وَأَمَّا الْأُصُولِيُّ الْمَاهِرُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْفِقْهِ، فَفِي اعْتِبَارِ خِلَافِهِ فِي الْفِقْهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ. وَذَهَبَ الْقَاضِي إلَى أَنَّ خِلَافَهُ مُعْتَبَرٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ إلَى أَنَّ خِلَافَهُ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُفْتِينَ، وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ لَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ الْمُفْتِيَ فِيهَا، قَالَ إلْكِيَا: وَالْحَقُّ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَحْكَمَ الْأُصُولَ، فَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهَا. وَيُقَلِّدُ فِيمَا سَنَحَ لَهُ مِنْ الْوَقَائِعِ، وَالْمُقَلِّدُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَذْهَبَ الْقَاضِي. وَقَالَ: إذَا أَجْمَعَ الْمُفْتُونَ، وَسَكَتَ [الْأُصُولِيُّونَ] الْمُتَصَرِّفُونَ فَيَبْعُدُ أَنْ يَتَوَقَّفَ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى
مُرَاجَعَتِهِ، فَإِنَّ الَّذِينَ لَا يَسْتَقِلُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ فِي جَوَابِ مَسْأَلَةٍ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ تَقْلِيدُ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُحَالِ وُجُوبُ مُرَاجَعَتِهِمْ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُمْ أَبْدَوْا وَجْهًا فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ سَالِفًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إرْشَادِهِمْ وَتَهْدِيَتِهِمْ إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَإِنْ أَبْدَوْا قَوْلَهُمْ إبْدَاءَ مَنْ يُزَاحِمُ الْأَحْكَامَ، فَالْإِنْكَارُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَالْقَوْلُ الْمُغْنِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا قَوْلَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ بَيْنَ مَنْ يُقَلِّدُ وَيُقَلَّدُ مَرْتَبَةٌ ثَالِثَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَالنَّظَرُ السَّدِيدُ يَتَخَطَّى كَلَامَ الْقَاضِي وَعَصْرَهُ، وَيَتَرَقَّى إلَى الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُفْضِي إلَى مُدْرِكِ الْحَقِّ قَبْلَ ظُهُورِ الْخِلَافِ. وَالتَّحْقِيقُ - خَالَفَ الْقَاضِي أَوْ وَافَقَ - أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ إذَا أَطْبَقُوا لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِ الْمُتَصَرِّفِينَ مَذْهَبًا مُخْتَلِفًا بِهِ، فَإِنَّ الْمَذَاهِبَ لِأَهْلِ الْفَتْوَى، فَإِنْ بَانَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَالْكَلَامُ الْكَافِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُفْتِيًا اُعْتُبِرَ خِلَافُهُ، وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ " الدَّلَائِلِ ": إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ لَا مَدْخَلَ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ، سَوَاءٌ الْمُتَكَلِّمُ وَغَيْرُهُ، وَهُمْ الَّذِينَ تَلْقَوْا الْعِلْمَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ وَهُمْ الْقَائِمُونَ بِعِلْمِ الْفِقْهِ، فَأَمَّا مَنْ انْفَرَدَ بِالْكَلَامِ فِي الْخَبَرِ وَالظِّفْرَةِ وَالدَّاخِلَةِ، لَمْ يَدْخُلْ فِي جُمْلَةِ الْعُلَمَاءِ، فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانُوا حُذَّاقًا بِدَقَائِقِ الْكَلَامِ، كَمَا لَا يُجْعَلُ الْحَاذِقُ مِنْ النُّقَّادِ حُجَّةً عَلَى الْبَزَّازِ فِي الْبَزِّ. انْتَهَى.