الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْكَلَامُ فِي الْأَخْبَارِ] [
الْمَوْطِنُ الْأَوَّلُ مَدْلُولِ الْخَبَرِ]
ِ اعْلَمْ أَنَّ أَسَاسَ النُّبُوَّاتِ وَالشَّرَائِعِ يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْأَخْبَارِ، وَأَكْثَرُ الْأَخْبَارِ مُسْتَفَادٌ مِنْهَا، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ فَحَقِيقٌ الِاهْتِمَامُ بِهِ؛ لِمَا يُؤَمَّلُ لِمَعْرِفَتِهِ مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَالْكَلَامُ فِي الْخَبَرِ فِي مَوَاطِنَ: الْمَوْطِنُ الْأَوَّلُ فِي مَدْلُولِهِ أَمَّا لُغَةً: فَمُشْتَقٌّ مِنْ الْخَبَارِ، وَهِيَ الْأَرْضُ الرَّخْوَةُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يُثِيرُ الْفَائِدَةَ، كَمَا أَنَّ الْأَرْضَ الْخَبَارَ تُثِيرُ الْغُبَارَ إذَا قَرَعَهَا الْحَافِرُ، وَيُطْلَقُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أُمُورٍ. أَحَدُهَا: الْمُحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ. وَثَانِيهَا: عَلَى مُقَابِلُ الْمُبْتَدَأِ نَحْوُ: قَائِمٍ، مِنْ زَيْدٌ قَائِمٌ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ نَحْوِيٌّ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُفْرَدٌ لَا يَحْتَمِلُهُمَا، وَاَلَّذِي يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ إنَّمَا هُوَ الْمُرَكَّبُ قَسِيمُ الْإِنْشَاءِ لَا خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ أَصْلَ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ الْإِفْرَادُ،
وَاحْتِمَالُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْكَلَامِ، وَلِهَذَا ضُعِّفَ مَنْعُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ كَوْنَ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ طَلَبِيَّةً، نَظَرًا إلَى أَنَّ الْخَبَرَ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَالطَّلَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ، وَمَا عُلِّلَ بِهِ بَاطِلٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَثَالِثُهَا: عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِنْشَاءِ وَالطَّلَبِ، وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُحَدِّثِينَ: أَخْبَارُ الرَّسُولِ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ تَسْمِيَةُ الْحَدِيثِ بِالْخَبَرِ، وَمُعْظَمُ السُّنَّةِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَاصِلَ جَمِيعِهَا آيِلٌ إلَى الْخَبَرِ، فَالْمَأْمُورُ بِهِ فِي حُكْمِ الْمُخْبَرِ عَنْ وُجُوبِهِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي النَّوَاهِي. قَالَ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام لَيْسَ آمِرًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، وَإِنَّمَا الْآمِرُ حَقًّا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَصِيَغُ الْأَمْرِ مِنْ الْمُصْطَفَى فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ عَنْ اللَّهِ.
وَالثَّانِي: إنَّمَا سُمِّيَتْ أَخْبَارًا لِنَقْلِ الْمُتَوَسِّطِينَ، وَهُمْ يُخْبِرُونَ عَمَّنْ يَرْوِي لَهُمْ، وَمَنْ عَاصَرَ الرَّسُولَ كَانَ إذَا بَلَغَهُ لَا يَقُولُ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ، بَلْ يَقُولُ: أَمَرَنَا، فَالْمَنْقُولُ إذًا اسْتِجْدَادُ اسْمِ الْخَبَرِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ إلَى حَيْثُ انْتَهَى.
تَعْرِيفُ الْخَبَرِ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ: فَيُطْلَقُ الْخَبَرُ عَلَى الصِّيغَةِ، كَقَوْلِنَا: قَامَ زَيْدٌ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ، ثُمَّ
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ فِي النَّفْسَانِيِّ، مَجَازٌ فِي اللِّسَانِيِّ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، كَالْخِلَافِ فِي الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِهِ، وَنُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ لَا صِيغَةَ لِلْخَبَرِ، وَعَنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ خَبَرًا إذَا انْضَمَّ إلَى اللَّفْظِ قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ إلَى الْإِخْبَارِ بِهِ، كَمَا قَالُوا فِي الْأَمْرِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ صِيغَةً تَدُلُّ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَمَا أَشْبَهَهُ.
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْخَبَرِ، هَلْ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ؟ فَاخْتَارَ السَّكَّاكِيُّ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ التَّعْرِيفِ، وَكَذَا الْإِمَامُ الرَّازِيَّ. قَالَ:؛ لِأَنَّ تَصَوُّرَهُ ضَرُورِيٌّ، إذْ تَصَوُّرُنَا مَوْجُودٌ ضَرُورِيٌّ، وَهُوَ خَبَرٌ خَاصٌّ، وَالْعَامُّ جُزْؤُهُ، فَتَصَوُّرُهُ تَابِعٌ لِتَصَوُّرِ الْكُلِّ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُفَرِّقُ بِالضَّرُورَةِ بَيْنَ مَعْنَى الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ، وَالضَّرُورِيُّ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الْخَبَرُ قَالَ الْآمِدِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، إذْ الضَّرُورِيُّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ، كَمَا فُعِلَ. سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ، لَا بِالْخَبَرِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ خَبَرًا، وَقَوْلُهُمْ: الْعَامُّ هُوَ جُزْءُ الْخَاصِّ، قُلْنَا يَلْزَمُ انْحِصَارُ الْأَعَمِّ فِي الْأَخَصِّ، وَهُوَ مُحَالٌ. ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِالْعَرَضِ الْعَامِّ، كَالْأَسْوَدِ، وَلَيْسَ السَّوَادُ جُزْءًا مِنْ مَعْنَى الْإِنْسَانِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتِقَاضُهُ بِالْحَدِّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ إنَّهُ الَّذِي يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ أَوْ الْكَذِبَ لِذَاتِهِ، أَيْ الصَّالِحَ؛ لَأَنْ يُجَابَ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ: بِصِدْقٍ، أَوْ كَذَبَ.