الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَيْثُ بَرَكَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبَرُّكًا بِآثَارِهِ الظَّاهِرَةِ.
[الثَّالِثُ مَا احْتَمَلَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْجَبَلِيَّةِ إلَى التَّشْرِيعِ]
ِ بِمُوَاظَبَتِهِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَاللُّبْسِ وَالنَّوْمِ، وَهُوَ دُونَ مَا ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، وَفَوْقَ مَا ظَهَرَ فِيهِ الْجِبِلِّيَّةُ، وَقَدْ يَخْرُجُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّشْرِيعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْعِيٌّ؛ لِكَوْنِهِ مَنْصُوبًا لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: اسْقِنِي قَائِمًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ قَائِمًا. وَقَدْ صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يَصِيرُ سُنَّةً وَشَرِيعَةً، وَيُتَّبَعُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُتَّبَعُ فِيهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. هَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ فِي " شَرْحِ التَّرْتِيبِ "، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ فِي " الْأُصُولِ ": يُعْلَمُ تَحْلِيلُهُ عَلَى أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُتَوَقَّفُ فِيهِ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ عَلَى الْبَيَانِ.
وَهَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ إلْكِيَا، وَعَلَّلَ الْوَقْتَ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِيقَاعِ، وَالْمَصَالِحُ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ. قَالَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِلْأُصُولِيِّينَ مُتَّجَهٌ إلَّا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ سُئِلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فَأَجَابَتْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَبْتَعِدُ عَنْ ذَلِكَ. اهـ. وَجَزَمَ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ «عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: رَأَيْتُك تَصْنَعُ أَرْبَعًا، وَفِيهَا: رَأَيْتُك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ؟ فَقَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا» . وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاِتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ، وَقَالَ: إنِّي لَمْ أَلْبَسْهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ» .
وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ مَا يَقْتَضِي انْقِسَامَ هَذَا الْقِسْمِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا يَتَرَقَّى إلَى الْوُجُوبِ، كَإِيجَابِ الشَّافِعِيِّ الْجُلُوسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «كَانَ يَجْلِسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ» . وَثَانِيهَا: مَا يَتَرَقَّى إلَى النَّدْبِ، كَاسْتِحْبَابِ أَصْحَابِنَا الِاضْطِجَاعَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَرْءُ تَهَجَّدَ أَوْ
لَا؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَمْرِ بِهِ فَمَعْلُولٌ. ثَالِثُهَا: مَا يَجِيءُ فِيهِ خِلَافٌ، كَدُخُولِهِ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءَ وَخُرُوجِهِ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءَ، وَحَجِّهِ رَاكِبًا، وَذَهَابِهِ إلَى الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ، وَرُجُوعِهِ فِي أُخْرَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا: هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْجِبِلِّيِّ، فَلَا